طارق الحميد
نشرت صحيفة «الواشنطن بوست» الأميركية قصة حول الموقف السعودي من مصر، كتبتها مراسلة الصحيفة بالمنطقة ليز سلاي. وفي القصة ما يؤخذ ويرد، لكن اللافت ما كتبته المراسلة في تغريدة لها على «تويتر»، حيث قدمت لقصتها قائلة إن «مصر تمثل للسعودية ما تمثله سوريا لإيران»!
وهذا تعليق لا ينم عن وعي، خصوصا أن الصحافية تنتمي لصحيفة بحجم «الواشنطن بوست»، والمزعج أن لنفس المراسلة تعليقات حول الشأن المصري، منها التشكيك في محاكمة مبارك الذي تمت تبرئته أصلا في ظل حكم مرسي، مما يوحي بأن الصحافية باتت طرفا في القصة المصرية وليست مراسلة تقدم الخبر فقط. القول بأن مصر للسعودية بمثابة سوريا لإيران دليل على خلل في الفهم والرؤية، مما يستوجب النقاش الجاد، خصوصا أن المراسلة متخصصة في شؤون المنطقة، ورؤيتها للعلاقات المصرية السعودية دليل على عدم فهم للمنطقة برمتها!
موقف الرياض من القاهرة سببه أن مصر للسعودية مثل بريطانيا لأميركا، أو العكس، أي حلفاء، بينما علاقة سوريا بإيران هي علاقة تبعية! في دمشق نظام طائفي لا يتجاوز تمثيله العشرة في المائة من السوريين، ولذا لجأ الأسد الأب منذ أربعة عقود للتحالف مع إيران، ليس لحمايته وحسب، بل ولمنحه مشروعية طائفية حين أفتى الخميني بأن العلويين شيعة، مما مكن الأسد من السيطرة على سوريا ولبنان، وفتح لطهران نافذة على المنطقة مكنتها من تنفيذ مخططها الطامح لتصدير «الثورة الخمينية»، ولذا تدافع طهران الآن عن الأسد الابن بكل ما أوتيت من قوة، وهذا أمر لا يشبه العلاقات السعودية المصرية على الإطلاق.
العلاقة السعودية المصرية هي أقرب للعلاقة الأميركية البريطانية بكل ما في فصول تاريخها من تقلبات، من إحراق البيت الأبيض، إلى التحالف في الحرب العالمية الأولى والثانية، وحتى اليوم، والأمر نفسه في العلاقة السعودية المصرية، سواء قبل الحرب الإسرائيلية المصرية، أو بعدها. ولذا من المهم التمعن في مقولة الفريق أول عبد الفتاح السيسي حين وصف موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز من مصر بأنه الأقوى عربيا منذ عام 1973. والتحالف السعودي المصري تجلى أيضا في المعركة السياسية العربية تمهيدا للمعركة الحربية لتحرير الكويت. والتحالف المصري السعودي أيضا شكل ركنا من أركان الاعتدال في المنطقة، مما ساعد على صمود السلام المصري الإسرائيلي. ومثلما تمثل لندن حليفا لواشنطن منذ الحرب العالمية الأولى والثانية وحتى إرهاب «القاعدة» بنيويورك عام 2001 وللآن، فإن الرياض حليف للقاهرة من قبل وبعد حرب السبعينات وحتى مواجهة الإرهاب بمصر الآن، ومستقبلا.
العلاقة المصرية السعودية هي علاقة حلفاء، كالعلاقة البريطانية الأميركية، بينما العلاقة السورية الإيرانية علاقة تبعية، والفارق كبير جدا، وهذا ما لا يدركه البعض في الإعلام الغربي، وحتى الإدارة الأميركية، ولذا نرى ما نراه من تخبط، ليس تجاه مصر وحسب، بل وتجاه سوريا كذلك!
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط