طارق الحميد
رغم كل دعم موسكو لنظام الأسد فإن الرئيس الروسي قام بتوجيه نقد واضح لطاغية دمشق؛ حيث يقول فلاديمير بوتين إنه كان بوسع الأسد تفهم ضرورة إجراء تغييرات جذرية في الوقت المناسب لمنع ما حدث في البلاد. وإنه كان على الحكومة السورية أن «تبادر إلى إجراء التغييرات المطلوبة»، إلى قوله: «لو كانوا قد فعلوا ذلك حينها، لما حدث ما حدث».
كما أكد بوتين أن روسيا ليست «محاميا عن الحكومة السورية الراهنة وعن الرئيس الحالي بشار الأسد»، وأن بلاده لا تريد أن تتدخل في «العلاقات بين الشيعة والسُنة»! فلماذا قال بوتين ما قاله؟ وما معنى ذلك؟ وبالطبع فإن قراءة الأحداث المتطورة، والمتلاحقة، تظهر أن الروس يريدون ممارسة حيلة جديدة على المجتمع الدولي الذي بات يسابق الساعة الآن لوقف الهجوم الإيراني - الأسدي على حلب، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن انطلت على أميركا، تحديدا، خدعة مؤتمر جنيف 2 التي روّج لها الروس. بينما استطاعوا، وبمساهمة إيرانية واضحة بالسلاح والرجال، تمكين الأسد على الأرض.
اليوم يتحرك الأميركيون، ومعهم الفرنسيون والبريطانيون، كما نشهد تحركا سعوديا ملحوظا، وعلى أعلى مستوى، حيث رأينا زيارة نادرة لكل من الأميرين سعود الفيصل وبندر بن سلطان لفرنسا، وكل ذلك يأتي مع حديث فرنسي واضح عن ضرورة أن يتحرك أصدقاء سوريا للرد على أصدقاء الأسد، أي إيران وحزب الله، وبغطاء سياسي روسي، والمؤكد أن موسكو أدركت حجم خيبة الأمل الأميركية تجاه حيلة جنيف 2، خصوصا أن العرب، وتحديدا الخليجيين، وكذلك الفرنسيون والبريطانيون، كانوا متشككين أصلا بذلك المؤتمر الخدعة، والآن وبعد أن حدث ما حدث على الأرض بسوريا فإن عجلة التدخل تدور بأعلى سرعة، لإنقاذ الثورة السورية من براثن الإيرانيين وحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية.
ولذا فإن انتقاد بوتين للأسد ما هو إلا محاولة روسية للتلويح للغرب بأن موسكو ما زالت قابلة للتفاوض حول الأسد، ومن أجل «فرملة» عجلة التحرك الدولية المتسارعة لتسليح السوريين، خصوصا أن هناك لقاء مرتقبا وهاما بين أوباما وبوتين، وبالطبع لا بد من إدراك أن بوتين رجل براغماتي ولن يجد غضاضة في التنازل عن الأسد لو توفر للروس الثمن «المرغوب» على رأس الطاغية، مع ضمان عدم سقوط النظام بالطبع، وهذا أمر وارد جدا، لكن الأهم الآن هو ألا يخدع المجتمع الدولي مرتين من الروس، ويجب ألا يكون هناك تراخ بالتحرك الدولي لدعم الثوار بالسلاح الآن وليس لتحقيق توازن بالقوة على الأرض، بل من أجل دفع روسيا وإيران إلى إدراك أن اللعبة قد انتهت، ولا مكان للأسد في سوريا. فكل ما يفعله بوتين الآن هو اللعب على الطبع المتردد للرئيس أوباما، والحقائق على الأرض تقول إنه لا مجال لمزيد من الخدع الروسية بالملف السوري، وهذه مهمة حلفاء واشنطن الآن لتأكيد ذلك للرئيس أوباما.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط