«داعش» بداية خاطئة في مواجهة الإرهاب

«داعش».. بداية خاطئة في مواجهة الإرهاب

«داعش».. بداية خاطئة في مواجهة الإرهاب

 عمان اليوم -

«داعش» بداية خاطئة في مواجهة الإرهاب

مأمون فندي

البداية الخطأ في مواجهة الإرهاب هي القبول بـ«داعش» كمفهوم جغرافي (الدولة الإسلامية في العراق والشام). في هذا المقال أدعي أن ضرب قواعد «داعش» في سوريا والعراق لن يجدي نفعا كثيرا، لأنه يمثل بالنسبة للتنظير الذي سأطرحه هنا الوقوع في فخ جغرافي لظاهرة غير جغرافية.
ما أود طرحه هنا، وأتمنى أن يناقش في غرف التفكير الاستراتيجي لمواجهة الإرهاب، هو أن مركزية الدولة وحدودها فاشلة تمامًا في مواجهة ظاهرة لا تعترف بالحدود. ومن هنا يكون التركيز على حدود الدولة الجغرافية ومشكلتنا مع الإرهاب ضربا من العبث. فمن الخطأ أن نتحدث فقط عن الدولة السعودية، عندما نرى حادثا إرهابيا في السعودية، ويجب ألا نركز فقط على الدولة المصرية ومشكلاتها، عندما نرى حادثا إرهابيا في سيناء مثلا.

التصور النظري الذي أطرحه هنا يخص إعادة التفكير في ظاهرة الإرهاب في ثلاث دوائر متجاوزة لحدود الدولة الحديثة كما نعرفها. الإرهاب يتحرك في فضاءات ثلاثة مغايرة: الفضاء الأول هو فضاء الأفكار المتجاوزة حركتها حدود الدول، مثل فكر سيد قطب وجماعة الإخوان وغيرها من الجماعات العابرة أفكارها للحدود. أما الفضاء الثاني فهو المتمثل في فضاء الإعلام والفضائيات. فقناة «الجزيرة» لا تخاطب قطر فقط، ولا «العربية» تخاطب السعودية فقط، ولا «المنار» تخاطب الجنوب اللبناني فقط، ولا «الإنترنت» المتموضع محليًا واشتراكه محلي ودفع فاتورته لشركة محلية هو محلي! يعني أن «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما وسائط محلية، أما الفضاء الثالث فهو فضاء حركة البشر الذي يجعل فتاة فرنسية (تجاهد) في سوريا، أو تونسيا يحارب في العراق، أو سوريًا مهاجرًا في الخليج ينخرط في تنظيم إرهابي.
عالم الإرهاب ليس عالم دول، والتركيز على مواجهته داخل حدود الدولة الواحدة هو بداية إساءة فهم الظاهرة. فرغم أن تنظيما إرهابيا مثل «داعش» يطلق على نفسه اسم دولة، مما يوحي بجغرافيا محددة في العراق والشام، فليس مطلوبا منا القبول بتلك الجغرافيا لأنها وهم داعشي، «داعش» موجود في الرؤوس أو في القلوب الخاصة بمن ينتسبون للتنظيم، وهذا يعني أن جنسية أو هوية العضو المنخرط في التنظيم لا تعني شيئا أبدا. «داعش» تنظيم يترعرع في فضاء إعلامي وفكري يمثل حاضنة ثقافية للتطرف والإرهاب. لا يترعرع الفكر المتطرف في الحواري الفقيرة كما يتصور البعض، بل يتم إنتاج أفكاره في استوديوهات منمقة لقنوات فضائية تكلف حكومات لا جماعات الملايين من الدولارات سنويا.

الفكر المتطرف لا يعشش كثيرا في فكر الإنسان المقيم في السعودية أو مصر أو قطر أو حتى سوريا، الفكر المتطرف يسيطر على الإنسان المتحرك ما بين الحدود المقدسة للدول، الباحث عن هوية خلافة ما فوق الدولة، أساس الانتماء لها هو إنكار داخل الدولة والانتماء إلى وهم اسمه «داعش» أو الخلافة.
النقطة هنا نحن أمام ثلاث دوائر يمكن رسمها بالقلم على ورقة: دائرة حركة الأفكار وجغرافيتها من الأفكار القادمة من باكستان والهند إلى عالمنا، إلى أفكارنا التي تصل إلى مسلمين غير عرب فيقرأونها بما يفهمونه ويزيدون عليها من الغلو والتطرف، وتتحول النصوص إلى سجن للعقول.
أما الدائرة الثانية فهي دائرة الإعلام والترويج لتلك الأفكار السيئة. وليس فقط الترويج، بل تبرير القتل والذبح وتسميتهم بـ«الشهداء» وكأن صك من يعمد شهيدا ومن لا يعمد تمنحه الأرض لا السماء. المهم هو أن الدائرة الثانية هي دائرة الإعلام التي تنفق عليها دول ومؤسسات وقبائل وأفراد.
أما الدائرة الأخيرة فهي دائرة حركة البشر شرقا وغربا لتصل إلى أماكن الصراع المختلفة.

في كل هذا بالطبع الدول مسؤولة، ولكن لكي نقاوم تلك الحركات بنجاح، يجب أن نتجاوز فكرة الدولة وحدودها.
ومن هنا تكون مواجهة الإرهاب في الدوائر الثلاث مجتمعة، أيا كان مكانها في داخل دولة أو متداخلة بين عشرات الدول. أعرف طبعا أن التنسيق في المواجهة يتطلب تعاون الدول، لكن ذلك لا ينفي أن الظاهرة هي ظاهرة أكبر من الدولة ومقاومتها تتطلب مجهودا أكبر وأوسع.
طبعا «داعش» ليس تنظيما هلاميا، بل لبّ الظاهرة وقلبها هو حكومات ضالة، وليست فئات ضالة، قررت الاستسهال في حلول المشكلات الكبرى عن طريق التنغيص على دول أخرى. كثير من أجهزة المخابرات الضالة شاركت في صناعة التطرف الذي تدعي مقاومته، بعد أن خرج العفريت من القمقم، كما يقولون. أو خرج الإرهابيون عن طوع أجهزة لا تعرف إلا الأذى كوسيلة للتعامل مع الأفراد والدول.

لكي نقاوم الإرهاب يجب الخروج من آيديولوجية الدولة وجغرافية المكان الذي نتخيله وكأنه مغلق بإحكام. وكما قبلنا بما تقوله مذيعة النشرة الجوية، عن أن المطر سيهطل على دولة ما، وكأن المطر يعرف حدود الدول والمحافظات الحدودية ويتوقف عندها، فالأصل كان المطر، وبعدها جاءت الدول، ولكن لأن عقولنا غريبة قبلنا هذا الوهم وكأنه حقيقة، كذلك قبلنا الأمر نفسه بالنسبة لـ«داعش»، قبلناه كجغرافيا وقاومناه كجغرافيا، وهنا يكمن الفشل.

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» بداية خاطئة في مواجهة الإرهاب «داعش» بداية خاطئة في مواجهة الإرهاب



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab