أمير طاهري
وصف الرئيس روحاني توقيع فريقه من المفاوضين على اتفاق جنيف مع مجموعة 5+1 في جنيف الأحد الماضي بأنه «انتصار». وبالغ البعض من زمرته بشكل كبير عندما زعموا أن «تاريخ الثورة الإسلامية ينقسم إلى تاريخ الثورة ما قبل جنيف وما بعدها». وعلى الرغم من ذلك، من الممكن تقييم ذلك «الحدث» بوضوح أكثر في ضوء اتضاح حالة الإثارة التي شابت الموقف المضطرب.
لنبدأ القول إنه ليس من الجلي الحديث بشأن الاسم الذي يجب إطلاقه على وثيقة الاتفاق.
وفي هذا السياق، تضمنت بعض الأسماء التي أطلقها الأفراد ما يلي: اتفاق واتفاقية ومذكرة وخريطة طريق وخطة عمل مشتركة.
ليس من الممكن وصف وثيقة الاتفاق بأنها معاهدة دولية.
تعد مجموعة 5+1 بمثابة هيئة خاصة معينة من قبل الأمم المتحدة لإقناع إيران بتنفيذ ستة قرارات مررها مجلس الأمن. وليس لدى المجموعة أي سلطة لتوقيع معاهدة. وفي الحقيقة، تعد تسمية مجموعة 5+1 بهذا الاسم أمرا مغلوطا لأن المفاوضات يجري توجهيها وقيادتها من خلال ممثل الشؤون الدولية بالاتحاد الأوروبي. وبما أن الاتحاد الأوروبي يضم 28 عضوا، تضم مجموعة 5+1، في واقع الأمر 31 دولة. ومن الجدير بالذكر، أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ذكر بالفعل أن وثيقة اتفاق جنيف سيجري تقديمها إلى جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي. وبمقتضى قوانين الاتحاد الأوروبي، يحق لكل عضو من الأعضاء أن يقبل أو يرفض الوثيقة.
وفي هذا الصدد، تكون أيضا ازدواجية الممارسة أمرا مهما للأطراف الأخرى المشاركة. إذا كانت هذه الوثيقة معاهدة دولية، فيجب أن يعتمدها مجلس الشيوخ الأميركي ومجلس النواب الروسي (الدوما) ومجلس الشورى الإسلامي بإيران لكي تصير ملزمة. وإذا كانت الوثيقة عبارة عن اتفاقية بين إيران والأمم المتحدة، فيجب أن يقرها مجلس الأمن في قرار جديد. وتشكل هوية الورقة مشكلة في حد ذاتها.
وعلاوة على ذلك، يجب على الشخص أن يقرر ما هي النسخة الجديرة بالاعتماد والقبول من نسخ الاتفاق.
وفي هذا السياق، لم أتفحص النسختين الصينية والروسية، بيد أن النصوص الإنجليزية والفارسية والفرنسية أظهرت وجود اختلافات.
ولنأخذ مثالين فقط على ذلك.
تؤكد النسخة المكتوبة باللغة الفارسية أنه في خلال الأشهر الستة المقبلة «سيجري تحويل دخل إيران من صادرات النفط إلى الحكومة الإيرانية». وفي المقابل، يؤكد النص الإنجليزي أن هذا التحويل لن يكون إلا في حالة «تنفيذ إيران لتعهداتها». وبذلك، يقتصر التحويل على ملياري - 4 مليارات دولار على دفعات.
ويرتبط المثال التالي بالرسوم الخاصة بالإيرانيين الذين يدرسون بالخارج.
ويقتضي النص الفارسي ضمنيا أن هذا الأمر سيكون تلقائيا وغير محدود. وعلى الجانب الآخر، يضع النص الإنجليزي حدا واضحا بمقدار 400 مليون دولار، تسدد مباشرة إلى الكليات المعنية.
وتتمثل الحيلة في النص الفارسي في استخدام عبارات دون وجود فعل، مما يقتضي ضمنيا أن حدوث تلك الأشياء أمر مؤكد. وفي النص الإنجليزي، تستخدم الأفعال للتأكيد أن إيران لن تحصل على شيء إلا بعد أدائها شيئا آخر.
وحتى لو تجاهلنا مسألة الهوية والتأثير، تظل الوثيقة أمرا غريبا في تاريخ الدبلوماسية. ومن الواضح وضوح الشمس أن مجموعة 5+1 استغلت قلة خبرة الإيرانيين وحالة الإحباط واليأس التي لديهم لتقدم لهم حزمة اقتصادية.
وبمقتضى التوقيع على الوثيقة، فقد قدمت الجمهورية الإسلامية اعترافا شرعيا بشأن العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وحتى هذه اللحظة، فقد اعترفت طهران بالوجود الفعلي للعقوبات، بيد أنها عدتها «غير شرعية».
وتعمل الوثيقة على تأسيس العقوبات وترسيخها داخل نظام متماسك، وهو ما ينطوي ضمنيا على قبول احتمالية تمديدها بشكل غير محدد.
ووفقا للوثيقة، أخذت إيران على عاتقها 21 تعهدا، في مقابل 11 تعهدا فقط من جانب مجموعة 5+1.
وتتمثل تعهدات مجموعة 5+1 في عدم فرض عقوبات جديدة لمدة ستة أشهر، مع تخفيف بعض العقوبات المفروضة. وعلى الرغم من ذلك، تعد تعهدات إيران ملموسة ومحددة. وفي هذا السياق، يتعين على إيران أن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على خمسة في المائة، بالإضافة إلى أكسدة نصف المخزون المخصب بما يزيد على هذا المستوى. وعلاوة على ذلك، يجب على إيران أن تتخلى عن البنية الأساسية من البلوتونيوم التي جرى إنشاؤها بتكلفة تزيد على 10 مليارات دولار. وفي حال إجراء هذه الأمور، سيسير المشروع النووي لطهران بخطى بطيئة. وبما أن إيران ليست لديها محطات طاقة نووية، فلن تحتاج إلى اليورانيوم المنخفض التخصيب بأي حال من الأحوال. وفي حال عزم إيران على إنتاج رؤوس حربية، ستتضاءل فائدة اليورانيوم المنخفض التخصيب. وفي ضوء الإصرار على الاعتراف، على وجه الخصوص، بـ«حق» إيران في تخصيب اليورانيوم، ارتكب فريق المفاوضين الخاص بروحاني خطأ جسيما. وقد أظهر هذا الطلب أنهم لم يكونوا متأكدين أنهم مخولون بهذا الحق بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وإلا فلماذا طالبوا بالمزيد من المصادقة من مجموعة خاصة؟ ولم تقدم مجموعة 5+1 هذه المصادقة. وبدلا من ذلك، يقتضي النص ضمنيا أن يعود القرار المتعلق بمستويات التخصيب بالنسبة لإيران إلى مجموعة 5+1.
ومن المتوقع أن تفي إيران بتعهداتها، البالغ عددها 21 تعهدا، خلال ستة أشهر، في حين ورد ذكر هذا القيد بالنسبة لتعهد واحد فقط من تعهدات مجموعة 5+1، البالغ عددها 11 تعهدا.
ومن اللافت للانتباه أنه يجب على إيران الوفاء بتعهداتها قبل أن تفعل مجموعة 5+1 نفس الشيء.
وبموجب هذه الوثيقة، ستكون مجموعة 5+1 هي القاضي وهيئة المحلفين في الوقت ذاته، حيث ستقرر المجموعة توقيت وشروط التزام إيران بتعهداتها. وبناء على أدائها مهام بالنيابة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ستقدم الوكالة تقريرا بشأن أداء إيران فقط.
وتمنح هذه الورقة مجموعة 5+1 ما يعرف في اللغة الاصطلاحية الدبلوماسية باسم حق الرصد والمراقبة لقطاعات مهمة للاقتصاد الإيراني. وبالإضافة إلى ذلك، ستقرر مجموعة 5+1 مقدار النفط المسموح لإيران بتصديره، وكذلك مقدار عوائد إيران «التي سيفك تجميدها» وطريقة إنفاقها.
وخلال فترة الأشهر الستة المتفق عليها بالفعل، سيجري الإفراج عن نحو سبعة في المائة من عوائد إيران النفطية، حيث سينفق جزء منها من خلال آلية على نفس نمط برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي فرض على العراق أثناء فترة حكم صدام حسين، بيد أن الشعار المستخدم هذه المرة هو «قناة مالية إنسانية» من أجل السماح بدخول واردات الأطعمة والأدوية. وعلاوة على ذلك، فإن الذي سيدير هذا النظام ليس معروفا، بيد أن الكلمة الأخيرة في هذا الشأن ستكون لمجموعة 5+1.
وبالإضافة إلى ذلك، تمنح هذه الوثيقة اليد العليا لمجموعة 5+1 حيال الأمور المتعلقة بالتأمين والقطاع المصرفي والبتروكيماويات وصناعة السيارات وقطع الغيار والنقل الجوي والشحن والمعادن الثمينة لإيران. وفي بعض الحالات، سيجري تخفيف العقوبات بالطريقة التي تختارها مجموعة 5+1.
وفي المقابل، تمنح هذه الوثيقة مهلة للنظام الإيراني، مع إمكانية تسريع البرنامج النووي في المستقبل، حتى إن روحاني يزعم أنه وقع هذه الوثيقة لأن «إنهاء حالة التوتر مع الغرب» يتصدر «قائمة أولويات» إدارته. فهل يأمل روحاني في التحرك في الاتجاه المعاكس الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود للمذهب الخميني المعادي للأمركة؟
وما دامت العقوبات تسبب الأضرار للشعب فقط، فقد حاول النظام إخفاء تأثير ذلك من خلال الكلام الحماسي البلاغي. ولكن حينما بدأت العقوبات في إلحاق الضرر بالنظام، اضطر النظام أن يقر بخطئه على طريقة صدام حسين. وحسبما يقوله خامنئي غالبا فإن مصلحة النظام مطلقة، في حين أن مصلحة الأمة قابلة للتغير.