أسعد أيام العمر

أسعد أيام العمر

أسعد أيام العمر

 عمان اليوم -

أسعد أيام العمر

جهاد الخازن

قال لي صديق إن ابنه تخرّج في الجامعة، سألته: ماذا أخذ؟ قال: فلوسي.

كنا في الجامعة قبله وأخذنا فلوس الأهل، فلا يجوز أن نشكو اليوم. وما أستطيع أن أقول واثقاً عن أيام الجامعة إنها كانت أسعد أيام العمر. درست العلوم السياسية ثم الأدب العربي، يعني الحكي، ودرست أختي الهندسة الزراعية وابنة عمي الطب وأشقاؤها الهندسة، وأدركت أنني لن أثرى فقنعت بالسعادة في الجامعة، ولا أشكو فقد كان حظي في العمل أكبر كثيراً من «مواهبي».

الصيف موسم الإجازة، ورأيت كثيراً من الأهل والأصدقاء في لندن وجنوب فرنسا في الأسابيع الأخيرة بعد شهر الصوم الكريم، وتذاكرت مع زملاء الدراسة أيام كنا سعداء بيومنا وغدنا، ولا هموم شخصية أو هموم أمة اختارت الموت.

همس في أذني زميل ونحن نرى زميلة من أيام الجامعة أنها لم تتغير، وقبل أن أعلق بشيء أضاف: لا تزال بشعة وسمينة. هي ليست بشعة، وإن امتلأ جسمها وتجاوزت الشباب، فالدهن في العتاقي، كما علّمنا أهل مصر. الزميل لم يغفر لها أنها صدّته في الجامعة، وسمعت أنه سألها يوماً: كيف أدخل في قلبك؟ وردت: عبر القطب المتجمد الشمالي.

قلت للزميل إنه يظلمها وقال إنني «علي نيّاتي» وزعم أن زميلتنا كانت تتمنى لو عاشت في عصور الظلام لأن الضوء يكشف قبحها.

سنوات الجامعة التي عشتها في ستينات القرن الماضي وسبعيناته في بيروت، ثم واشنطن في الثمانينات، كانت سنوات تعليم مختلط، وحرية شخصية، والأمل كبير بأن تتجاوز الأمة النكبة والنكسة وأن تسير على طريق التقدم.

كنا نسخر من بعضنا بعضاً، خصوصاً من الطلاب الأذكياء المتفوقين الذين كانوا موجودين لمجرد إحراجنا نحن الطلاب «الغلابة» أو غالبية الشعب. ماذا أذكر من تلك الأيام:

- الأسئلة كانت سهلة. وجد صعوبة مع الأجوبة.

- الأستاذ يسأله ماذا حدث سنة 1789 (الثورة الفرنسية) وهو نسي ماذا حدث أمس.

- يعرف شيئاً لا يعرفه أحد غيره في العالم. يعرف أن يقرأ خطه.

- سقط في كل مادة أخذها حتى أنه عندما كان في الثانوية سقط في فرصة الساعة العاشرة.

- لم يعرف الرد على أي سؤال، حتى أنه أخطأ في تهجئة اسمه على أوراق الامتحان.

- الأستاذ يقول: هل من سؤال قبل دخولنا الامتحان النهائي؟ الطالب النجيب يسأل: نعم، ما اسم المادة التي تعلّمها؟

- قرأ الأب نتائج ابنه وكانت سيئة جداً فقال للأم: على الأقل، هو لم يغشّ في الامتحان.

أتوقف هنا لأقول لكل طالب من أبناء الأهل والأصدقاء أن يسعد بأيام الدراسة، لأنها أفضل كثيراً من شقاء العمل وتحصيل الفلوس بعد ذلك. ثم أعترف بأنه ربما كانت عندي أسباب إضافية للترحّم على تلك الأيام، فعندما عدت لماجستير في الأدب العربي (مع الدكتور إحسان عباس) كنت رئيس تحرير وعندي مرتب كبير وسيارة تحمل ترخيصاً لدخول حرم الجامعة الأميركية، ما لم يكن متوافراً للأساتذة.

أذكر إضراباً للطلاب لخفض رسوم التعلم في مطلع السبعينات، ورئيس الجامعة الدكتور كيركوود يطلب مني أن أقنع زملائي المضربين بعبث محاولتهم. وأذكر الدكتور شارل مالك يجلس في زاوية من صالون بيت رئيس الجامعة والأساتذة يتداولون كيف ينهون الإضراب. كان بين أساتذتي إيلي سالم ونقولا زيادة ومحمد نجم ويوسف إبش وسامي مكارم، والمسز كرو وهشام شرابي (علّم سنة في الجامعة الأميركية في بيروت قبل أن يعود إلى عمله في جامعة جورجتاون حيث علّمني أيضاً) وإبراهيم إبراهيم وحنا بطاطو وغيرهم. كانوا نجوماً في سماء الجامعة والثقافة العربية.

أسعد أيام العمر، وذكراها تعود إليّ وأنا أرى الأصدقاء من تلك الأيام في الصيف. بعضنا تزوج زميلة من الجامعة، وبعضنا وجد «حَلاله» خارج الحرم الجامعي، فأكمل غداً ببعض ذكريات مرحلة ما بعد الجامعة، أو العمل وهو سبب كافٍ للشقاء لولا السبب الأهم وهو سقوط الأمة.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسعد أيام العمر أسعد أيام العمر



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab