بريطانيا  إشهار طلاق مبالغ فية

بريطانيا : إشهار طلاق مبالغ فية

بريطانيا : إشهار طلاق مبالغ فية

 عمان اليوم -

بريطانيا  إشهار طلاق مبالغ فية

بقلم : مأمون فندي

كيف نقرأ ما حدث من تصويت بريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي بالهدوء الذي يليق، والذي يضع الحدث في حجمه الطبيعي من دون مبالغة؟ بداية، قبل الحديث عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، علينا أن نتذكر أنه قبل هذا التصويت لم يكن اليورو عملة بريطانية كبقية دول الاتحاد الأوروبي، بل احتفظت بريطانيا بالجنيه الإسترليني كعملة خاصة بها، عملة لها تاريخها، ولم تقدم بريطانيا على تغييرها، ولنا أن نتذكر أيًضا أن بريطانيا احتفظت بنظامها الخاص للدخول إلى أراضيها ولم تدخل في اتفاقية «الشينغن»

. كما أن بريطانيا، في عهد حكومة توني بلير العمالية، دخلت مع أميركا حرب العراق 2003، من دون اعتبار للاتحاد الأوروبي وقرارات بروكسل. أي أن سياسة بريطانيا الدفاعية وتحالفاتها العسكرية لم تخضع للاتحاد الأوروبي. إذن، بريطانيا عمليا لم تكن في الاتحاد الأوروبي كي تخرج منه. ولو كان هناك إصرار على أن ما حدث كان طلاقا بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فمن الأدق أن نقول إن العلاقة في أساسها كانت تشبه علاقة رجل منفصل عن زوجته، ولكن يسكن معها في الحيز الجغرافي ذاته، والكل يعرف أنهما منفصلان. ما حدث في تصويت بريطانيا كان بمثابة إشهار لطلاق قائم. فالعالم فوجئ بإشهار الطلاق، وليس الطلاق نفسه. الكل يعرف ذلك، ومع هذا أظهر الجميع شعور المفاجأة عندما تم إشهار الطلاق في أسبوع يخلو من أحداث سياسية كبيرة تشوش على نتيجة التصويت.

بالغت كل التحليلات في الجانب الاقتصادي للانفصال المزعوم، وسرعة إجراءات الطلاق بشكل ميكانيكي، لأنه لم يكن في العلاقة غير ذلك، بعض العلاقات المالية والإجراءات الرسمية للطلاق، ومن سيعجل بها. الحقيقة التي يجب أن يتذكرها الجميع هي أن أساس العالم الذي نعيشه منذ معاهدة «وستفاليا»، في منتصف القرن السابع عشر، إلى الآن، أن الدولة الوطنية أساس المجتمع الدولي، وأن التجمعات الأكبر والاتحادات والاتفاقات العابرة للحدود هي الشذوذ، وليس القاعدة. القاعدة هي السيادة الوطنية، وكل ما يتجاوزها يجب ألا يهددها، أو يمس بها.

الاتحاد الأوروبي، كواقع عملي في القضايا الكبرى، حتى عندما يتحدث المؤمنون به تماما، تجدهم يتحدثون عن ثلاث دول فقط (بريطانيا وفرنسا وألمانيا). كما أن الاتحاد كان من الهشاشة، إذ إن موجة واحدة من اللاجئين تكاد تقضي عليه. بريطانيا في الأساس، وخصوصا تشرشل هو الذي دعا إلى فكرة الولايات المتحدة الأوروبية عام 1946، ولكنه أراده اتحادا بنسخته الليبرالية البريطانية، وليس بالنسخة التي أنتجتها بروكسل من سياسات فاشلة، نتيجة لسيطرة اليسار الأوروبي على سياسة بروكسل.

هناك حديث مبالغ فيه على أن استفتاء اسكوتلندا سيؤدي إلى الانفصال، ومن بعده تطالب آيرلندا بالانفصال، وتصبح بريطانيا هي إنجلترا فقط، مجرد جزيرة صغيرة. أعتقد أن هذا التحليل يعوزه كثير من الرشد. لقد بقيت آيرلندا ضمن المملكة المتحدة في عز الخلافات السياسية والعنف والإرهاب، وبقيت اسكوتلندا كذلك رغم أنها هي الأغنى بتروليا وتأخذ الحصة الأقل من الخدمات، الأمر أعقد من ذلك، ويجب ألا نأخذ بروز موجة اليمين العالمي، من دونالد ترامب في الولايات المتحدة، إلى ماري لوبين في فرنسا، إلى نايجل فراج في بريطانيا، على أنها موجة سياسية مستمرة ودائمة، هي فقط دفقة شعورية ضد رئيس أميركي تضاءلت شعبيته، واتخذ سياسات يسارية أدت إلى ظهور غضب اليمين الأميركي، وحركة المهاجرين في أوروبا وقضايا الأمن والإرهاب، أدت إلى ظهور اليمين الأوروبي بالصيغة التي نراها. قد يكون لخروج بريطانيا تأثير على بقية الدول الأوروبية، وعلى الحكومات اليمنية فيها، لتحذو حذوها فيما يعرف بظاهرة «الدومينو إفيكت»، ولكن لن يكون لها تبعات على الدولة الوطنية، فلن تتفكك الدول كما تفككت يوغوسلافيا من قبل.

الذي لم يتناوله الكثيرون حتى الآن هو مدى حرية الحركة السياسية التي ستتمتع بها الآن بريطانيا في التعامل مع بقية دول العالم، بعيدا عن دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وخصوصا مع حليفتها التاريخية الولايات المتحدة الأميركية.

بريطانيا سترتبط أكثر بالولايات المتحدة، ويرى البريطانيون أن ما يجمعهم بأميركا من ثقافة ولغة قبل المصالح العظيمة أكثر مما يجمع بريطانيا ببلغاريا أو اليونان أو قبرص أو رومانيا.

ولجماعتنا في العالم العربي أقول: لو انتظرت مارغريت تاتشر قرارا من الاتحاد الأوروبي للدخول مع أميركا في حرب تحرير الكويت عام 1991، لبقيت الكويت محتلة حتى الآن.

الاتحاد الأوروبي كائن سياسي جذاب، ولكن عمليا هو ناٍد جيد، ولن يكون منظومة دفاعية أو عسكرية جادة في يوم من الأيام.

لا أفضل المبالغة فيما حدث، فالطلاق بين بريطانيا وأوروبا كان موجودا عمليا وسابقا. وما رأيناه كان عملية مبالغا فيها إعلاميا لإشهار هذا الطلاق، حدثت في أسبوع كان يتسم أصلا بأحداث سياسية مملة جعلت من التصويت (الطلاق) الحدث الأهم والأكثر جاذبية!

omantoday

GMT 08:57 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 09:36 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

GMT 00:04 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

GMT 00:00 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

رمضان وفلسفة الجوع

GMT 00:11 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

نقطة انقلاب في واشنطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا  إشهار طلاق مبالغ فية بريطانيا  إشهار طلاق مبالغ فية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab