بقلم : أمير طاهري
خلال العقود الأربعة الماضية التي هيمنت فيها الآيديولوجيا الخمينية على هياكل الدولة الإيرانية، ظهر جيل جديد من «خبراء الشأن الإيراني» في الأوساط الأكاديمية والإعلامية الغربية. رأى غالبية «خبراء الشأن الإيراني» القدامى في إيران حضارة مجيدة لكنها ميتة منذ زمن طويل تتسم بالتسامح الديني والتنوع العرقي والحب الدائم للإبداع الفني. أولئك الذين ركزوا على قصة إيران بعد ظهور الإسلام اعترفوا بالملكية والمؤسسة الدينية الشيعية التي لعبت أدواراً مكمِّلة في المجتمع الإيراني خلال الصراع في بعض الأحيان.
مع استيلاء آية الله الخميني على السلطة في عام 1979 ظهرت سلالة جديدة من «خبراء الشأن الإيراني» لإعلان النهاية المؤكدة للنظام الملكي في إيران وظهور نظام ثيوقراطي مدعوم برجال دين متجددي النشاط.
اليوم، ومع ذلك، من الممكن الكشف عن بعض الخلل في هذا التحليل. ففي العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية، عادت الملكية، على الأقل كفكرة، ناهيك بكونها مثالية، إلى الظهور كمغناطيس للكثير من معارضي النظام الخميني.
لقد أثار الحنين إلى الماضي الملكي اهتماماً جديداً بالأساطير القديمة والفن التقليدي، والآثار القديمة، والمباني والأساليب الكلاسيكية في الأدب والفن. واجتذبت رحلات الزيارة السنوية إلى قبر «قورش العظيم»، مؤسس الإمبراطورية الإيرانية الأولى، آلاف الأشخاص، غالبيتهم من الشباب، من جميع أنحاء البلاد وخارجها بينما اجتمع المتطوعون معاً لإصلاح وتحديث مئات الآثار التاريخية بما في ذلك بقايا «معابد النار الزرادشتية».
لم يشكل أي من هذا مفاجأة لمن يعرف إيران من الداخل وليس الأكاديميات في باريس أو شيكاغو. فعلى مدى القرون الخمسة الماضية على الأقل، كلما كان الخطاب الديني في حالة تدهور، شهد الخيار القومي المرتبط بخمسة وعشرين قرناً من الذاكرة الملكية انتعاشاً جديداً. والعكس صحيح أيضاً، فالخطاب الديني يحتل الصدارة في وقت تدهور المشاعر القومية.
في الانتفاضات الشعبية في السنوات الثلاث الماضية تردد شعار: «رضا شاه... طوبى لروحك» في جميع أنحاء البلاد. وكما قال عالم اللاهوت الإيراني كاظم العصار: «الملكية والشيعية هما الجناحان اللذان يمكن للنسر الإيراني أن يرتقي بهما إلى ارتفاعات لا يمكن تخيلها».
لكن هذه المرة، قد تبدو الأمور مختلفة لأن النظام الخميني حاول قص كلا الجناحين اللذين تحدث عنهما العصار. فعلى مدار 43 عاماً، كان تشويه سمعة النظام الملكي وتزييف تاريخ إيران وتصوير الملوك الإيرانيين، بما في ذلك شاه إسماعيل الذي فرض التشيع على إيران، كأشرار أولوية قصوى للدعاية الخمينية - وهي حيلة غالباً ما صمّمها ونفّذها الماركسيون التائبون، وهي تحول الماويين اللينينيين إلى الخمينية.
وعلى هذا النحو، يجري تقديم الخمينية وفكرة «ولاية الفقيه» أو حكم رجل دين كخيار ثالث لإيران، متجاوزاً كلاً من الملكية والشيعية.
لفترة طويلة كان رجال الدين الشيعة التقليديون يتوهمون أن النظام الخميني هو نظام ديني. فقد عزز علماء إيران الجدد هذا الوهم، فهم رأوا أيضاً في النظام الجديد أداة ثيوقراطية غريبة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ الكثير من رجال الدين التقليديين في النجف وقم ومشهد يتساءلون عمّا إذا كان الخميني قد باعهم فاتورة بضائع.
بادئ ذي بدء، لم يُسمح لأيٍّ من كبار رجال الدين الخمسين أو نحو ذلك في وقت الثورة، ناهيك بدعوتهم، بتولي منصب رئيسيٍّ داخل النظام الجديد.
في الواقع، قام النظام الجديد بنزع ملابس العشرات من رجال الدين، بما في ذلك بعض كبار المسؤولين، ودفع بالكثير منهم إلى المنفى، فيما اُغتيل آخرون على أيدي مجموعات غامضة مرتبطة بالنظام وأُعدم ستة على الأقل بتهم ملفقة.
