شرعية «كورونا»

شرعية «كورونا»

شرعية «كورونا»

 عمان اليوم -

شرعية «كورونا»

بقلم : مأمون فندي

نبدأ بهذا التساؤل المُجاب: ما حدود الدولة في عصر فيروس «كورونا»؟
حدود الدولة وشرعيتها هي حدود قدرتها على فرض العزل، والتزام مواطنيها بتعليماتها دونما اللجوء إلى فرض العزل بالقوة. شرعية الدولة وقوتها تتمثلان في قدرتها على توصيل الكمامات، وأدوات التنفس الصناعي داخل أراضيها، وكذلك أدوات الفحص الخاصة بالفيروس. «كورونا» يكشف قوة النظام وضعفه وكذلك طبيعة نظام الحكم.
منذ ستة أيام أعلن حاكم ولاية نيويورك الأميركية أندرو كومو، أنه لن يلتزم بأي أمر يُصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بخصوص فتح اقتصاد الولاية، إذا كان ذلك يعرّض المواطنين للخطر ويزيد من انتشار الفيروس. وقال السيد كومو في حديث مع شبكة «سي إن إن» الأميركية: «إذا أمرني (الرئيس) بإعادة فتح نيويورك بطريقة تعرّض الصحة العامة لأفراد ولايتي للخطر، فلن أفعل ذلك». هذا التصريح كاشف ليس لقوة حاكم الولاية أو ضعف الرئيس، ولكنه كاشف لطبيعة نظام الحكم وعلاقة الولاية بالحكومة الفيدرالية، في إطار نظام الحكم الفيدرالي في الولايات المتحدة، والذي تكون فيه الولايات بمجالسها التشريعية ونظام حكمها شبه دولة مستقلة خارج سياق ما هو ملزم لها في دستور الاتحاد الفيدرالي الأميركي. ومن هنا يأتي سؤال المقال الرئيسي: هل هناك علاقة بين فيروس «كورونا» وشرعية نظام الحكم وطبيعته، وكذلك قدرته على التغلغل في كل أرضية والوصول إلى كل المواطنين الذين يدّعي حكمهم؟ في هذا المقال أطرح مجموعة ملاحظات أولوية عن «كورونا»، وطبيعة نظام الحكم وحدود الدولة أو قدرتها على الادعاء بكامل حدودها، من خلال تقديم الخدمات الطبية لكل مواطنيها في العواصم كما في المناطق الحدودية البعيدة. وهذا حديث لا ينطبق على الدول النامية، بل على العالم المتقدم أيضاً.
في عام 2016 قامت الحكومة البريطانية بما يشبه تمرين للاستعداد في حالة ظهور وباء في بريطانيا على غرار فيروس «كورونا»، جاءت نتيجة التمرين الذي اشتركت فيه الحكومة بكل مؤسساتها الصحية أن بريطانيا مستعدة لمواجهة أي وباء، ثم حلّ «كورونا» ليكشف أن النظام الصحي البريطاني غير قادر على إجراء فحص «كورونا» لأكثر من عشرين ألفاً يومياً. وأن بريطانيا لديها نقص شديد في معدات التنفس الصناعي، وعندها نقص حتى في تغطية ملابس الأطباء والممرضين والممرضات. قوة بريطانيا العظمى كشفها «كورونا»، فالدولة تعتمد على شراء معظم مستلزماتها الطبية، خصوصاً ملابس الأطقم الطبية من الهند والصين، واليوم تحاول بريطانيا تشغيل مصانعها المحلية والتي لا تجد من يديرها.
فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للدول الحديثة، فكيف يكون الحال في الدول النامية؟
الكتب الكلاسيكية في دارسات التحديث والتنمية والتي سادت النصف الثاني من القرن العشرين، وخصوصاً الدراسات المهمة لأساتذة كبار في السياسة المقارنة، مثل جبرائيل ألموند وسيدني فربا وروبرت هاردغريف وآخرين، حددت تحديات الدول النامية ولخصتها في الأزمات التالية الأساسية، والتي متى ما تجاوزها النظام يمكننا أن نتحدث عن نظام شرعي أساسه الرضا والقبول بين الحاكم والمحكوم. الأزمة الأولى هي أزمة الشرعية التي طبّقها مايكل هدسون على حالة العالم العربي، وأزمة توزيع الموارد، وأزمة الفجوة بين ما تدّعيه الدولة من أرض وقدرتها على فرض سيطرتها عليها، وأزمة الهوية الوطنية، وأزمة المشاركة السياسية، كذلك أزمة قدرة الدولة على التغلغل داخل حدودها الجغرافية وسيطرتها ديموغرافياً، وآخرها أزمة التوزيع. هذا فيما يخص قدرة الدول النامية على توزيع الخدمات على شعبها في نطاق حدودها. ومن هنا يكون وصول الخدمات إلى الناس أول مؤشرات القبول وشرعية نظام الحكم، فالدولة تعريفاً هي «أرض وحكومة وشعب». والناس أو الشعب هو الضلع الأكبر في مثلث الدولة، ورضا الناس هو جزء أساسي في مشروع بناء الوطن، ورضا الناس عن شرعية نظام الحكم هو أساس الاستقرار.
قدرة الدولة اليوم في عصر «كورونا» على توصيل الكمامات، وفرض الحظر المنزلي في كل أراضيها، هي أول المؤشرات على قوة النظام السياسي وشرعيته، وتكون الشرعية أعلى إذا قبل الناس الحجر المنزلي دونما أن تلجأ الدولة إلى إنزال قوات الجيش أو الشرطة على الأرض لفرض الحجر بالقوة. قدرة الدولة على توزيع الكمامات أو إجراء الفحص في آخر قرية على حدودها، وليس في المدن الكبرى فقط، هي مؤشر على أننا أمام دولة مهيمنة ومتغلغلة في كل أراضيها، وقادرة على توزيع الخدمات داخل نطاقها المزعوم. أما إذا انحصرت قدرات الدولة في المدن الكبرى فنحن نتحدث عن دولة محدودة الشرعية وناقصة في قدرتها على فرض سيطرتها على كل الأراضي، التي تدّعي أنها حدودها.
ومن هنا يكون وباء «كورونا» كاشفاً لطبيعة النظام السياسي وشرعيته. إذاً، لا تحتاج الدولة، أي دولة، إلى من يقول لها إنها كاملة أو ناقصة الشرعية. ويمكن لأي فرد منا أن يرى ويقارن ليعرف أي الدول أكثر شرعية من الأخرى، وأي الدول تحظى بالقبول من شعبها الموجود على أراضيها، وما هي درجات هذا الرضا. الوباء وقدرة الدولة على مواجهته وإدارته أصبح هو المؤشر الأول على قوة الدولة أو ضعفها. شرعية «كورونا» أصبحت المعيار في رسم حدود الدولة ومدى رضا شعبها عنها. كونوا بأمان.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شرعية «كورونا» شرعية «كورونا»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab