طارق الحميد
أقدم شاب تونسي على إحراق نفسه في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية احتجاجا على البطالة، وتردي الأوضاع، وهي الحالة الثانية في تونس بعد إحراق الشاب محمد بوعزيزي لنفسه قبل عامين، وصوّر انتحاره وقتها على أنه الشرارة التي أشعلت «الثورة» على الرئيس التونسي المخلوع بن علي!
أحرق الشاب الثاني نفسه اليوم معتقدا أن الدنيا ستقوم على نظام الحكم الحالي في تونس، وأن العالم سيهب للاحتجاج، وسيتم تخليد ذكراه على أنه «الشهيد» مفجر الثورة الثانية. لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وانتهى الشاب المسكين سطرا في شريط الأخبار بالمحطات الفضائية، لا أكثر ولا أقل. بل إنه في الوقت الذي أحرق نفسه فيه كانت الحكومة التونسية الجديدة تنال الثقة، رغم كل تداعيات حادثة اغتيال المعارض التونسي البارز شكري بلعيد، الذي تلوح أسرته الآن، والمعارضة، باللجوء للمجتمع الدولي للتحقيق في عملية اغتياله! فمن الذي يتحمل مسؤولية انتحار هذا الشاب حرقا؟
بكل تأكيد، أن من يتحمل المسؤولية هم من روجوا لكذبة البوعزيزي، كذبة أنه مفجر الثورة. وهنا لن نقول لقد قلنا لكم، وكتبنا، وإلى آخر هذا الكلام، فهذا أمر لا فائدة منه في منطقة لا تقرأ، وإن قرأت لا تعتبر. والدليل أن معظم مروجي قصة البوعزيزي، والربيع العربي، تحولوا اليوم إلى عقلاء، ونقضوا كل ما قالوه أول الربيع العربي، وتناسوا بقدرة قادر رصيدا هائلا من الكتابات والتنظير والتحريض، والشتائم بحق مخالفيهم، وتخوينهم. تناسوا كل ذلك وباتوا يقدمون أنفسهم كعقلاء، سواء في الملف التونسي، أو المصري، لكن ما تناسوه أن الشاب الذي أحرق نفسه في تونس الآن لم يصل له صوت العقل لأن الضجيج كان أعلى، والتضليل والعبث، هما اللذان يتسيدان المشهد العربي.
هلك الشاب حرقا، ولنفس الأسباب والمبررات التي فعلها البوعزيزي، وهي البطالة والفقر والمهانة، حيث لا شيء تغير في تونس، أو في دول الربيع العربي، بل إن الأوضاع باتت تسير للأسوأ؛ لأن مقصد الإخوان المسلمين الأهم، سواء في تونس أو في مصر، هو الوصول للحكم والسيطرة عليه، وإقصاء الآخرين. ولذلك تم النفخ كثيرا في قصة البوعزيزي، حيث برر له دعاة حق الانتحار، وصوره جل الإعلام العربي على أنه بطل، ومفجر الربيع العربي، وليس الثورة التونسية وحسب. وتحدث عنه الإعلام الغربي، بل والزعماء الغربيون، وخرجت أدبيات تمجد له، لكن واقع الحال في تونس ومصر يقول: إن الأمور تتجه نحو الأسوأ، بل إلى كارثة! ولذا، فإن المسؤول عن دم الشاب التونسي الجديد الذي أحرق نفسه هو من روج قصة البوعزيزي وضخمها.
وللأسف، فقد تحول من تحول، وادعى العقل الآن من يدعيه بالإعلام العربي، لكن حجم الضرر الذي وقع من سيل التزوير والتضليل والتأجيج في المنطقة على مدى عامين كبير، ومن الصعب أن يزول بهذه السهولة. ولذا، فإن السؤال الآن هو: من يعيد الوعي لهذه المجاميع، وتحديدا الشباب المضلل، والمحبط؟
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط