أمير طاهري
على مدار أسابيع، استمرت وسائل الإعلام الأميركية تتغنى بالهجوم الجذاب لحسن روحاني. وقد سجل حجة الإسلام رقما قياسيا في عدد المقابلات التي أجراها من أجل الترويج لفكرة «إعجابه» بالشعب الأميركي.
سيكون ضربا من السذاجة أن نقبل مزاعم روحاني في ظاهرها. ففي المقام الأول، كتب العديد من الخطب والمقالات المعادية لأميركا. على سبيل المثال، في خطاب لقوات الباسيج الإيرانية، وصف الولايات المتحدة بأنها «وحش نهم» ينبغي «محاربته وهزيمته وقمعه». ووصف الشعار الخميني «الموت لأميركا» بأنه «شعار بديع يوحد الأمة الإسلامية».
شن روحاني هجوما على الحزب الديمقراطي واصفا إياه بأنه «أداة للصهاينة». وزعم أنه ليس بإمكان أي ديمقراطي الفوز بمنصب الرئاسة من دون «أموال صهيونية». (نشر نص كامل لخطابه في جريدة «إطلاعات» الرسمية اليومية في طهران بتاريخ 15 مايو/ أيار 1995).
وعلى الرغم من كل ذلك، فسيكون من الخطأ تجاهل التغيير المزاجي لروحاني لأننا لا نعلم ماهية نواياه الحقيقية. الناس يتغيرون وينبغي أن يمنح روحاني ميزة الشك.
إن الوسيلة الوحيدة لسبر أغوار ذلك هي الحكم على أفعاله.
في الأسبوع المقبل، مع احتفال الملالي بالذكرى الرابعة والثلاثين للهجوم على السفارة الأميركية في طهران، يمتلك روحاني فرصة للكشف عن جوهره الحقيقي.
يعد يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، اليوم الذي استولى فيه «الطلاب» على السفارة، تاريخا مهما في تقويم النظام الخميني.
وبات هذا اليوم الذي يكنى باسم «الثورة الثانية» جزءا من أسطورة نظام يعيش على الأساطير. يجري الاحتفال بهذا اليوم برسائل من نبلاء النظام، تضم «المرشد الأعلى» والرئيس وتتسم بمسيرات لجموع حزب الله يرددون عبارة «الموت لأميركا».
في هذا الأسبوع، كانت طهران تعج بتوقع أن روحاني يخطط لتخفيف لهجة الخطاب المعادي لأميركا، على سبيل المثال، بعدم توجيه رسالة خاصة. وربما يمنع أيضا استخدام التمويل الحكومي في استئجار الحشود المطلوبة ونقلها إلى طهران للمشاركة في المسيرات المعادية للولايات المتحدة. في يوم الثلاثاء، أشارت صحيفة «ابتكار» اليومية في طهران في مقالة افتتاحية إلى أن شعار «الموت لأميركا» يعود إلى الماضي.
ثمة أشياء أخرى بإمكان روحاني فعلها لإظهار أنه يعتزم تغيير نهجه.
يمكنه توجيه وسائل الإعلام الحكومية للامتناع عن الإشارة للولايات المتحدة باعتبارها «عدوا» أو «خصما». فمثل تلك المصطلحات ينبغي أن تحذف من كتب النصوص المصممة لغرس الثقافة المعادية لأميركا لدى الأطفال الإيرانيين منذ سن السابعة. لتلك المصطلحات ثقل ديني، بينما بصرف النظر عن ماهية الخلافات بين إيران والولايات المتحدة، فإنها سياسية.
بإمكان روحاني توجيه وسائل الإعلام إلى استخدام مصطلحات سياسية مثل «خصم» أو «معارض» (مخالف).
علاوة على ذلك، ينبغي أيضا نبذ مصطلح «الشيطان الأعظم». فهذا المصطلح يعطي للفروق بين الحكومتين طابعا شبه ديني يجعل النقاشات السياسية والدبلوماسية الطبيعية عديمة القيمة.
وهذا لا يعني أن روحاني ينبغي أن يمتنع عن انتقاد الولايات المتحدة إذا أراد. ولكن عليه أن يفعل هذا على الساحة السياسية ومن منظور سياسي، وكسياسي لا كرجل دين.
تعتبر معاداة أميركا عنصرا أساسيا من عناصر المزيج الآيديولوجي للنظام الخميني. ما يهم هو درجة معاداة أميركا. في حالة كونها في نطاق حدود معقولة، مثل سياسة معادة أميركا التي أيدها فلاديمير بوتين في روسيا أو نظام هوغو شافيز السابق في فنزويلا، يمكن التعامل مع هذا باعتباره دعاية سياسية وفهمه حتى لو لم يجرِ تبريره.
بل إن فكرة معاداة أميركا التي يتغنى بها المثقفون في المقاهي الباريسية أو الجامعات الأميركية ربما يمكن تحملها.
ثانيا، بإمكان روحاني ترك منصبه في وزارة الخارجية الذي ينظم مؤتمرات «نهاية أميركا» السنوية التي يحضرها معادون لأميركا من مختلف أنحاء العالم، من بينهم أفراد من الولايات المتحدة.
بالطبع، ربما يزعم روحاني أن إنهاء المؤتمرات قد يقيد «حرية التعبير». وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن أن يقوم بخصخصة معاداة أميركا. إذا كان هناك أفراد يرغبون في العمل من أجل «نهاية أميركا»، فدعهم يفعلون ذلك على نفقتهم الخاصة، لا بأموال من الحكومة الإيرانية. دع المعادين لأميركا من الأميركيين والبريطانيين والفنزويليين الذين يطيرون إلى طهران لتشويه سمعة الولايات المتحدة يشترون تذاكر الطيران خاصتهم ويسددون تكلفة الفنادق التي يقيمون فيها.
بوسع روحاني توجيه مكتب أئمة صلاة الجمعة إلى تخفيف حدة الخطاب المعادي لأميركا في الصلاة. هنا أيضا بإمكانه أن يدع الملالي الذين ليسوا في سجلات الرواتب الحكومية ينغمسون في خطاب معاد لأميركا كما يشاءون، على نفقتهم الخاصة. بيد أن الملالي في كشف الرواتب الحكومية ينبغي أن يجسدوا «الاتجاه الجديد» في التعامل مع الولايات المتحدة.
يستطيع روحاني أن ينهي المظاهرات التي تنظمها الحكومة والتي يجري خلالها حرق العلم الأميركي. يمكن إزالة شعار «الموت لأميركا» الذي يغطي المنشآت الرسمية.
ويمكن تغطية الأعلام الأميركية المرسومة عند مدخل المنشآت الحكومية والفنادق والمصانع والمدارس بحيث يتسنى للناس أن يدوسوا عليها بأقدامهم. كيف سيكون شعور روحاني إذا حدث أثناء زيارته المقبلة لنيويورك أن تعين عليه أن يدوس بقدمه على العلم الخميني عند دخوله فندقه؟
قد يبث روحاني السعادة في نفوس الأسر الأميركية إذا ما سلط الضوء على الظروف التي قتل فيها أكثر من اثني عشر مواطنا أميركيا على يد عملاء للنظام الخميني في بيروت.
أخذ روحاني يدعو الأميركيين لنبذ خلافات الماضي. لكن الشهر الماضي، كان آخر شيء فعله قبل طيرانه إلى الولايات المتحدة هو تعيين معصومة ابتكار مساعدة للرئيس. يتذكر الأميركيون ابتكار باسمها الحركي «الأخت ماري»، كمتحدثة باسم مهاجمي السفارة الذين احتجزوا 52 دبلوماسيا أميركيا لمدة 444 يوما.
منذ أن تولى الملالي مقاليد السلطة، لم تمر سنة واحدة من دون أن يحتجز فيها مواطن أميركي كرهينة من قبل الخمينيين في إيران أو لبنان. في الوقت الحاضر، تحتجز طهران ثلاث رهائن، هم عميل سابق بمكتب التحقيقات الفيدرالي وضابط بحري سابق وقس مسيحي. وكلفتةٍ ودية، بإمكان روحاني أن يخترق دائرة احتجاز الرهائن ويطلق سراح الأسرى.