المسألة الكردية تفضح العقل العربي

المسألة الكردية تفضح العقل العربي

المسألة الكردية تفضح العقل العربي

 عمان اليوم -

المسألة الكردية تفضح العقل العربي

بقلم : مأمون فندي

المسألة الكردية ليست فقط مسألة سياسية كاشفة لطبيعة الدولة العراقية الحالية، بل هي كاشفة وربما فاضحة للعقل العربي، وطريقة تفكير لا بدَّ أن يتوقف أي عاقل عند ضحالتها وسذاجة تفكيرها. في هذا المقال لن أبدأ بالأسئلة الجيوبوليتيكية المعقدة، بل أبدأ بمواجهة العقل العربي المعاصر بعلله وأمراضه المستعصية التي فضحتها المسألة الكردية.

بداية، كيف تتشكل الرؤى العربية اليوم؟ هل هي نابعة من تفكير عميق وفهم لحدود مصالحنا ومصالح الآخر، أم هي مجرد ردات فعل لمواقف الآخرين؟ اليوم هناك موقفان: الأول إيراني ضد استقلال الأكراد، والثاني إسرائيلي مع استقلال الأكراد. بطبيعة تنشئة العرب السياسية، فإننا ضد كل ما توافق عليه أو تريده إسرائيل على طول الخط، ومن هنا إذا كانت إسرائيل مع استقلال الأكراد فيجب علينا ألا نفكر كثيراً. نحن ضد كل ما تكون إسرائيل معه، ومع كل ما تكون إسرائيل ضده.
إذن كل القوميين العرب اليوم ضد استقلال كردستان، ليس لأي سبب مقنع سوى أن إسرائيل مع هذا الاستقلال.

اليوم دخلت إيران وحلفاؤها على الخط، «حزب الله»، وسوريا (الممانعة)، ضد استقلال الأكراد، ومن هنا تكون كل الدول الأخرى والشعوب الأخرى التي ترى أن إيران هي المشكلة، لن تكون مع إيران و«حزب الله» في نفس الخندق. فإذا كانت إيران ضد الأكراد فلا بدّ أن نكون معهم. ولكن انتبه: إسرائيل مع الأكراد، وبهذا تكون أنت واقفاً جنباً إلى جنب مع إسرائيل، فهل هذا ما تريد؟ طبعاً لا. إذن العقل العربي المعاصر لا يريد أن يقف في جانب إيران ضد الأكراد، أو مع إسرائيل الداعم موقفها مع الأكراد. وهنا يقف العقل العربي حائراً! فيمشى العربي اليوم كما النائم؛ لأنه تعوّد أن يكون ضد كل ما إسرائيل معه، ومع كل ما تكون إيران ضده. عقل في ورطة.

ومن هنا تكون فضيحة العقل العربي الخامل: كان متعوداً أن يكون ضد كل ما إسرائيل معه، وبعدها تعود أن يكون مع كل ما تقف ضده إيران. في المسألة الكردية إسرائيل وإيران مختلفتان: واحدة مع استقلال الأكراد والثانية ضده. إذن، أين يقف العقل العربي الآن في هذه الورطة؟

ومن هنا أقول: إن المسألة الكردية إما ترغم العقل العربي على التفكير المستقل بغض النظر عما تريده إيران أو إسرائيل، أو ينكشف على حقيقته المعطلة.

أعتقد أن هذا كاف، فكما يقولون: «الضرب في الميت حرام». ونعود إلى الحديث عن المشكلة الكردية بعقل مستقل ومجرد.

بداية، الدعاوى المضادة لاستقلال الأكراد تنحصر في تصورات جيوبوليتيكية، هي مجرد تخمين في معظمها لا استنتاج: أول دعاوى التخمين هذه أن التشظي والانفصال وانشطار الدول هو خطر جيوبوليتيكي يهز المنطقة كما الزلزال. وكما كان لغزو العراق عام 2003 تبعات إقليمية آخرها الربيع العربي، فإن انفصال الأكراد قد يؤدي إلى حروب إقليمية تبعاتها قد تبقى معنا لعشرات السنين. كل هذا مفهوم وواضح لمن درس «كورس 101» في السياسة، ولكن تبقى هناك أسئلة تخصّ فكرة الدولة التي نريد الأكراد أن يكونوا جزءاً منها، هل هي دولة فيدرالية مبنية على المواطنة المتساوية، أم هي دولة للأغلبية ومهضوم فيها كل حقوق الأقليات من حيث التمثيل والمشاركة؟
العراق اليوم يحتاج أولاً إلى إعادة تعريف هويته الوطنية، بطريقة تشمل الأكراد كقومية وكمواطنين، فما العراق اليوم؟ ما هويته الوطنية؟ هل هو دولة الأغلبية الشيعية التي تهيمن عليها إيران؟ أم فيدرالية تشمل الشيعة والسنة والأكراد والإيزيديين والآشوريين والأقليات الأخرى الدينية والعرقية؟ قد يكون مؤلماً للعراقيين اليوم أن يقال لهم إن الهوية الكردية أقوى بكثير من الهوية الوطنية العراقية، وإن كردستان تصنع دولة أفضل من العراق ذاته.

معظم الحديث يدور اليوم ويركز على أن الأكراد يريدون نفط كركوك، أو يريدون تحسين موقفهم التفاوضي مع الحكومة المركزية، دونما أي اعتبار للمسألة الكردية وتبعاتها. الحديث يدور أيضاً حول أن دولة الأكراد ليس لديها حدود بحرية، أي دولة مغلقة غير قابلة للعيش (landlocked) مع أن هناك ستاً وأربعين دولة اليوم في النظام الحالي حدودها مغلقة، مثل بوليفيا في أميركا اللاتينية، وبوتان في آسيا، والتشيك والنمسا في أوروبا، والبقية في أفريقيا.

الحديث أيضاً يدور حول أن كلاً من حكومة العراق وإيران وسوريا وتركيا، ستتحالف لسحق الأكراد إذا قاموا بخطوة الاستقلال. السحق في ثقافتنا لا نتوقف عنده. مأساة الأكراد لن تكون أقل من مأساة اليهود في ظل هتلر، إذا حدث مثل هذا العدوان، ومع ذلك يقف العقل العربي مع المعتدي.

هناك من يترحم اليوم على صدام حسين الذي حافظ على وحدة العراق؛ لأنه لم يسمح لشيعة العراق أن «يتنفسوا» وكأن اضطهاد شيعة العراق أمر محمود. الاضطهاد واحد، سواء كان اضطهاد صدام ضد الشيعة أو اضطهاد الأغلبية الشيعية الآن للأكراد كقومية وللسنة كمذهب.

بالطبع الأكراد ليسوا ملائكة، وكان من الممكن أن يتحالفوا مع سنة العراق لخلق توازن في الدولة الفيدرالية، ولكنهم آثروا مصالحهم الضيقة.

كردستان الآن دولة (de facto) أي على أرض الواقع؛ رغم أنها ليست دولة بالقانون. الآن أمام العراق والعرب خياران لا ثالث لهما: إما القبول بدولة كردية، أو إعادة النظر في فيدرالية العراق الجائرة على كل الأقليات، وليس على الأكراد وحدهم.

العراق اليوم أمام لحظة الحقيقة، وأحسن الأكراد صنعاً باستفتائهم الذي أوصلنا إلى لحظة الحقيقة.

omantoday

GMT 08:57 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 09:36 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

GMT 00:04 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

GMT 00:00 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

رمضان وفلسفة الجوع

GMT 00:11 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

نقطة انقلاب في واشنطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسألة الكردية تفضح العقل العربي المسألة الكردية تفضح العقل العربي



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab