أمير طاهري
على مدى العام الماضي أو نحوه، تطور الخيار بين صفتين إلى إحدى القضايا المهمة في الصراع على السلطة بين النخبة الخمينية الحاكمة في طهران. هاتان الصفتان هما: «إيراني» و«إسلامي».
أثناء الحكم البهلوي، دعم شاهات إيران الرؤية القومية، فتمت تنحية صفة «إسلامي» جانبا لصالح «إيراني». ووضع الخط الرسمي كلمة «إيراني» مرادفا للتميز والعظمة.
بعد استحواذ الملالي على السلطة عام 1979 أبدوا قلقا تجاه كلمتي «إيران» و«إيراني» منذ البداية، حتى إن آية الله صادق خلخالي، أحد رفقاء درب آية الله روح الله الخميني، اقترح تسمية إيران «إسلامستان».
حاولت الثلة الخمينية إلغاء عيد النوروز، رأس السنة الجديدة لسنوات، ومنعت الأسماء الإيرانية التي تعود إلى ما قبل الإسلام في تسمية الأطفال حديثي الولادة. وأصر الخمينيون على ربط صفة «إسلامية» بكل ما هو إيراني. ومن ثم شهدنا الفيزياء والأحياء والرياضيات والمطبخ الإسلامي، والأهم من ذلك، الموسيقى والسينما. وزعم الملالي أن حب إيران كان أشبه بشخصية «شريك» أو الارتباط بإله متفرد.
أما الدستور الذي فرضه الخميني، فيجعل المرشد الأعلى زعيما للأمة الإسلامية التي تشكل إيران جزءا منها فقط.
وعلى مدى سنوات، اكتشفت آلاف القبور الخفية لمن يفترض أنهم أحفاد الأئمة في البلاد. وبدأ لقب «سيد» الذي كان يمنح للمنحدرين من أصول عربية يضاف إلى المزيد والمزيد من الأسماء، وتمنى الخميني ذاته لو أخفى أصوله الإيرانية لتأكيد هويته الإسلامية.
شارك اليساريون من حلفاء الملالي كراهيتهم لـ«إيران» لأنهم رأوا الهوية الوطنية تهديدا آيديولوجيا آخر، حيث رأى الماركسيون ضرورة تقسيم الأفراد لا بحسب خلفيتهم الوطنية؛ بل وفق انتماءاتهم الطبقية.
لكن، على الرغم من تراجع صفة «إسلامية» إبان حكم الشاه، فإن الإسلام لم يترك الحياة الإيرانية، وفشلت كراهية الملالي والماركسيين لفكرة إيران.
فشل الخميني وخليفته علي خامنئي في منع الإيرانيين من الاحتفال بعيد النوروز، وانتهى بالاعتراف به عاما جديدا وطنيا برسالة رسمية. كما لم يتمكنا أيضا من منع الإيرانيين من القفز فوق نار التطهير الذي يجري في آخر يوم أربعاء من العام الإيراني، ولم يتمكنا من إجبار الإيرانيين على عدم استخدام الأسماء ما قبل الإسلامية لأبنائهم.
دفع هذا الموقف المعادي للصفة الإيرانية من جانب النخبة، الإيرانيين إلى تبني القومية الإيرانية؛ ففي خريف العام الماضي شارك أكثر من 6 آلاف شاعر في الاحتفال الشعري السنوي الذي نظمته الحكومة، ونشرت وزارة الإرشاد الإسلامي مجموعة مختارة من قصائدهم تغلب على القسم الأعظم منها الروح القومية أكثر من الإسلامية.
لا يعني ذلك أن الإيرانيين أصبحوا معادين للفكرة الإسلامية، لكنه يعني، ربما كما كان متوقعا، أنهم يحاولون تحدي الرواية التي فرضها عليهم الحكام، فعشق الفاكهة المحرمة إنما هي عادة متأصلة في طبيعة النفس البشرية.
