وجد العرب أنفسهم عام 2011 في زوبعة سماها البعض ربيعا، ولكنها أتت كرياح السموم واقتلعت الخيام والمضارب، ومستمرة حتى يومنا في أشكال أخرى، وتحت مسميات أخرى، مثل ظاهرة «داعش»، وستستمر بأسماء أخرى في المستقبل، ولكن قبل البحث عن حلول يجب أن نسأل ثم نعرف من أين أتت هذه الرياح وتلك الزوابع؟
هل كان غزو صدام حسين للكويت هو البداية؟ أي: هل خلخلة النظام الإقليمي هي التي أدت إلى تفريغ الهواء، فجذبت كمغناطيس أو مكنسة كهربية قوى أجنبية إلى المنطقة، فزادت حالة الخلخلة ومعها الزوابع؛ أي إن ما حدث في 2011 تعود جذوره إلى 1990 من القرن الماضي؟
أم أن هبوب زوابع الربيع جاءت من نيويورك بعد اعتداء القاعدة على برجي التجارة في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001؟ وبعد أن قررت الولايات المتحدة الأميركية أن تنقل حربها مع الجماعات الإسلامية المتطرفة إلى ديار المسلمين أنفسهم بدلا من جعل الغرب ذاته هو ساحة المعركة. 11 سبتمبر حدث كبير اهتز له العالم، وبدأت من بعده حرب كونية على الإرهاب، فهل من هنا ومن الحرب غير المتكافئة بين الجيوش النظامية والجماعات المتطرفة بدأت عملية خلخلة الفراغ داخل الأنظمة فهبت رياح الفوضى؟ أي أن حرب أميركا مع الجماعات المتطرفة أدت إلى تعظيم دور الجماعات في الإقليم على حساب الدول، فهمشت الدول وسقط بعضها تدريجيا؟
أي أن تدخل أميركا في اليمن، واستخدام «الدرونز» أو الطائرة من دون طيار، والاعتداء على السيادة لمحاربة المتطرفين في اليمن وأفغانستان وغيرهما، هي التي أضعفت الدول وحولتها من دول ذات سيادة إلى ساحات قتال مستباحة من الداخل والخارج؟
أم أن الربيع العربي جاء تابعا لحرب أميركا في العراق عام 2003 التي أدت إلى القضاء على نظام صدام حسين، وفرغت القوة من العراق وعمت هزات هذا الانهيار والفراغ الاستراتيجي بقية الإقليم؟
أي أن سقوط نظام صدام حسين والبعث العراقي، الذي كان البعث السوري يميل ويستند ويتوكأ عليه، هو الذي أدى إلى الفوضى في سوريا؟
وهل الفوضى في تونس بعدها هي التي أدت إلى الفوضى في مصر وليبيا؟ ولماذا بقيت الجزائر والمغرب والخليج العربي بعيدا عن ثورات الشمال الأفريقي في حالة المغرب، وبعيدا عن زوابع الهلال الخصيب في حالة الخليج؟
أم أن الحرب على العراق وما تبعها من أحداث الربيع كلها، أمور مرتبة ضمن استراتيجية الحرب الأميركية على الإرهاب في مراحلها الثلاث: مكافحة المنظمات الإرهابية، وتجفيف الينابيع أو البيئة المتجهة للتطرف، ثم ثالثا تفكيك الدول الراعية للإرهاب؟ أي أن ما نراه حولنا نتيجة لمخطط مرسوم بدقة في إطار مفهوم الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنه كونداليزا رايس؟
وهل حدث في تاريخ العالم أن ينجح مخطط بهذه الحرفية ويفك منطقة بأكملها؟
قمت بإجراء مقابلة صحافية لمدة ساعة ونصف الساعة مع وزيرة الخارجية الأميركية، كونداليزا رايس، أيام كانت وزيرة خارجية أميركا، ونشرت في هذه الصحيفة ولم يكن في كلامها ما يوحي بقدرتها على فهم المنطقة أبعد من رؤيتها لقدميها، وتابعت حديث باراك أوباما مع توماس فريدمان منذ أسبوعين، الذي عزا فيه ما يحدث إلى تفسخ نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأن نظاما إقليميا جديدا في طور البناء، فهل هبوب رياح الربيع وزوابعه نتيجة لهذا العبث في المنطقة لبناء نظام إقليمي جديد؟
طبعا كل هذه الأسئلة التي تركز على التدخل الخارجي، وعلى منظور بنيوي في التحليل تنزع عن أهالي المنطقة فكرة أن الرغبة في التغيير أتت من داخلهم، وأن زوابع الربيع هبت في رؤوس العرب أولا؛ شبابهم وشيوخهم، وأن دور الخارج في إذكاء حدة الزوابع كان محدودا، وأن الدور الأصيل هو دور أهل المنطقة أنفسهم.
السؤال الأخير والأهم: هل زوابع الربيع أتت نتيجة لمكائد الأنظمة العربية ضد بعضها البعض؟ مكائد بدأت محدودة، ويمكن السيطرة عليها، أو تصوروا ذلك ثم انفلت العقال؟ أي: هل نقل القيادة المركزية الأميركية من فلوريدا إلى قطر، وبناء قاعدتي «العديد» و«السيلية» مصحوبتين بالمؤثرات الصوتية المتمثلة في الجزيرة والمكائد ضد السعودية ومصر، التي أدت إلى هذه الفوضى كما توحي المكالمة الشهيرة مع القذافي المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
حتى نعرف «التايم لاين» للربيع ومحدد نقطة انطلاقه ومساره، فستبقى المنطقة ضحية تجارب الفوضى. يتحدث كثير من شبابنا عن فكرة «التايم لاين» (أو الخط الزمني) في «تويتر» و«فيسبوك» - ولا يستخدمون عبارة «الخط الزمني» فهذه ترجمتي - وهم فقط يتحدثون عن «التايم لاين» وكأنها عبارة عربية، وحتى نعرف «التايم لاين» للربيع العربي، فإن معظم وصفاتنا وحلولنا من أجل استقرار المنطقة ستكون مجرد ثرثرة.
الأسئلة التي طرحتها هنا تبحث عن حوار وعن إجابة لـ«التايم لاين» للربيع العربي، وقد قدمت هنا رؤيتي وبعض الأمثلة علامات على الطريق، وفي انتظار رؤى منافسة من أجل أن نفهم أولا من أين هبت الزوابع في منطقتنا، زوابع الربيع وإلى أين تسير؟