مأمون فندي
لم يبق لـ«الإخوان» أصدقاء في مصر بعد أن استعدت الجماعة القضاء من خلال أزمة النائب العام المتكررة، وحريق المحاكم لإخفاء الأدلة، وحصار المحكمة الدستورية.. الجماعة أيضا في مواجهة مستمرة مع الإعلام من حصار مدينة الإنتاج الإعلامي حيث استوديوهات الفضائيات، وإحالة الإعلاميين إلى النائب العام، وكان آخرهم صاحب البرنامج المشهور باسم يوسف الذي ورط «الإخوان» مع الأميركان، وخلق أزمة دبلوماسية بين مصر والسفارة الأميركية عندما وضعت السفارة على حسابها على «تويتر» حلقة الكوميدي الأشهر جون ستيوارت التي خصصها للسخرية من الرئيس مرسي والدفاع عن باسم يوسف.
حتى الآن الأمر مقدور عليه لو كان «الإخوان» يحاربون القضاء والإعلام فقط، ولكن «الإخوان» استعدوا قطاعات أخرى من المجتمع، حيث استعدى «الإخوان» مؤخرا المخابرات العامة التي اتهمها رئيس حزب الوسط أبو العلا ماضي نقلا عن الرئيس أنها تدير جيشا من البلطجية قوامه 80 ألف بلطجي. وأخيرا مواجهة «الإخوان» مع الأزهر الشريف وقيادته ممثلة في شخص الإمام الشيخ أحمد الطيب.
إذن السؤال هو من يقف مع «الإخوان» الآن بعد أن استعدوا قطاعات عريضة ومتنوعة من المجتمع آخرها معقل الإسلام السني المعتدل متمثلا في الأزهر الشريف، وأتباع الإسلام المعتدل في مصر وبلاد المسلمين كافة، ممن تتعلق عيونهم وقلوبهم بالأزهر، واستدعاء شيخ الأزهر والإمام الأكبر فضيلة الشيخ أحمد الطيب الذي هو في الوقت ذاته مرجع في الطريقة الخلوتية في صعيد مصر، وله من أتباع الطريقة ما يقرب من المليونين في محافظات الصعيد من أسوان وقنا والأقصر والبحر الأحمر وسوهاج وأسيوط حتى الجيزة. «الإخوان» في حربهم مع الأزهر وشيخه يحاربون علي جبهتين: جبهة الأزهر وأتباع الإسلام المعتدل في مصر، وجبهة شيخ شديد المراس له أتباع يبلغ عددهم المليونين، ولهم ولاء له ولطريقته، كما لأعضاء «الإخوان» ولاء للجماعة أو أكثر.
باستعدائهم للأزهر والإسلام الوسطي المعتدل تظهر جماعة الإخوان كجماعة متطرفة من وجهة نظر جمهور العامة في مصر، فالأزهر في مصر له قدسية، والإسلام مربوط تاريخيا بالأزهر لا بجماعة عمرها مقارنة بعمر الأزهر مجرد بضع سنين، وحديثة العهد بالإسلام وعلومه. فرغم أن معظم حملة «الإخوان» عند الأميركان وغيرهم لكي يصلوا إلى الحكم كانت مبنية على أنهم الفصيل الذي يمثل الاعتدال بين الحركات الإسلامية المختلفة في مصر، مثل الجماعة الإسلامية أو السلفية.
لقد خسر «الإخوان» هذه المعركة؛ فبمواجهتهم مع رمز الاعتدال والوسطية المتمثل في الأزهر الشريف يعود «الإخوان» مرة أخرى إلى مربع التطرف. أما مواجهتهم مع شيخ الأزهر فهي ليست كأي مواجهة أخرى، فهذا شيخ له عزوة وليس مجرد منصب. شيخ له أتباع يصل عددهم إلى مليونين من الدراويش ممن يأكلون الأخضر واليابس لو قرر «الإخوان» امتحان قدراتهم، وعددهم أضعاف مضاعفة من عدد المنتمين إلى تنظيم الإخوان. كما أن الشيخ هو حفيد تاريخ طويل من النضال الجنوبي؛ فهو حفيد الشيخ الطيب الذي قام بحركة تمرد ضد الخديوي إسماعيل في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1867) مما اضطر الخديوي إلى إرسال تجريدة عسكرية حرقت مجموعة من قرى قنا والأقصر، مثل قرية السلامية في الشمال، وقرية البعيرات في الجنوب، من أجل القضاء على تمرد الشيخ الطيب.
اليوم وفي المواجهة مع «الإخوان» لا أظن أن الشيخ سيتردد في بعث هذا التاريخ في صفوف أتباعه من أبناء الصعيد، وبهذا يدخل الصعيد كله في موجة الثورة. هذا الصعيد الذي ظل محايدا قد يدخله الطيب في المعمعة.
أعرف الشيخ عن قرب وأسرته، ولنا تاريخ طويل من العلاقات الأسرية، ولا يبعد بيتنا عن بيت الإمام الأكبر إلا دقائق معدودات، يزورنا ونزوره، ونعرف عنه الكثير ويعرف عنا الكثير. لكن ما أود قوله هنا هو أن الشيخ، رغم ما فيه وأسرته من زهد وورع، فإنه شديد المراس وذو بأس، ولا يرضخ للضغوط، ولا يقبل الظلم من كائن من كان، ومن هنا تكون معركة «الإخوان» مع الشيخ خاسرة مقدما، ومع جمهور المسلمين وغير المسلمين الداعمين للأزهر كرمز للاعتدال والوسطية ستكون معركة خاسرة أيضا ضحيتها «الإخوان» أنفسهم حين يعود عنوان حركتهم إلى ما كان عليه في السابق: «الإخوان» رمز التطرف والأزهر رمز الاعتدال.
من يعي درس سقوط مبارك وراقب ردة فعل الأميركان يعرف أن الأميركان تركوه يسقط عندما شاهدوا قطاعات عريضة من الشعب في الشوارع، اليوم تقدير الموقف عند الأميركان تجاه «الإخوان» هو ذاته آخر أيام مبارك: «الإخوان» على خلاف مع القضاء، ومع الإعلام، ومع الجيش، ومع شباب الثورة، ومع جبهة الإنقاذ، والآن في مواجهة مع مركزية الاعتدال الإسلامي ممثلة في الأزهر.
«الإخوان» واقفون بطولهم وبمفردهم وليست لهم ذراع شعبية تحميهم؛ لذلك بدأت نغمة السياسة الأميركية في التغير.
أضف إلى هذا أن حكومة «الإخوان» في مصر متمثلة في الرئيس مرسي ترسل رسائل معاكسة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط؛ فهذا هو الرئيس الإخواني في السودان، ومن قبلها أرسل إشارات تعاون وانفتاح مع إيران، وها هو النظام في مصر راعيا رسميا لحماس، حيث أعلن خالد مشعل ولايته الخامسة من القاهرة. وهي رسالة ضد أي ديمقراطية، فمبارك نفسه لم يكمل الولاية الخامسة.
رسائل الرئيس المصري بالنسبة للرأي العام الأميركي تقول إنه حليف محور الشر. فبعد كل هذه الرقصة الدبلوماسية، مضافا إليها شيطنة صورة الرئيس مرسي من خلال برنامج جون ستيوارت، كل هذا يوحي بأن أوباما أو أي سياسي أميركي إذا اقترب من الدفاع عن مرسي احترق سياسيا.
باختصار نحن أمام الشوط الأخير في معركة «الإخوان» في السيطرة على مصر. نحن أيضا أمام حرب على روح الإسلام في مصر، إما أن ينتصر الإسلام الوسطي المعتدل متمثلا في الأزهر وشيخه ورجاله، أو أن ينتصر التيار الحركي المتطرف متمثلا في «الإخوان» ومن على شاكلتهم. إنها المعركة الحاسمة. طبعا بالنسبة لـ«الإخوان» هي معركة مالية لا إسلامية، فالهجمة على شيخ الأزهر جاءت بعد أن أفتى الأزهر بأن صكوك بيع بعض أصول مصر، خصوصا لقطر، غير إسلامية، ساعتها هاج «الإخوان».. ليس في سبيل الإسلام بل في سبيل الصكوك. ومع ذلك. تلف المعركة في عباءة إسلامية.
هذه معركة فاصلة، وفي تقديري ما هي إلا شهور معدودات وقد يخرج «الإخوان» من المشهد.. ليس من مصر وحدها، بل من السياسة العالمية برمتها.