أمير طاهري
منذ اندلاع الأزمة السورية قبل ثلاث سنوات، دائما ما كان يأتي رد فعل القوى العظمى متأخرا. وفي إطار الاستعدادات لعقد مؤتمر آخر بشأن سوريا الشهر المقبل في جنيف، قد يكون لدى المجتمع الدولي مرة أخرى أفكار مختلفة فيما يخص الحقائق الواقعية للوضع المأساوي الحالي.
وفي حال ثبوت صحة المعلومات المسربة من كثير من الدول، سيناقش اجتماع جنيف مسألة تشكيل «سلطة انتقالية». ربما أن تلك الخطة كانت ستصبح ذات مغزى إذا ما جرى وضعها قبل ثلاث سنوات عندما واجهت سوريا ثورة شعبية ضد النظام الحالي. وفي ذلك الوقت، بدأت تتبلور فكرة وجود حلول وسط محتملة. ولقد فشلت هذه الخطة بسبب امتناع القوى العظمى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، عن تأييدها. اعتقدت الولايات المتحدة الأميركية أن الطاغية السوري سيسلك نفس مسلك نظرائه في تونس ومصر، ومن ثم لم تكن هناك ضرورة لوجود تعهد رئيس من جانب أميركا. وبصفتها قوة انتهازية، سعت روسيا إلى تقليل نسبة إخفاقها من خلال المراهنة على كثير من الاحتمالات أملا في الانضمام إلى الطرف الرابح بأقل تكلفة ممكنة.
وفي حين كانت القوى الدولية مترددة حيال الوضع في سوريا، تحولت الأزمة السورية إلى حالة عصيان عنيف على نطاق الدولة، ثم إلى حرب أهلية وصراع طائفي، وفي نهاية المطاف آلت الأزمة إلى مأساة إنسانية.
المشكلة التي نواجهها الآن لم تعد هي نفسها التي كانت موجودة منذ ثلاث سنوات حسبما هو واضح من آخر التقييمات للوضع من قبل الأمم المتحدة والمنظمات المساعدة. وفي الوقت الراهن، يعيش نحو 60 في المائة من السكان السوريين، من إجمالي ما يقارب 20 مليون لاجئ في الدول المجاورة والنازحين داخل سوريا و«الجاليات الأسيرة»، وسط حالة دائمة من الحصار.
وفي هذا الصدد، يقول الخبراء السياسيون إن سوريا شهدت ما يسمى بالانهيار النظامي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلقد انهارت آلية عمل الحكومة من خلال انشقاق كثير من الوزراء وانخفضت القدرة التشغيلية للخدمات الرسمية التي تشرف عليها الدولة إلى أقل من ثلث القدرة العادية. وفضلا عن ذلك، تحولت شبكة العمل التعليمية للدولة إلى أرخبيل من المدارس والجامعات المنعزلة التي توفر التعليم لعدد قليل جدا ممن يحتاجونه. وفي ظل حالة عدم الاكتفاء، في أفضل الأحوال، تواجه الخدمات الصحية بالبلاد معاناة أكثر من ذلك. فوفقا لمنظمة الصحة العالمية، هناك أقل من 30 مستشفى في البلاد ما تزال تعمل وسط ظروف أقل من الظروف المقبولة، مع انتشار الأوبئة، التي اختفت لفترة طويلة من البلاد، مجددا على نطاق واسع.
وعلاوة على ذلك، أظهرت دراسة جرى إعدادها من أجل مؤتمر جنيف أن الجيش والشرطة، اللذين كانا العمود الفقري للنظام لفترة طويلة، لم يعودا موجودين كمؤسستين تتعامل مع الأمن القومي.
انضم عشرات الآلاف من الضباط وضباط الصف والجنود إلى العديد من جماعات المعارضة المسلحة. وفضلا عن ذلك، انشق كثير منهم وغادروا إلى قراهم أو صاروا لاجئين في الخارج. والأدهى من ذلك، أن ما تبقى من الجيش والشرطة هو مجرد خليط من فرق الموت التي غالبا ما تكون مسلحة وفي بعض الأوقات يجري توجيهها من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني وجناح حزب الله اللبناني.
والأسوأ من ذلك، كان تحول المعارضة إلى جماعات تحمل رؤى متسمة بالغمامة وآيديولوجيات منافسة، مع وجود القليل من الرؤى الواضحة أو انتفاء تلك الرؤى بشأن ما يريدونه. (وفي الواقع إن ما تعرفه جميع تلك الجماعات هو أنهم لا يريدون استمرار نظام الأسد!).
وفي هذا السياق، قد يكون الحديث عن مسألة «السلطة الانتقالية» تصرفا سخيفا، فلن يكون هناك أي مغزى لذلك الأمر إلا إذا كانت هناك سلطة مؤسسة يمكن من خلالها الانتقال إلى سلطة أخلاقية وسياسية بديلة.
وفي الوقت الراهن، لم يعد الأمر مقتصرا على أن سوريا لديها حكومة سيئة، بل إن سوريا ليس بها أي حكومة بكل ما يحمله هذا المصطلح من معان. ما زال بشار الأسد يظهر على شاشة التلفزيون على فترات متفرقة على القنوات الأجنبية بمظهر رئيس حكومة غير موجودة. يعتبر الأسد، في أفضل الأحوال، قائد فصيل واحد من بين الكثير من الفصائل. ومن المزمع أن تنتهي فترة ولاية الأسد نهاية الربيع المقبل. ومن المؤكد أنه يمارس الخداع بأنه لن يسعى إلى تولي فترة رئاسية جديدة لمدة سبع سنوات أخرى، مع العلم جيدا أن إجراء انتخابات زائفة مثلما كانت تشهد سوريا دائما لم يعد احتمالا ممكنا ماديا.
وبناء على ذلك، تتمثل المشكلة الحقيقية في تحول سوريا إلى منطقة ليس بها حكومة وساحة قتال للعديد تُشن فيها الحروب التي يمكن أن تستمر لفترة طويلة طالما أن الدخلاء جاهزون لتسليح الجماعات المتناحرة.
وعلى الجانب الآخر، فإن مثل هذه النتيجة لن تصب في مصلحة أي من القوى المتورطة في تلك المأساة. قد يقترح أصحاب مذهب الكلبيين، المؤمنون بأن السلوك البشري تهيمن عليه المصالح الذاتية وحدها، بأن نترك روسيا وإيران تحافظان على مساهماتهما لنظام الأسد وتدفعان الثمن. وفيما تلوح في الأفق مشكلة التدفق النقدي، فربما لن يكون من السهل للملالي في طهران أن يسهموا في بقاء نظام الأسد بسبب مشكلة الإسراف التي تزداد سوءا يوما بعد الآخر. وبالنسبة لروسيا، فإنها تواجه مخاطرة جرها إلى نزاع أبدي مع عدم وجود أي توقعات يمكن التعويل عليها لجني أي ثمار، فضلا عن تزايد احتمالية تكبد المزيد والمزيد من الخسائر.
وللمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام، قد يكون لدى المشاركين في مؤتمر «جنيف 2» القليل من المصالح المشتركة، ولعل الأكثر أهمية من بينها، هو منعهم لسوريا من أن تصير جرحا ينزف بالدماء في منطقة البحر المتوسط.
ربما يكون مؤتمر «جنيف 2» مفيدا في حال تركيزه على الأمور الواقعية للوضع الحالي. وتتمثل المهمة الأكثر إلحاحا في حشد الموارد المطلوبة لمواجهة تلك الكارثة الإنسانية. لقد تُوفي بالفعل عدد غير معروف من السوريين في هذا النزاع، في حين يواجه الكثير والكثير خطر الموت بسبب الجوع والأمراض وعوامل الخطر المختلفة التي تهدد حياتهم.
هل ستتجهز روسيا وإيران للتبرع والإسهام من خلال الاستجابة لمناشدة الأمم المتحدة بتوفير الموارد؟ أم هل ستكونان جاهزتين فقط لإغداق الأموال والأسلحة على الأسد من أجل قتل المزيد من السوريين؟
تتمثل المهمة التالية في توفير ملاذ آمن تحميه الأمم المتحدة بحيث يمكن للسوريين تلقي الحد الأدنى من المساعدات داخل البلاد. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستدعم روسيا وإيران أي مخطط من هذا القبيل أم أنهما ستساعدان الأسد على قصف مخيمات المشردين والجاليات المحاصرة؟
في ظل وجود مثل هذه الأجندة، التي ربما كان ينبغي تبنيها قبل ثلاث سنوات، فإن مؤتمر «جنيف 2» لن يُكتب له النجاح ولن يكون لدى السوريين أي دافع لحضور مثل ذلك المؤتمر.