بدأ النظام الجديد أيضاً في رشوة وشراء عدد من رجال الدين الذين عُرفوا باسم «العمائم المستأجرة». بعد ذلك، أطلق النظام الخميني حملة ساخرة للتقليل من شأن الألقاب الدينية الشيعية وتبديدها، وفي عام 1979 كان لدى الشيعة 10 أو 12 آية الله. اليوم، جاء أحدث تقدير للباحث مهناز شافعي يؤكد أن الرقم بلغ 150. وهناك 2000 آخرون على كشوف المرتبات الحكومية يحملون لقب «حجة الإسلام»، ومن بينهم المقيم المنتهية ولايته حسن فريدون الملقب بالروحاني. ويُشار إلى «المرشد الأعلى» علي خامنئي باسم آية الله العظمى على الرغم من أنه لا يستوفي أياً من المعايير الثلاثة التقليدية لحمل اللقب: إكمال دورة دراسية مدتها 40 عاماً، ونشر أطروحة، والحصول على الأقل على موافقة ضمنية من آيات الله العظام الآخرين.
لقد أنتج التلاعب السريع والمتساهل بالألقاب التي كانت تحظى في السابق بمكانة هائلة بعض المواقف الغريبة. فقبل ثلاث سنوات، جرت الإشارة رسمياً إلى إبراهيم رئيسي، الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية على أنه «حجة الإسلام». لكن في العام الماضي، بدأت وسائل الإعلام الحكومية تصنفه على أنه «آية الله». لكن في الأسبوع الماضي، عندما ارتدى ملابسه، تم تخفيض رتبته إلى حجة الإسلام.
لطالما حاول رجال الدين الشيعة التقليديون، أو على الأقل التظاهر بمحاولة إبراز أنفسهم في هيئة المتواضع. لكنّ آيات الله الحقيقيين لم يستخدموا مثل هذا الألقاب في أيٍّ من مراسلاتهم، مفضلين ألقاباً مثل «العبد الفقير» أو «الفقير إلى الله». في عام 1971 عندما ذهبت، بصفتي مراسلاً صحافياً لمقابلة أكبر عشرة في إيران يحملون لقب «آيات الله»، وجدتهم جميعاً يعيشون في منازل متواضعة، ويجلسون على سجادة على الأرض ويُبدون تقوى في أبهى صورها، في هيئة تبعد كل البعد عن هيئات «آيات الله» و«حجة الإسلام» الحاليين صنيعة الدولة.
على مر السنين وبدلاً من أن يتولى رجال الدين الدولة، فإن الدولة هي من سعت إلى الاستيلاء على رجال الدين. فقد أنشأت الدولة آلة الفتوى الخاصة بها، وأدارت مجلسها الديني المكون من 9 رجال، وهيمنت على جميع الرواتب الحكومية، وسيطرت بشكل مباشر على حصص الحج، وأصرت على دفع الضرائب الدينية (الخُمس والزكاة) للمؤسسات التي تسيطر عليها الدولة.
تحت حكم الشاه، كان للدولة دور إشرافي على الأوقاف لكنها سمحت لرجال الدين بإدارة الكثير من العقارات الممنوحة وتوزيع الأرباح. في ظل نظام الخميني، يسيطر الملالي المعينون من الدولة على الشركات الضخمة التي لا تدفع ضرائب ولا تخضع للمساءلة أمام أحد.
أضاف قرار خامنئي دعم «طالبان» في القتال لمستقبل أفغانستان بعداً جديداً وربما أكثر تفجراً للحرب غير المعلنة بين النظام الخميني ورجال الدين الشيعة التقليديين. استنكر الكثير من رجال الدين في قم علانيةً تأييد طهران لحركة «طالبان»، ووصفوا الجماعة الأفغانية بأنها «الأعداء قتلة الشيعة».
ألم يحن الوقت لفضح حقيقة النظام الخميني؛ فهو ليس سوى استبداد مبتذل متنكّر في زي نظام ديني بغرض التشويش على الإيرانيين وخبراء الشأن الإيراني الأجانب، وتدمير ليس فقط التراث الملكي في إيران ولكن أيضاً تقاليدها الدينية؟
والأهم من ذلك، ألم يحن الوقت لرجال الدين التقليديين لإنهاء صمتهم المتواطئ في كثير من الأحيان بشأن الضرر الذي ألحقته الخمينية بهوية إيران وثقافتها وتماسكها الاجتماعي واقتصادها وحتى دينها؟