بقلم : طارق الحميد
ي الوقت الذي يتحدث فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن توثيق التعاون بين بلاده وروسيا ضد الجماعات المتطرفة في سوريا، وتحديًدا «داعش»، يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن«داعش» ظهر نتيجة تدخل واشنطن وغزوها للعراق في عام 2003.
ويقول لافروف، بحسب موقع «روسيا اليوم»، وفي كلمة له أمام منتدى لشباب روسيا، إن سياسة الغرب في الشرق الأوسط أدت إلى ما تشهده المنطقة حالًيا، منوها بأن واشنطن وافقت على طرد ضباط نظام صدام حسين من الجيش، مما أدى إلى تهميش السنة في العراق وانضمام كثير من الضباط السابقين إلى «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة، مضيًفا أنه «لا يوجد أي ضمانات لتجنب تكرار السيناريو الليبي في سوريا في حال رحيل بشار الأسد»، خصوًصا أن شركاء روسيا يدعون إلى إبعاد الأسد عن السلطة قبل مكافحة الإرهاب، لكن موسكو ترى ذلك ممكًنا فقط عبر الانتخابات!
حسًنا، السؤال هنا هو: هل يريد الوزير لافروف البحث عن الحلول فعلاً، أم شراء الوقت والتسويف، دفاًعا عن الأسد؟ إذا أراد الحلول فإنها تكمن في تعلم الدروس من التجارب السابقة، وليس اللوم، ورمي المشكلات على الآخرين. قبل «داعش» ظهرت «القاعدة» في العراق، وتم دحرها، ثم عاد ما هو أسوأ منها بسبب عدم البحث عن الحلول السياسية الجادة، ومنها وقف الإقصاء الطائفي في العراق، وكف يد إيران من التدخل هناك، وتحديًدا عندما قرر الرئيس أوباما الخروج السريع من العراق. لكن الدروس لا تنحصر في هذا الأمر فقط.
إذا أراد الوزير لافروف الحلول الجادة، وتفادي ظهور جماعات مسلحة خطرة، فليتعظ من تجربة غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، التي بدأت بمعاهدة الصداقة والتعاون الموقعة مع أفغانستان في ديسمبر (كانون الأول) 1978، والشبيهة بما يحدث الآن بين روسيا والأسد. بعد ذلك الغزو ظهرت طالبان وقويت شوكتها، واحتضنت ما عرف بـ«المجاهدين العرب» الذين تحولوا بعد ذلك إلى تنظيم القاعدة، وباقي القصة معروف.
وعليه فما الأفضل اليوم.. أن يسار إلى الاستفادة من أخطاء الماضي، أم الاستمرار في تكرارها؟ ما يقوله لافروف عن «داعش» والأسد، وأميركا، يصلح أن يكون جدلاً صحافًيا، لا حديث أهل السياسة، فالمطلوب الآن هو تقديم الحلول، وحقن الدماء بوقف آلة القتل الأسدية التي أودت بحياة نصف مليون سوري، عدا عن ملايين المشردين، وكل المخاطر بالمنطقة، والغرب، لأن النظام الأسدي هو مصدر الإرهاب اليوم.
ولذا فإن تصريحات الوزير لافروف لا تعني إلا شيًئا واحًدا وهو صعوبة الوثوق بالروس، أو الاعتقاد بأنه يمكن التفاهم معهم، وربما يسعى الروس لإنجاز اتفاق ما، لكن ليس عبر المفاوضات، أو الإغراءات، وإنما عندما يرون تحرًكا أميركًيا غربًيا جاًدا في سوريا، وتحديًدا على الأرض، عدا عن ذلك فإنه مضيعة للوقت، والأرواح.