السير المعوج

السير المعوج

السير المعوج

 عمان اليوم -

السير المعوج

مأمون فندي

 تضحك بشدة لو جلست وحدك وتأملت كيف أن شعبا مثل الشعب اليمني مشى خلف رجل مثل علي عبد الله صالح وسمّاه قائدا ولأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، أو كيف صدّق شعب مثل الإخوة في ليبيا بأن معمر القذافي بكل غرائبياته هو «الأخ القائد»، وتسأل: ما تلك الطقوس السياسية التي مع التكرار تجعل الشعوب تنظر إلى شخوص قادمة من عالم صمويل بكيت ومسرح العبث على أنهم قادة ملهمون؟ ما الذي جعل شعبا فيه الكثير من الذكاء والحضارة مثل أشقائنا في العراق يرون في صدام حسين بطلا لا يضاهيه سوى صلاح الدين الأيوبي؟ رجل لا يأتي من عالم صمويل بكيت فقط، بل من عالم تقليد بكيت في مسرحية توفيق الحكيم «يا طالع الشجرة»، وكما في الأغنية الشعبية التي أسست للمسرحية «يا طالع الشجرة، هات لي معاك بقرة، تحلب وتسقيني، بالمعلقة الصيني»، أي أن البقر يعيش على الشجر ويحلب نفسه بنفسه ويسقي صاحبه بملعقة صينية الصنع. وهذا شأن لا يخص العرب وحدهم، فمن نفس قماشة العبث قرر الإخوة في استوكهولم أيضا أن توكل كرمان تستحق جائزة نوبل للسلام، تضحك بشدة عندما تجلس وحدك متأملا أن الشعب المصري اختار بمحض إرادة الكثيرين من أبنائه رجلا مثل محمد مرسي رئيسا، هات لي معاك بقرة، تحلب وتسقيني، بالمعلقة الصيني.

إلى هنا والعبث قد يوضع في مكانه في دائرة السياسة، ولكن ما لا يصدقه عقل هو أن تتصدى جماعات تصف نفسها بصفة الثقافة مدافعة عن محمد مرسي كرمز للشرعية والمتوسط الحسابي لاختيارات الشعب المصري، بكل ما ندّعيه من عمق حضاري ضارب في التاريخ لسبعة آلاف سنة!

كيف مشت الشعوب خلف علي عبد الله صالح والقذافي وصدام حسين وأخيرا محمد مرسي؟ وكيف لجماعات متحمسة من المثقفين في لحظة ثمل سياسي صدّقت وروّجت لأناس بهذه المواصفات على أنهم رموز الأمم ورموز قيادة ومشت خلفهم؟ هل هذا هو تعريف السير المعوج بالمعنى السياسي؟

لماذا نحن مصرّون وحتى بعد الربيع العربي على أن نستمر في السير المعوج؟ تُرى ما الخلل في العقل الجمعي العربي الذي يصرّ على العبث ويرى في السير المعوج عين العقل؟ مَن زيّن لنا سوء عملنا وصوره لبعضنا على أنه من الكياسة والشياكة السياسية رغم أنه عين العبث لو انتقل إلى سياق حضاري آخر أو رأيناه بعين شعوب عاقلة لا تعاني من حالات سُكْر سياسي حتى الثمالة كحالتنا؟ هل لأن ثوراتنا لم تحدث في الرأس بل حدثت في أطراف تسير في الشوارع حسب طقوس وعقليات الزحام؟

ربما لا يصدّق العربي المشتبك في ذلك الزار السياسي الجماعي ما أكتب هنا، لذا أدعو البعض إلى أن يختلي بنفسه ويتأمل ليضحك من قلبه على أطول عروض مسرحيات العبث في حالتنا السياسية.

كيف أن هناك أناسا يرون في قتل أكثر من مائتي ألف من السوريين، ومن قبلهم من العراقيين، مؤامرة غربية على بلادنا ولا يرون أي مسؤولية لقادة مسرح العبث أو البعث في حالتي سوريا والعراق في ما حدث؟

هل هو الخطأ العقلي الذي يجعلنا مستمرين في السير المعوج ويزيّنه بعضنا لبعض على أنه دفاع عن الأرض والعرض وشرف القبيلة؟

كيف للعربي المحافظ بطبعه والملتزم بأسرته في حياته الخاصة أن يقبل بالسير المعوج على أنه أسلوب حياة في المجال العام؟ وكيف نشرح تلك الفجوة بين المحافظة في المجال الخاص والانفلات وعدم المسؤولية والقبول بالسير المعوج في المجال العام؟ هل هناك من تبرير يقبله العقل السوي لحالة الانفصام ما بين سلوك محافظ مدّعى في الخاص «والمشي على حل الشعور» في العام؟

هل التفسير يكمن في أننا جميعا مثل إخوتنا في اليمن في حالة «تخزين سياسي» يصيبنا بما يصيبنا بعد عصر كل يوم؟

الحالة العربية العقلية والنفسية في ما يخص الهلاوس السياسية بعد الربيع العربي لا تختلف عنها قبل الربيع. نمشي السير المعوج ثم نختلي بأنفسنا في لحظات إعادة النظر أو الإحساس بالذنب، «ونجلس نهوجس» كما يقول الإخوة في السعودية عمن يكلم نفسه بمفرده، والهواجس هي تداعيات ذهنية غير مترابطة تتملك صاحبها.

لا بد من فتح حوارات جادة عن المشي السياسي البطّال وعن كيف أن العقل العربي ما قبل الربيع يتشابه معه بعد الربيع، وفي هذا إعادة تفكير في موضوع الربيع برمته، حيث إنه لم يحدث في العقل أو في الرأس بل حدث في عقلية الزحام والسلوك البطّال الذي يصاحب الزحام من المولد إلى الأوتوبيس؟

الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين كيفية تنظيم الإنسان العربي لحياته الخاصة وحرصه على سيرها بانتظام، وبين الفوضى واللامسؤولية في المجال العام أو المساحات المشتركة مع الآخرين وهو عالم السياسة. فما العمل؟

بداية، نحتاج إلى مراجعة لعلاقتنا بالشأن العام بشكل يعكس رغبة حقيقية في التغيير وليس بطريقة تدافُع الفيلة، التي حدثت في ربيع الزحام وكسرت الصالح والطالح. نحتاج إلى صياغة علاقة جديدة بين المثقف والسلطة، فليس عيبا أن يكون أحدنا مثقف السلطة أو الدولة بالمعنى الذي كان فيه سارتر مثلا مثقف دولة في فرنسا ولم يعنِ ذلك أنه يروّج للبلهاء.

المشهد لدينا يعاني من مراهقة في عالم السياسة تليق بالصبية وليس بأناس اشتعلت رؤوسهم شيبا.

السير المعوج يحتاج إلى مراجعة. الغرور يدفع الإنسان إلى تكرار ذات الأخطاء، ولكن ما يحتاج إليه العرب اليوم هو ثقافة الاعتراف بالخطأ وتغيير المسار في كل مناحي الحياة، وكما يقولون بالبلدي «المشي البطّال آخرته وحشة».

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السير المعوج السير المعوج



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab