مأمون فندي
قبل قدوم الرئيس الأميركي باراك أوباما لزيارة المملكة العربية السعودية ترسل المملكة رسائل واضحة لم يتلقها رئيس أميركي من قبل، تتعلق بأمن المنطقة واستقرارها، ومن هذه الرسائل حظر جماعة الإخوان وذيولها المتمثلة في الجماعات الجهادية المختلفة من داعش والنصرة وخلافه، وإدراجها ضمن الجماعات الإرهابية. ببساطة ضربت المملكة اثنتين من أهم أدوات الولايات المتحدة للعب بقدرات المنطقة العربية التي تمر بمرحلة سيولة واضطراب على كل الأصعدة. ولا يتبقى بعد ذلك لأميركا سوى الأداة التقليدية القديمة، وهي إسرائيل التي تعامل معها العرب، ويفهمون سلوكها كعدو خارجي معروف ومحدد الملامح والقدرات. قرار المملكة الذي يحاصر جماعة الإخوان ويعزل داعميها خليجيا وعربيا هو ضربة للعدو الذي ينخر في النظام العربي من الداخل، ويعمل على تفويض ما تبقى من البناء العربي وهدمه.
من ناحية أخرى لفت نظري وأنا أقلب في صفحة الخارجية الأميركية وفي الوثائق وأنا أعد لكتابة هذا المقال لمعرفة المعلومات الحقيقية حول العلاقات الأميركية - القطرية، وتحديدا ما يصطلح عليه اتفاقية السوفا SOFA التي تعني status of forces agreement أو الوضع القانوني للقوات الأميركية خارج الأراضي الأميركية، اتفاقات تنظم أين يحاكم الجندي الأميركي مثلا إذا ما ارتكب جريمة خارج القاعدة الأميركية وحسب أي قانون: القانون الأميركي أم قانون الدولة المضيفة؟
لفتت نظري جملة في تصريحات الخارجية الأميركية التي تقول بتوسيع الشراكة القطرية - الأميركية للدور الذي تلعبه في تغيير المنطقة العربية في مرحلة الاضطراب التي تمر بها المنطقة. لذا، وباعتراف أميركي مكتوب، فإن هناك من يلعب الدور كأداة أميركية في تغيير المنطقة.
إن هذا التعنت والإصرار على لعب هذا الدور هو الذي دفع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لاتخاذ هذا القرار غير المسبوق في تاريخ العلاقات الخليجية - الخليجية. والملك عبد الله والمملكة العربية السعودية تاريخيا يمثلان «طولة البال» والصبر الشديدين في التعامل مع الأذى. إذن عندما ينفد صبر المملكة وملكها فهذا يعني أنها قد بلغت الحلقوم.
بكلمة واحدة الملك عبد الله والمملكة وفي اللحظات الفارقة في تاريخ الأمة دائما؛ حاسمة.
اللعبة الإقليمية اليوم لتهديد ما تبقى من الكيان العربي هي ضرب الاستقرار من خلال الإرهاب الذي له دولة محلية راعية له، وبكفيل عالمي يضمن له الإفلات من العقاب الإقليمي.
الدولة السعودية استطاعت كما فعلت في حرب تحرير الكويت بناء تحالف عربي خليجي حول قراراتها إذ انضمت إلى المملكة دولة الإمارات العربية المتحدة لما لها من ثقل خليجي ودولي داعمة لهذا القرار. والإمارات كانت سباقة في موقفها الصارم الذي لا يتزحزح تجاه جماعة الإخوان وذيولها وكل من خرج من رحمها. وتتميز القيادة الإماراتية في مجابهة الإخوان ومجابهة التطرف بالحسم الشديد غير الموارب أبدا. وانضمت مملكة البحرين لهذا القرار وستنضم الكويت لا حقا التي تحاول إنجاح القمة العربية خلال الأسبوعين القادمين.
عندما تضرب الجماعات الإرهابية التي تتسربل بالإسلام من بلد الحرمين الشريفين وبلد الأزهر الشريف في وقت واحد، يكون الغطاء قد نزع عنها تماما فلا ادعاء بالإسلام بعد الحرمين الشريفين وبعد الأزهر.
رسالة الملك عبد الله للرئيس الأميركي باراك أوباما هي أهلا بك شريكا في الاستقرار، ولكننا لن نتهاون في قمع الإرهاب والقضاء عليه في المنطقة وسنتعامل معه بطريقتنا ولك الاختيار: إننا نقبل الشراكة بندية وفوق الطاولة، وسنتصرف وفق ما تمليه علينا مصالحنا ومصالح شعوبنا لأن هذا الأمر لا مهادنة فيه.
بالفعل التحديات اليوم بالنسبة للقرار الاستراتيجي العربي خطيرة فقط أحاطنا الغرب بجوار غير عربي معاد متمثلا في إسرائيل وتركيا وإيران، وزرع بيننا عدوا داخليا من خلال الجماعات الإرهابية وراع مالي لها ومركز إيواء لها. لا توجد خطة أكثر خطورة لتقويض النظام العربي أكثر من هذا: عدو خارجي قوي وعدو داخلي أشد خطورة.
الملك عبد الله يمتاز بالقيادة والجرأة والوضوح الذي لا لبس فيه. عندما رأى أن استقرار مصر مثلا في خطر وخير بين أن ينحاز إلى أميركا أو مصر: اختار مصر وكذلك كانت قيادة الإمارات.
على أوباما وقبل قدومه إلى المملكة أن يفهم الرسالتين. وتبقى المملكة ومعها مصر والإمارات مثلثا استراتيجيا عربيا يحمي مصالح العرب حتى لو لزم الأمر قطع العلاقات مع دول عربية مارقة.