نهاية المواطن السوبر

نهاية المواطن السوبر!

نهاية المواطن السوبر!

 عمان اليوم -

نهاية المواطن السوبر

مأمون فندي

في التاريخ الإسلامي وغيره أيضا حيث كان الفضاء مفتوحا، وكانت فكرة الدولة بمعناها الحديث غائبة، كان الخروج هو الحل للصراعات الدينية والمذهبية، وكانت فكرة الخروج أحيانا من فضاء ديني إلى آخر تعد عملا ثوريا، وكان خروج موسى من مصر أيقونة هذا العمل. أما اليوم وفي عالم الدول ذات الحدود الواضحة تصبح فكرة الخروج شبه مستحيلة، فليس هناك فضاء مطلق، إذ نخرج من حدود دولة ذات قوانين وسيادة، إلى دولة أخرى ذات سيادة تلتزم بذات المعايير من حدود ونظام حكم وقوانين، ومن هنا تنتهي فكرة الخروج كحل لأزمات الطوائف والقبائل والديانات المختلفة، ولا يبقى هناك سوى المواطنة والتعايش بمساواة تحت ظل القانون كحل وحيد. البديل الآخر للخروج هو خروج على النظام في ذات المكان، وكانت الانقلابات التي تميزت بها منطقتنا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي نموذجا للفشل الذريع في التوصل إلى صيغة التعايش وصيغة المواطنة. في كل تاريخنا أيضا كان التعايش ليس قيمة، بل مجرد ترتيبات مؤقتة حتى يستبدَّ طرف على آخر، أو ينفصل عنه تحت سيادة مستقلة.

هذه مقدمة نظرية لمحاولة فهم ما يجري في منطقتنا من تفجير الذات والمساجد، وكذلك تفخيخ الدول وذبح الجماعات المخالفة دينيا. ما زلنا غير قادرين على التعايش ونبحث عن خروج موسى كحل، والخروج هنا لا يعني قبائل تشد الرحال إلى ديار أخرى، بل جماعات تقرر الانفصال بالأرض وما عليها كما حدث في السودان شماله وجنوبه، وربما دارفور في ما بعد. وهذا أيضا ما يتمناه الأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران، انسلاخ من الدول لتكوين دولتهم المستقلة، رغبة في الخروج. الشيعة مثلا في البحرين يريدون إما الخروج وإما الانقلاب، وما يراه كثيرون حلا للأزمة السورية أيضا لا يتجاوز حل الخروج، من حديث عن دولة علوية في الساحل السوري إلى حديث التقسيم مجملا. فهل الخروج في عالم الدول هو الحل؟
ربما الحالة الفريدة التي حاولت التعايش في المنطقة هي الحالة اللبنانية، التي كان السلوك السياسي فيها مؤشرا لما سيحدث في المنطقة من سبعينات القرن الماضي، حيث تناحر اللبنانيون لأكثر من 15 عاما، عندما فشلت صيغة التعايش ودخلوا في حرب أهلية طويلة كانت نذيرا لما يحدث في سوريا والعراق الآن. لم يحل اللبنانيون أزمتهم إلا بقبول الطائفية بشكل مؤسساتي رسم حدود دولة الطوائف الرخوة التي لا تزيد عن كونها حاوية مطاطية تعطي انطباع دولة لطوائف تعايشت من خلال اتفاق الطائف الذي هو أقرب إلى توافق بين دول لا داخل الدولة الواحدة، إذا ما أمعنا النظر فيه مليا. أكثر من لبنان تحت دستور واحد يؤسس للطائفة لا الفرد على أنها أساس الدولة.

النقطة هنا هي أننا أمام حالة الخروج الانفصالية السودانية من ناحية، وحالة الخروج من الدولة داخل الدولة الواحدة في الحالة اللبنانية، والتي يقلدها الأكراد في العراق حاليا كمرحلة سابقة للخروج الجغرافي الكامل.

ما نراه في سيناء وما نراه في اليمن والعراق وسوريا كلها حالات تبحث عن خروج إلى خارج الدولة، ولكن الخروج إلى أين في عالم دول اختفت فيه فكرة الخارج أصلا the disappearance of the outside؟

التعايش والمساواة في المواطنة داخل الدولة الواحدة وليس الخروج عليها هو الحل لكل أزمات المنطقة.

الربيع العربي بكل زخمه فشل في تدشين مشروع المواطنة على كل المستويات من الثوار إلى أهل الحكم.
لدينا حكام مثل الحالة السورية أو الحالة اليمنية، يحس فيها الرئيس أنه المواطن السوبر، وأن الأمر لا يستقيم من دونه، مثلما قال مبارك: «إما أنا أو الفوضى»، ونرى بشار الأسد رغم كل الجماجم التي يقف عليها ما زال يرى أنه الأفضل لحكم سوريا، وما زال المواطن السوبر علي صالح في اليمن يظن أن حكم اليمن معقود بناصيته. مرض ما فوق المواطنة العادية ليس مرض من يحكمون فقط، بل هو مرض من يظنون أنهم ثوار أيضا، فالثائر في مصر وسوريا وغيرهما يظن أنه الوكيل الحصري للثورة، ولن يكون هناك تغيير من دونه، لذا اهتم الإعلام بأفراد بعينهم كرموز للثورات، مواطنين سوبر، أعلى من المواطن العادي بدرجات. ويتجلى هذا المرض بصور أخرى، فهناك الوكيل الحصري لله على الأرض، والذي يرى أن الدين لا يستقيم بغيره، وأنه خليفة الله في الأرض من الخليفة البغدادي إلى بقية مستشفى المجانين الذي نكرر أسماء سكانه صباح مساء في إعلامنا. هناك أيضا الوكيل الحصري للوطن الذي يظن أنه حارس الوطن، ومن يختلف معه في الرأي خائن. مواطن سوبر لا يقبل النزول إلى درجة المواطن العادي.

ما يجعل دول الغرب الديمقراطية مستقرة هو اختفاء المواطن السوبر. ينهي بيل كلينتون حكمه ويذهب ليكون مواطنا عاديا يبني مكتبة عامة، ويسير في الأرض كما يسير العوام، وكذلك حال المستشار الألماني كول وشميت وغيرهما، وكذلك حال رئيس فرنسا وسيدتها الأولى، الكل يعود إلى مقاعد المواطنة بعد انتهاء الخدمة.

لو قبل الناس عندنا فكرة المواطن العادي من الرئيس إلى الصحافي إلى الثوري، واختفت فكرة المواطن السوبر، لتغير حال المنطقة دونما عناء كثير. المواطنة العادية والتعايش بمساواة تحت ظل القانون لا الخروج الموسوي أو المواطنة السوبر هي الحل. والتعايش على أساس المساواة يتطلب قيما حاضنة لهذا التعايش، وهذه القيم مفقودة عندنا الآن. بناء منظومة قيم مقننة في الدساتير هي العلاج لفيروس التفسخ، الذي يضرب كل دول المنطقة بدرجات مختلفة دونما استثناء.

طبعا هذه رؤية للحل على المدى الطويل، ولكن ما المدى الطويل إلا مجموعة متسلسلة من المدى القصير.

الحل لما نحن فيه هو نهاية المواطن السوبر المتفوق على الآخر وقبول المواطنة تحت مظلة القانون. التعايش يجب أن يكون حالة مستديمة، وليس مجرد حالة مؤقتة في انتظار الخروج.

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية المواطن السوبر نهاية المواطن السوبر



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab