تطييف الشرق الأوسط

تطييف الشرق الأوسط

تطييف الشرق الأوسط

 عمان اليوم -

تطييف الشرق الأوسط

مأمون فندي

تتعرض منطقة الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لعمليتين متزامنتين ترميان لتفكيك الدولة العربية الحديثة؛ الأولى هي تطييف العالم العربي وتفكيكه إلى ما يسمى «الحدود الطبيعية للبشر»، أي طوائف وقبائل وتجمعات صغيرة، من خلال تفكيك معاهدة سايكس بيكو من أعلى ومن أسفل، والثانية هي ما سميته في مقال سابق هنا «قضينة العالم العربي»، («الشرق الأوسط» 8 ديسمبر/ كانون الأول 2013)، أي تحويل العالم العربي إلى حزمة من القضايا: القضية الفلسطينية، وقضية العراق، وقضية سوريا، وقضية السنة والشيعة، وقضية النووي وأسلحة الدمار الشامل. وكتبت في الأسبوع الماضي عن أن «داعش» ظاهرة غير جغرافية، ومن الخطأ محاربتها في الجغرافيا المتمثلة في العراق وسوريا وبلاد الشام، لكن في اسم «داعش» المتجاوز لحدود الدولة الواحدة تفكيك لفكرة الدولة القائمة، فليس هناك دولة في العراق وسوريا كما يوحي اسم «داعش» ولا حدود بينهما كما يرى التنظيم. تنظيم داعش إذن يفكك معاهدة سايكس - بيكو (المعاهدة 1916، أما رسم خرائط الشرق الأوسط في باريس فكان من 1919 إلى 1920)، ولكن ليس «داعش» وحده (التفكيك من أسفل) الذي قال بتفكيك سايكس بيكو؛ الرئيس باراك أوباما نفسه تحدث عن أن سايكس بيكو تتفكك (التفكيك من أعلى). إذن لدينا قوى محلية تعمل على تكسير حدود الدول على الأرض، وقوى عظمى تحتضن رؤية الفوضى في الشرق الأوسط. أما أهل المنطقة من دول ومجتمعات، فهم في حالة الاستكانة لعالم توماس هوبز ورسم الحدود بالدم للعودة إلى الطبيعية للبشر؛ لكل قبيلة دائرتها وعالم الرعي والآبار الخاصة بها، ولكل طائفة أو جماعة حدودها، وبهذا تنتفي فكرة المواطنة والدولة الحديثة لصالح الولاءات البدائية لعلاقات الدم المتداخلة بين القبائل والطوائف.

تفاصيل الحدود الطبيعة للجماعات والقبائل واضحة في حالتي العراق وسوريا؛ حيث للدروز ديارهم في السويداء وجبل العرب والساحل للعلويين والقامشلي وغيرها للأكراد، والبقية للسنة، وفي العراق هناك عالم الرمادي والسنة وعالم السيستاني أو الشيعية المعتدلة وعالم مقتدى الصدر المتطرف، وبينهما المالكي وشيعة إيران. الأمر نفسه ينطبق على قبائل ليبيا أو قبائل ومناطق اليمن، المهم هو أن التفتيت والتقسيم هما عرضان لمرض أكبر، وسأعرض لهما في هذا المقال. الهدف من العرض ليس وصف ما هو حادث، بل الانتقال إلى تحليل أعمق يضيء سبل سياسات دول في جو معقد للغاية. والسؤال هنا هو: هل تطييف الشرق الأوسط وقبلنته وتفكيكه إلى مكوناته الأولية عملية لا يمكن إيقافها وهي حتمية، أم إن التطييف والقبلنة ظاهرتان كامنتان في مجتمعاتنا منذ التنظيمات العثمانية التي اعترفت بهما أساسًا لإدارة المنطقة، أم إن الدولة الحديثة بوصفها نبتة أو شتلة غربية فشلت جذورها في أن تجد ماء في رمال الشرق الأوسط فماتت، أم إن قدرة الدولة الشرق أوسطية على استيعاب الآخر المختلف في إطار الدولة الواحدة، كانت فاشلة؟

ما نراه في منطقتنا من تشظٍ لمكونات الدولة والتناحر بين الطوائف والقبائل، ليس هو الأصل أو المسبب، بل هو تبعات لتحولات أكبر في سياسات الدول التي يعول على وزنها عالميا.

الورطة في تفكيك الشرق الأوسط إلى مكوناته؛ دروزًا وأكرادًا وشيعة وسنة.. إلى آخر هذه التقسيمات، هي في الوقوف ضد مبدأ التفكيك؛ ففي حالة حق تقرير المصير وحصولهم على دولة في حالة الفلسطينيين والأكراد، نجد أن الوقوف ضد التفكيك هو وقوف ضد حق تقرير المصير وضد مبادئ الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ويلسون القائل بحق تقرير المصير.. فكيف تكون من ناحية مع حق تقرير مصير الأقليات الذي يمنح الفلسطينيين والأكراد دولتهم المستقلة، وعلى الناحية الأخرى مع انضواء هذه الجماعات في دول الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل؟
هناك حالات دول ذات أقليات بعدد كبير مثل نيجيريا؛ «الإيبو والهاوسا واليورباز» ذوي الديانات المختلفة، ومع ذلك لم تتفكك الدولة، وإلى الجوار في السودان نجد الفشل الذريع لصيغة التعايش، وهذا ما حدث في يوغوسلافيا بعد تيتو.

فهل طريق العراق وسوريا هو طريق يوغوسلافيا، أو السودان، أم يبقى مثل نيجيريا؟ وهل خروج الأكراد من دول كتركيا وإيران وسوريا والعراق وإعلان دولتهم يعني بالضرورة قرب إعلان الدولة الفلسطينية وانسلاخ فلسطين من إسرائيل، أم تظل قضيتا الأكراد والفلسطينيين كما هي في خانة قضينة المنطقة؟
حالة التطييف والقبلنة والتفكيك والقضينة تتطلب من الدول العربية سياسات خارجية أكثر ابتكارًا وإبداعًا وتنوعًا، لأن الألاعيب المحيطة، وآخرها طرح حوار إيراني - خليجي، هي إغراق العرب بالمسكنات بينما عملية التفكيك تجري على قدم وساق. المنطقة ما زالت في مركز الزلازل الكونية وقد تستمر لفترة، وليس المطلوب الجري وراء ما ينبغي، ولكن الحفاظ على ما هو قائم.
لا بد من التعامل مع التيارات الثلاثة مجتمعة: قضينة المنطقة وتحويلها إلى حزمة قضايا، وتفكيك سايكس بيكو، وتطييف الشرق الأوسط.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تطييف الشرق الأوسط تطييف الشرق الأوسط



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab