مأمون فندي
أيهما يمثل أولوية في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في «الشرق الأوسط»: النووي الإيراني أم الأمن الإقليمي أم كلاهما معاً؟ وكيف يمكن تنفيذ هذا عملياً؟ وما فرص الدول الإقليمية في جعل أيٍّ من هذه الخيارات في مصلحة الإقليم وفرص جلوسهم حول طاولة المفاوضات؟ بدايةً يمكن القول إن تعامل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما مع إيران والتوصل إلى اتفاق، يكمن في فصل الملف النووي عن توسع إيران الإقليمي وربما هو السبب الأهم في دخول إيران في مفاوضات (5 + 1) أو خمسة زائد واحد التي أفضت إلى اتفاق خطة العمل المشتركة الشاملة (Plan of Action) المعروفة باسمها المختصر (JCPOA) التي تم التوصل إليها عام 2015. ومَن يقرأ هذا الاتفاق وخلفياته لا تفوته ملاحظة أن من قاموا عليه هم دبلوماسيون في غاية الاحتراف من كل الأطراف، بما في ذلك الطرف الإيراني.
بالطبع كانت هناك اعتراضات إقليمية على ذلك الاتفاق وكانت إسرائيل أول المعترضين، لكن وبكل أسف لم تقدم الأطراف الإقليمية للولايات المتحدة أي طرح بديل تمكن مناقشته بجدية، هذا إذا أردنا أن نكون منصفين في الطرح، وجادين في انتهاز فرصة جديدة مع إدارة بايدن لإعادة التفكير في الأمر.
بعض العرب يظن أن إسرائيل لديها قدرات أفضل منّا في طرح تصور بديل ومقنع للدبلوماسية الأميركية كي تتعاطى معه. الحقيقة أن إسرائيل سوى عبارة الخطر الإيراني على وجود الدولة، وهذا أمر مفهوم من وجهة نظر الإسرائيليين، ولكنه ليس طرحاً مسؤولاً أو بدايةً لأي حديث جاد حول المسألة الإيرانية بشقيها النووي والتوسعي والإرهابي، ولولا وجود مراكز بحث متخصصة ولوبيات ضغط إسرائيلية في واشنطن لكان موقف إسرائيل من ملف إيران بمجمله لا يختلف عن طرح جيبوتي.
بما أن إدارة بايدن لن تتخذ إجراءات سريعة فيما يخص إيران نتيجة لتعقيدات دخول أميركا مرة أخرى بشروط جديدة قد تقبلها إيران أو ترفضها، فالأمر يحتاج إلى وقت. هذا الوقت يمكن أن يكون فرصة لدول الإقليم أن تفكر ملياً في الأمر من أجل التوصل إلى طرح بديل.
تُرى، ما الذي يمكن أن يحتاج إليه الأميركيون من دول المنطقة بما فيها إسرائيل؟ إذا كان الأمر يخص ربط المسارين النووي والأمن الإقليمي معاً؟
هذا يتطلب بدهياً أن تجلس إيران مع إسرائيل للحديث عن الأمن الإقليمي، وكذلك الدول العربية.
ما العمل إذن إذا لم يحدث هذا؟
هناك أكثر من حل لهذه المعضلة. الحل الأول هو العودة إلى 2015 وفصل الملفين (النووي والأمن الإقليمي) بعضهما عن بعض وعليه يكون الحوار كما كان في السابق بين إيران من ناحية والقوى صاحبة الفيتو في مجلس الأمن مضافةً إليها ألمانيا، ولا دور للدول الإقليمية المتبقية سوى تسجيل اعتراض أو إحداث بعض الضوضاء التي لا تقدم ولا تؤخر، وينساها العالم في مواجهة جديدة بين أميركا وإيران تخص سؤال من يقدم التنازلات أولاً فيما يخص شروط العودة إلى الاتفاق القديم.
الحل الثاني يتعلق بقبول ربط الملفين (النووي والأمن الإقليمي معاً) من خلال دبلوماسية محترفة تتعامل مع أسئلة تخص بروتوكولات محددة تقرّب هذه الدول من بعضها بعضاً.
طبعاً، الدبلوماسيون المحترفون يعرفون كيف تُهندَس هذه البروتوكولات. بعدها يمكن التوصل إلى ما يمكن تسميته إجراءات بناء الثقة (confidence building measures) وهذه الخطوة قد تتطلب بعض التنازلات عن ممارسات بعينها في اليمن وسوريا والأراضي الفلسطينية إلى آخر المساحات التي يمكن أن تكون فيها رمزية تنازلات. ومع ذلك يبقى ربط الملفين هو الطريق الوحيد للدول الإقليمية ليكون لها مكان على الطاولة.
النقطة الرئيسية هنا هي أن على دول الإقليم أن تدرس وتراجع ملفاتها بعناية ومن منظور جديد، خصوصاً أن أعضاء إدارة بايدن ليست لديهم الخبرة التاريخية فيما يخص ملفات المنطقة باستثناء المجموعة التي عملت في الملف الإيراني مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومدير «سي آي إيه» ويليام بيرنز، إضافة إلى نائبة وزير الخارجية وندي شيرمان، ومع ذلك يمكن القول إن معلومات وزير الخارجية ونائبته عن تاريخ تشابك الملفات الإقليمية محدود، وما يتبقى لدينا في الإدارة إلا شخص واحد إضافةً إلى بايدن عاصر تعقيدات المنطقة هو ويليام بيرنز، مدير «سي آي إيه»، وهذا الرجل لن يقبل من الإقليم إلا الأمور الجادة والأطروحات الناضجة ولن يقبل بالـbluff أو محاولات التهرب من المسؤولية.
إذن على دول الإقليم أن تستفيد من نقطتين: الأولى هي المدة التي تستغرقها إدارة بايدن في العودة إلى الحديث مع أو حول إيران من أجل مراجعة تصوراتها عن الأمن الإقليمي؛ أما النقطة الأخرى فهي أن الإدارة جديدة وخفيفة فيما يخص معرفتها التاريخية بالإقليم وبالتالي يمكن تعليمها بطريقة جديدة فيها إبداع، طبعاً باستثناء بايدن نفسه.