طارق الحميد
نقلت وكالة «رويترز» بالأمس خبرا مقتضبا على لسان الناطق الرسمي باسم جماعة الحراك الشعبي في محافظات سنية عراقية، مفاده أن زعماء عشائر سنية ورجال دين في معقل السنّة بالعراق مستعدون للانضمام إلى الحكومة الجديدة، إذا تحققت لهم شروط معينة.
ولم تُشِر الوكالة إلى ماهية تلك الشروط، إلا أن الحكمة تقتضي اليوم القول صراحة إنه من الضرورة الآن مشاركة السنّة في الحكومة العراقية الجديدة، التي يعكف على تشكيلها رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي، الذي يخلف نوري المالكي المرفوض من جميع المكونات العراقية، فليس من صالح سنّة العراق الآن تكرار الأخطاء نفسها التي ارتكبوها بعد سقوط صدام حسين، حيث قاموا بمقاطعة العملية السياسية في حينها، وأضاعوا فرصة تصحيح الأوضاع، مما مكن البعض في العراق من اللجوء للإقصاء، والاعتماد على المحاصصة الطائفية، وهو الأمر الذي ساهم به الأميركيون وقتها بشكل كبير.
اليوم أمام سنة العراق فرصة جديدة لتصحيح الأوضاع، وإجبار كل الأطراف السياسية على احترام حقوق السنة، وغيرهم، وهذا أمر لن يتحقق بالمقاطعة، بل بالمشاركة والمطالبة والتفاوض، خصوصا مع الاهتمام الإقليمي والدولي الحالي، مما يتوجب عملية فرز حقيقية بين المطالب المشروعة لسنة العراق، وغيرهم، وإجرام «داعش» التي تحاول إيران ونظام الأسد الاستفادة منها الآن سياسيا. فرصة سنة العراق اليوم كبيرة، ومهمة، حيث يجب عدم تكرار أخطاء الماضي، والأمر نفسه ينطبق على الدول العربية المعنية، فقد لا يكون السيد حيدر العبادي البديل المثالي في العراق، لكنه اليوم رئيس الوزراء المكلف، وأقول ذلك وقد التقيت الرجل في عام 2007، وأعرفه، وناقشته، ودار بيننا حوار لا يُنسى، وكتبت عنه مقالا في عام 2008، وذلك ردا على تعريضه بي.
وعليه، فالقصة اليوم ليست بالتشفي بسقوط الديكتاتور نوري المالكي، بل في كيفية استثمار هذه اللحظة السياسية المهمة لما فيه صالح العراق والعراقيين ككل، وما فيه أيضا صالح المنطقة برمتها، خصوصا أنه لن يكون بمقدور العبادي الآن أن يكون «مالكي» جديدا. ولذا، فالمنتظر من سنة العراق الآن هو المشاركة بالحكومة الحالية، والسعي جديا لتصحيح الأوضاع السياسية الإقصائية، كما أن على دول المنطقة الفاعلة أن تعمد إلى إرسال سفراء للعراق، فالوقت الآن وقت أفعال، وليس وقت تردد أو مقاطعة، حيث لم يستفد من المقاطعة إلا متطرفو العراق، وعلى رأسهم نوري المالكي.
ولذا، فاليوم نحن أمام فرصة سياسية جديدة ومهمة تقتضي مشاركة سنة العراق، وضرورة أن يفرز السنة أنفسهم جليا عن «داعش»، كما تقتضي ضرورة أن تعيد الدول العربية المؤثرة، وعلى رأسها السعودية، الحياة للعلاقات السياسية العراقية العربية، عبر إرسال السفراء، وأكثر، وليس المقصود هو البحث عن دور سني، أو عربي، بقدر ما هو فرصة ليكون العراق لكل العراقيين، وليعود العراق إلى حاضنته العربية دولة ذات مكانة، لا دولة تابعة، أو مسرحا كبيرا للجرائم الطائفية.