الانتخابات الأميركية خطر الآخر

الانتخابات الأميركية: خطر الآخر

الانتخابات الأميركية: خطر الآخر

 عمان اليوم -

الانتخابات الأميركية خطر الآخر

بقلم : أمير طاهري

«هذا ليس نحن!»... أصبحت هذه واحدة من الشعارات المفضلة لدى مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية كامالا هاريس وأنصارها، بهدف تصوير أنصار منافسها الجمهوري دونالد جيه. ترمب، باعتبارهم ليسوا أميركيين بالمعنى الحقيقي، إن لم يكونوا غرباء تماماً عن البلاد.

وعبّر أحد أنصار هاريس من أصحاب الفكر «التقدمي» عن قلقه من أنها قد تفوز بأغلبية كبيرة من الأصوات المباشرة في الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ومع ذلك تفشل في الحصول على مفاتيح البيت الأبيض، بسبب القاعدة الخاصة بالمجمع الانتخابي.

ويدعي معجب آخر بهاريس أنها تمثل السواد الأعظم من الأميركيين، من ناعوم تشومسكي إلى ديك تشيني، في مواجهة أقلية صغيرة من أنصار حركة «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى» بقيادة ترمب. وقريباً، سيجري اختبار مدى صحة هذا القول.

ما يهمنا هنا تقسيم الولايات المتحدة إلى «نحن» و«من ليسوا منا»، وهي لعبة مبهمة من الاختلاف، تحد من قدرة التنافس بين الأفكار في إطار الديمقراطية الحديثة، وتعتبرها مجرد تعبير بدائي عن الخوف والكراهية.

إن لعبة «نحن» و«من ليسوا منا» لها تاريخ طويل على امتداد التاريخ الأميركي.

مثلاً، نظر المستوطنون الأوائل إلى البريطانيين البعيدين باعتبارهم «من ليسوا منا»، وأبقوا على هذه النظرة عبر حروب عدة وعقود من العلاقات المتوترة. وبعد ذلك، جاء دور الإمبراطوريتين الفرنسية والإسبانية ليجري تصويرهما باعتبارهما «من ليسوا منا»، مع بناء الولايات المتحدة، المؤسسة حديثاً، نفسها باعتبارها قوة مهيمنة في العالم الجديد.

كما دارت حروب على امتداد عقود ضد القبائل الأميركية الأصلية في إطار «نحن ضد الآخر» في سياق عنصري واضح.

ومثلت الحرب الأهلية بين الولايات المالكة للعبيد بالجنوب والولايات «اليانكية» في الشمال، انقساماً آخر، رغم أن الديمقراطيين في الولايات الشمالية، والذين عُرفوا باسم «كوبرهيدز»، دعموا الرئيس الجمهوري المناهض للعبودية، أبراهام لينكولن.

وفي ثلاثينات القرن العشرين، ظهرت مخاوف جادة من امتداد النسخة الأوروبية من المرض العنصري إلى الولايات المتحدة، مع الدعاية الإذاعية التي أطلقها الأب كوفلين، والمسيرة الطويلة التي قادها العنصريون من برسيبوليس - بلدة صغيرة شبه خيالية في وسط أميركا، حسبما صورتها رواية سينكلير لويس الديستوبية «لا يمكن أن يحدث هذا هنا!».

وطرحت حملة المطاردة، التي قادها السيناتور جوزيف مكارثي في الخمسينات، نسخة أخرى من العداء تجاه الآخر المغاير، مع مسحة آيديولوجية.

ومع ذلك، فإن هاريس ليست الوحيدة التي تسيء فهم طبيعة «الاختلاف» في السياق الأميركي؛ ففي الحملة الرئاسية لعام 2018، وصفت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ناخبي ترمب بأنهم «مثيرون للشفقة» و«جهلة»، في حين أشار خبراء متعاطفون مع معسكرها، إلى ناخبي ترمب باعتبارهم أقل تعليماً وسفراً وأشد فقراً من أولئك الذين اختاروا هيلاري.