نتيجة لهذه الآيديولوجية الخمينية المفلسة، حاول بعض شباب النخبة الحاكمة لسنوات العثور على مظهر بديل لخطاب يحتضر. خلال الثمانينات، حاول رئيس الوزراء آنذاك، مير حسين موسوي، محاكاة آيديولوجية كوريا الشمالية من الاعتماد على النفس ومناهضة الاستعمار، لكن هذا المزيج لم ينجح. وفي التسعينات دعم هاشمي رفسنجاني، بوصفه رئيسا ورجل دولة قويا، صيغة غريبة؛ «الثراء السريع»، وكان نموذجه الصين بمزيجها من الاقتصاد الرأسمالي والسياسات الشمولية، لكن هذا المزيج أثبت فشله أيضا.
وعندما انتخب أحمدي نجاد رئيسا للمرة الأولى، حاول هو ومرشده الفكري، إسفندياري مشائي، محاكاة سياسة هوغو شافيز الاشتراكية القائمة على النفط. وكان شعاره: «أموال النفط على طاولة عشاء الأسر»، لكنها فشلت هي الأخرى.
وقبل نحو عامين تقريبا، فتحت إمكانية خلافة مشائي في الرئاسة بعد أحمدي نجاد الحديث عن مسألة إضفاء الطابع الإيراني على الجمهورية الإسلامية. حينما تم جلب «إسطوانة قورش» الشهيرة، التي نقش عليها مؤسس الإمبراطورية الإيرانية الأولى «ميثاقه لحقوق الإنسان»، إلى طهران على سبيل الإعارة من المتحف البريطاني في لندن، رحب أحمدي نجاد وحرس الشرف «بالإسطوانة». وقد وصف الرئيس «قورش» بأنه «في مرتبة الأنبياء».
تحدث مشائي فيما بعد عن «المدرسة الإيرانية» زاعما أن إيران نقلت الدين الإسلامي من مجرد عقيدة مجردة إلى حضارة، فيشير حسب قوله إلى أن «المدرسة الإيرانية» قدمت بديلا آخر للحضارة الغربية.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة عن تنظيمها 2.500 فعالية في جميع أنحاء البلاد للاحتفال بذكرى النوروز. يهدف هذا الرقم، الذي يعيد إلى الأذهان الاحتفالات التي كان يتم تنظيمها في عهد الشاه، إلى الاحتفال بالذكرى المئوية الخامسة والعشرين للإمبراطورية الفارسية التي أسسها قورش.
ولتثبيت فكرة القومية الإيرانية، سميت هذه الاحتفالات المقررة بـ«صوت الربيع» في إشارة إلى عبادة الإيرانيين قبل الإسلام للإلهة أناهيتا، إلهة الخصوبة.
كان رد الفعل الأولي لخامنئي تجاه شعار «المدرسة الإيرانية» مليئا بالغضب. وأطلقت وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرته هجمات عنيفة ضد كل من أحمدي نجاد ومشائي للتقليل من شأن القومية التي يناديان بها.
وفي تغير مفاجئ يثير الكثير من الدهشة، أعلن خامنئي الأسبوع الماضي إنشاء ما يسمى النموذج الحضاري «أسلمة إيران» باعتبارها «بديلا عن الحضارة الغربية»!
أراد خامنئي تطوير هذا النموذج فأمر بإنشاء منظمة خاصة وتعيين صادق واعظ زاده لقيادة برنامج التطوير.
تكمن رسالة خامنئي الضمنية في: «نظرا لأنه لا يمكن نبذ صفة (إيراني)، فماذا عن منحها المرتبة الثانية بعد صفة (إسلامي)؟».
هل سيقبل أحمدي نجاد بحل وسط، أم سيروج للنموذج «الإيراني الإسلامي»، وهذا نموذج يؤدي الدين فيه دورا ثانويا مقابل القومية؟
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"