طارق الحميد
لولا تخبط السياسات الأميركية في المنطقة، وآخرها في مصر، لما كان بشار الأسد سيجرؤ على مواصلة ارتكاب جرائمه، كمجزرة أمس البشعة في الغوطة الشرقية والتي أودت بحياة عدد مرعب من السوريين، معظمهم من الأطفال والنساء، والأعداد مرشحة للزيادة.
فهم الأسد جيدا من موقف إدارة أوباما بالأزمة المصرية أن بإمكانه الهروب للأمام، فموقف واشنطن من مصر يظهر أحد أمرين؛ فإما أن واشنطن تريد الهروب من استحقاقات الأزمة السورية بالملف المصري، أو أنها، أي واشنطن، لا تمتلك أصلا رؤية لكيفية التعامل مع ما يحدث، وعاجزة عن اتخاذ موقف استراتيجي حيال الانهيار الوشيك بالمنطقة، وهو الأمر الذي لا يتطلب الاعتماد على مراكز الدراسات واللوبيات بقدر ما أنه يتطلب حلفاء تتفنن واشنطن بخسارتهم! قيّم الأسد عجز واشنطن بعقلية زعيم مافيا، ورأى أن بمقدوره استغلال تباين المواقف تجاه مصر، عربيا وإقليميا ودوليا، بسبب التخبط الأميركي، وكما حذرنا في مقال «هل يستفيد الأسد مما يحدث بمصر؟» الاثنين الماضي، حيث قام بارتكاب جريمته البشعة يوم أمس.
ولا يهم استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية من عدمه بمجزرة الغوطة، الأهم أن هناك جريمة بشعة ارتكبت بحق الأطفال والنساء، جريمة تذكرنا بعمق وحكمة الملك عبد الله بن عبد العزيز حين حذر المتدخلين بالشؤون المصرية في خطابه التاريخي بأنهم في ذلك «يؤيدون الإرهاب الذي يدّعون محاربته»، وهذا ما يحدث الآن فعليا في سوريا، وحدث بمصر! فمن يقوِّض الدولة المصرية دعما لجماعة فاشية هو داعم للإرهاب، خصوصا حين يتجاهل ثلاثين مليون مصري خرجوا ضد «الإخوان». ومن يتجاهل الثورة السورية السلمية ببدايتها، ورغم عنف الأسد، ويمعن بتجاهلها طوال عامين، وحتى بعد وقوع ما يزيد على المائة ألف قتيل، وتدخل إيران وحزب الله فهو دعم للإرهاب أيضا.
ما تتجاهله إدارة أوباما، وما لا تعيه، أن الدول ليست «تويتر» حيث الجدال والمناطحة والأكاذيب.. الدول تقوم على استتباب الأمن واحترام القوانين وعدم الإقصاء وحقن الدماء، وهذا ما لم يفعله «الإخوان»، وما انتهكه الأسد، بل إن القوانين الدولية تفرض ضرورة التحرك والتدخل حفاظا على السلم الأهلي في أي مكان، وما نراه بمصر وسوريا هو تهديد حقيقي للسلم الأهلي، وتعريض للدولة ككل للانهيار. والمدهش أن واشنطن تتعامل مع ما يحدث بمصر وكأنه انقلاب، وتصف أحداث سوريا بالحرب الأهلية، بينما في مصر تنظيم فاشي تغوَّل على الدولة فخرج عليه ثلاثون مليونا يكفل خروجهم في واشنطن إسقاط أوباما نفسه، والأغرب أن الغرب نفسه سعى للدفع بانقلاب على الأسد الذي يقتل شعبه بدعم من مرتزقة إيران الطائفيين، ثم يقال إن ما يحدث بسوريا هو حرب أهلية وليست ثورة! فهل هناك تخبط أكثر من هذا التخبط الأميركي؟
الحقيقة أنه لا غرابة في أن يواصل بشار الأسد ارتكاب جرائمه في حق سوريا والسوريين، فقوة الأسد تكمن في ضعف أوباما نفسه.