مأمون فندي
شهدت مصر حفل تنصيب وقورا لرئيسها الجديد عبد الفتاح السيسي، رئيس مطالب بالتغيير في توجهات مصر الداخلية والخارجية، لديه رصيد داخلي كبير لإحداث هذا التغيير ودعم عربي غير مسبوق، فهل يستطيع أن يجسر الفجوة بين توقعات المصريين العالية وما لديه من أدوات وإمكانات لإحداث هذا التغيير؟ وهل هناك معوقات تنتظره؟ وما هي أفضل السبل للتعامل معها؟
بداية، يأتي عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر تلبية لنداء شعبي، وتجلى هذا النداء في خروج عفوي في 30 يونيو (حزيران) 2013، ثم ظهر مرة أخرى في صورته القانونية في انتخابات الرئاسة، إذ حصل السيسي على أكثر من 23 مليون صوت من أصوات المصريين، أي ضعف ما حصل عليه رئيس الإخوان محمد مرسي وأكثر من مجموع ما حصل عليه مرسي ومنافسه أحمد شفيق مجتمعين. هذا الدعم الشعبي يمثل الرصيد السياسي للسيسي لإحداث تغيير في مسار الدولة المصرية إذا توفرت لديه الإرادة. وهو عنصر مهم من عناصر التغيير في مصر. العنصر الثاني هو أن الرئيس السيسي يتمتع بدعم مؤسسات الدولة جميعها؛ القضاء والأمن والبيروقراطية المصرية، وهذا العنصر الثاني هو الذي أسقط رئيس الإخوان الذي رفضت مؤسسات الدولة أن تتعاون معه فسقط. فعلى عكس حالة الرفض مع مرسي، تبدو مؤسسات الدولة طيعة للسيسي. أما العنصر الداعم الثالث للرئيس الجديد فهو القوات المسلحة المصرية، وهي المؤسسة الوحيدة القوية والفاعلة في المجتمع المصري الآن. تاريخيا في مصر الرئيس الذي يتخلى عنه الجيش تدريجيا يفقد قدرته على الحكم ويسقط كما حدث في حالة مبارك. السيسي لديه دعم قوي من الجيش ولديه احترام شديد داخل صفوفه. كل هذا الدعم والشعبية الطاغية تمثل بالنسبة للرئيس رأس مال سياسيا لم يكن موجودا إلا لجمال عبد الناصر من قبله. السؤال هنا في أي من التغييرات يريد أن ينفق الرئيس الجديد جزءا من رأسماله السياسي؟ وهل سيعيد التجربة الناصرية ويبدد هذا الرصيد من الدعم في مغامرات غير محسوبة العواقب؟
إضافة إلى الدعم الداخلي الذي يحظى به رئيس مصر الجديد لإحداث التغيير فهو يحظى أيضا بدعم عربي تجلى في أبهى صورة في بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي جاء مقرونا بالعمل لا مجرد عبارات تهنئة، حيث دعا الملك عبد الله إلى مؤتمر اقتصادي لدعم مصر للخروج من النفق.. بيان مدعوم خليجيا كما بدا واضحا من اجتماع الملك عبد الله مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. لغة البيان أيضا حددت ملامح ما يتوقعه الملك من أشقاء مصر وأصدقائها، حيث قال إن من لا يدعم مصر الآن لا يتوقع دعما وقت الشدائد والمحن. حدد الملك أن من يقف مع مصر اليوم يقف مع السعودية ومن يقف ضدها فهو ضد المملكة. لغة واضحة لا لبس فيها. وكلام الملك ليس بجديد؛ فهو امتداد لمواقف المملكة العربية السعودية التاريخية تجاه مصر. والموقف السعودي الإماراتي الداعم لمصر بكل هذه القوة كتبت عنه في السابق على أنه يهدف لبناء مثلث استراتيجي جديد في المنطقة يمثل نواة عمل عربي جاد مدعوم بدول خليجية أخرى محترمة مثل الكويت والبحرين وعمان، وكذلك يحظى بدعم الأردن. وتبقى دولة واحدة تريد تقويض الاستقرار في مصر ولكن أدواتها ووزنها كدولة لا يسمحان لها إلا بإثارة زوابع الغبار. المهم هو أن بيان الملك عبد الله هو الذراع الثانية للدعم الداخلي الذي يتمتع به الرئيس الجديد من أجل إحداث تغيير حاد في مصر. الملك عبد الله يريد لمصر العروبة والإسلام أن تتبوأ موقع الصدارة في أمتها، وهو بذلك يفتح أمام الرئيس صفحة جديدة للتغيير داخليا وإقليميا.
الداخل المصري وكذلك الداعم الإقليمي ممثلا في السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، لا يقبلان فشل تجربة السيسي؛ لأن في فشل السيسي فشلا للأمن الإقليمي وفشل الدولة المصرية ذاتها، ومن هنا أقول إن تحديات الرئيس المصري الجديد كبيرة بل وخطيرة، فلو فشلت التجربة المصرية الجديدة لا قدر الله فالنتائج على المستوى الإقليمي في منتهى الصعوبة، وقد تنعكس آثارها على دول الخليج ذاتها.
ترى ما هي إمكانية التغيير الإيجابي في مصر السيسي؟ للإجابة عن السؤال لا بد من الإجابة عن سؤال آخر أهم وأكبر هو: هل انتهى المشهد الإخواني في مصر وفي الإقليم؟ هناك إجاباتان عن هذا السؤال؛ الإجابة القطرية الإخوانية التركية التي تقول بأن هناك موجة ثالثة للثورة عنيفة سيكون الإخوان أداتها وتكون قطر داعمها وحاضنة نشطائها. أما الإجابة الثانية فهي إجابة السيسي المرشح الرئاسي في لقائه مع الإعلاميين الذي قال فيه لا بد من التحسب لخطورة موجة ثالثة ولهذا جمع الإعلاميين كي يوجههم ويقول لهم إن مصر لا تحتمل عبثا من هذا النوع. ما يعقد المشهد أكثر هو أن مصر يمكن تقسيمها إلى جماعات فيما يخص الإجابة عن سؤال هل انتهى المشهد؟
هناك مجموعة يمكن تسميتها بجماعة «خلاص» أو جماعة game over وهي مجموعات من نظام مبارك ومتشددي ثورة 30 يونيو مصحوبين بمطبلاتية الإعلام ويمكن أن نصفها بلغة الجيش بجماعة «كما كنت» أو إعادة مصر إلى ما قبل 25 يناير (كانون الثاني) 2011. سيطرة هذه الجماعة لو اعتمد عليها الرئيس الجديد يمكن أن تنتج ما يحذر منه، أي تنتج «يناير» جديدة.
هناك جماعات ترى أن خروج مصر من النفق يتطلب تجديد النخبة حول الرئيس، وهناك فريق يقول بفكرة الطريق الثالث.
أنا شخصيا أقول بأن الحل يكمن في إعادة توجيه أي غضب شعبي أو موجه ثالثة بعيدا عن السياسة وتحويل مجراها إلى موجة تغيير اجتماعي وثقافي وأخلاقي يهدف إلى إعادة هيكلة الشخصية المصرية وبناء شخصية مصرية جديدة.
وهذا في رأيي هو الطريق الثالث الذي يمكن مصر من طرح تصورات جديدة لعلاقاتها الدولية وإعادة ترتيب أوراقها الداخلية بما يحقق مبادئ الحرية والكرامة الإنسانية للشعب المصري ومعه يتحقق الاستقرار الإقليمي. أمام رئيس مصر الجديد تحديات كبرى وفرص أكبر لنقل مصر إلى مستوى أفضل. البداية هي كلمة السر: التغيير. كلمة من دونها لا ينفتح قلب مصر لأحد.
نتمنى للرئيس الجديد النجاح، فكما أسلفت الفشل ليس خيارا مصريا اليوم.