طارق الحميد
بعيدا عن كل الخطابات الدعائية السياسية على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن الوقائع تقول إن الجميع عاد إلى مصر، وبعد 29 يوما من الحرب والدمار في غزة، وليس إلى تركيا أو خلافه، حيث عادت حماس إلى مصر الآن بعد أن رفضت المبادرة المصرية أوائل العدوان الإسرائيلي على غزة.
اليوم يتفاوض الفلسطينيون والإسرائيليون في مصر، وبحضور كل من حماس والجهاد الإسلامي تحت مظلة السلطة الفلسطينية، وذلك في إطار هدنة الـ72 ساعة، إلا أن هذه الهدنة التاسعة، في 29 يوما، وهذا التفاوض يأتيان في سياق سياسي مختلف عن كل ما نسمعه من دعاية، حيث إن الوقائع على الأرض قاسية، ومحزنة، والواقع السياسي صعب الآن على حماس التي أضاعت فرصة القبول بالمبادرة المصرية أوائل الحرب على غزة. اليوم يدخل الفلسطينيون والإسرائيليون مفاوضات مصر وقد قتلت إسرائيل ما يزيد على 1881 غزاويا، وجرحت قرابة العشرة آلاف، ودمرت ما لا يقل عن عشرة آلاف منزل ومسجد بشكل كامل، ونحو 30 ألفا بشكل جزئي، وقرابة 267 ألف نازح!
وفوق هذا وذاك فإن إسرائيل تسعى إلى تحويل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلى بداية اتفاق إقليمي أكبر لبحث نهاية الصراع هناك شريطة أن تكون السلطة الفلسطينية ودول أخرى جزءا من الاتفاق، وليس حماس التي تشترط إسرائيل نزع سلاحها من غزة. يحدث كل ذلك بينما تعلن حماس عن انتصارها، والحقيقة أنه من الصعب رؤية أي انتصار في غزة سواء لإسرائيل أو حماس، وإنما هناك دمار وعبث وعدوان وإجرام، وكذلك مغامرة سياسية قادت الطرفين، حماس وإسرائيل، إلى حرب لا مبرر لها.
الآن نرى الجميع يعود إلى مصر، وخصوصا حماس التي رفضت المبادرة المصرية مسبقا على أمل طرح مبادرة تركية أو قطرية، وكان مبرر حماس لرفض المبادرة المصرية مسبقا، وقبل وقوع عدد كبير من القتلى في غزة، هو أن مصر لم تشاورهم، وهذا ما قاله خالد مشعل في مقابلات صحافية غربية، إلا أن إسماعيل هنية يقول الآن، وبعد كل التهم بحق مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي من قبل حماس والإخوان المسلمين: «ندعم وفدنا الفلسطيني الموحد...»، ومضيفا: «نحن على قناعة بأن أشقاءنا المصريين والعرب في خندق مشترك مع المقاومة لإنهاء الحصار عن قطاع غزة».
والأسئلة هنا كثيرة، ومحيرة، فكيف اقتنعت حماس بأن مصر والأشقاء العرب «في خندق مشترك مع المقاومة لإنهاء الحصار عن قطاع غزة» بعد كل حفلة التخوين التي رأيناها على مدى 29 يوما مضت؟ وما الذي سيعوض الدم الفلسطيني؟ وكيف ستواجه حماس الفخ السياسي الذي نصبته لها إسرائيل بسحب قواتها من غزة بشكل أحادي، وهو ما كان يمكن تلافيه بقبول المبادرة المصرية أوائل العدوان؟ أسئلة كثيرة تستحق الإجابة عنها، وأهمها لماذا تم تجاهل دور مصر التي عاد الجميع إليها الآن، وتحديدا حماس؟