علاوة على ذلك، جرى تصنيف ناخبي ترمب باعتبارهم من مشاهدي التلفزيون، وليسوا قراءً للصحف، ناهيك عن الكتب. أما السياق الفرعي لهذا الخطاب، فدار حول فكرة أنه إذا كان بإمكان مثل هذه الأنماط الدنيا من البشر أن تقرر مصير القوة العظمى الوحيدة بالعالم، فلا بد أن نظام الديمقراطية الانتخابية يعاني خطأً ما.

وعبر ممارسة لعبة «نحن» و«من ليسوا منا»، أكدت كلينتون وهاريس على أن الولايات المتحدة أقيمت على مبدأ التنوع. وفي الرابع من يوليو (تموز) عام 1776، اختارت الأمة المؤسسة حديثاً عبارة لاتينية: «بلوريبوس أونوم»، وتعني: «من الكل واحد»، شعاراً لها.

من جهتها، تكشف رواية سينكلير لويس كيف يمكن للرجل الأميركي أن يكون نفسه ونقيضه، في سياق نظام قائم على التسامح، والقبول الحقيقي حتى للآخر العدائي. للوهلة الأولى، قد تبدو عبارة: «نحن جميعاً أميركيون!»، مبتذلة للأجانب مثل هذا الكاتب، لكن عند إمعان النظر بها، نجد أنها التعبير الأكثر حكمة عن الرغبة المشتركة في التعايش في نظام يزدهر في ظل التنوع، والاختلاف التنافسي، والتوتر الإبداعي، والثقة المستنيرة في قواعد اللعبة.

وعلى هذا، سواء شاءت أو أبت، فإن هاريس، رغم أن عائلتها انضمت إلى الهوية الأميركية حديثاً، تمثل وتملك كامل تاريخ الولايات المتحدة وهويتها. وبدلاً من ترديد الأحزان والمظالم القديمة، التي غالباً ما ورثتها من أجيال مضت، واستخدامها كدعامة لـ«الاختلاف» الزائف، يجب عليها أن تدافع عن رؤيتها الخاصة لمستقبل الولايات المتحدة، مع الاعتراف بحق «من تنتقدهم» في فعل الشيء نفسه.

أما محاولة إلقاء اللوم على ترمب وأنصاره عن كل ما هو خطأ في التاريخ الأميركي، حتى العبودية وانتهاكات الحقوق المدنية، فتسمح لـ«من ليسوا منا» في هذه اللعبة بإلقاء اللوم على الديمقراطيين عن «الهجرة غير النظامية الجماعية»، وتردي القيم الأسرية، وحتى التزوير الانتخابي.

إن التصور بأن أميركا تعاني حرباً أهلية ثقافية، دفع المناقشة في هذه الانتخابات الغريبة عن مسارها، من خلال منع إثارة ومناقشة القضايا الاقتصادية والأمنية والسياسة الخارجية الرئيسية.

ومع ذلك، ربما تتمكن هاريس من الوصول إلى النصر عبر انتقاد حركة «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى»، إلا أنه حتى في هذه الحالة لن تتمكن من توفير قيادة فاعلة لأمة قسمتها هي إلى «نحن» و«من ليسوا منا».

اليوم، لا يزال الوقت مبكراً للغاية حتى تدرك هاريس أن عبارة: «هذا ليس ما نحن عليه»، مضللة وخطيرة؛ لأنها هي وترمب وكل الأميركيين الآخرين هم «نحن» معاً. إنهم ورثة الإنجازات العظيمة والظلم المؤسف في تاريخ أمتهم، ويتحملون بشكل مشترك مسؤولية صياغة المستقبل.

omantoday

GMT 19:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 19:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

GMT 19:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: بدء موسم المبادرات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات الأميركية خطر الآخر الانتخابات الأميركية خطر الآخر



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 عمان اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 عمان اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 21:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 عمان اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 21:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
 عمان اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab