أمير طاهري
الأسبوع الماضي قمت بإثارة موضوع هوية «الوثيقة»، التي وقعها الرئيس حسن روحاني مع مجموعة «5+1» في جنيف. ومع الادعاء بتحقيق واحد من «أعظم الانتصارات الدبلوماسية» في التاريخ الإسلامي، زعم روحاني أن هذه «الوثيقة» «حطمت إيوان العقوبات» المفروضة على إيران. وفضلا عن ذلك، ادعى روحاني أنه حقق «انتصاره» من دون تقديم تنازلات..
وفي المقابل، نجد المدافعين عن الوثيقة في العواصم الغربية قد كرروا المزاعم نفسها لتصوير عالم خيالي سيعمل فيه روحاني، مع رفسنجاني بوصفه محرك الدمى، على طي صفحة الثورة وإغلاقها، مع إزاحة خامنئي عن منصبه الذي يشغله «المرشد الأعلى» كما لو كان هو من أراد ذلك وتحويل الجمهورية الإسلامية إلى حليف لأميركا نفسها يروضه باراك أوباما.
وعلى الرغم من هذه المبالغة وتلك الضجة، فقد استُقبل هذا «الانتصار التاريخي» بشكل فاتر، ولا نقول عدائيا، في إيران، بل وحتى داخل المؤسسة الخمينية.
وكرد فعل على ما يتعلق بجنيف، يمكن للشخص أن يقسم النخبة الخمينية الحاكمة إلى ثلاثة معسكرات..
يتكون المعسكر الأول من زمرة رفسنجاني، التي يكون روحاني عضوا فيها. وفي البداية، يحاول المتحمسون الآن تخفيف نغمة ادعاءاتهم. وفي الوقت الحالي، يقول نائب وزير الخارجية الإيراني
عباس عراقجي، رجل طهران الرئيسي في مباحثات جنيف، إن «الوثيقة» لم تكن معاهدة وليست «ملزمة قانونيا»، بل هي بيان سياسي.
وذهبت مرضية أفخم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، إلى ما هو أبعد من ذلك قائلة «إن الوثيقة هي مجرد صحيفة بيانات» و«بيان نوايا». ولذا، فلا يوجد بشكل رسمي في الوقت الحالي أي اتفاقية أو اتفاق، وبالتأكيد ليست هناك أي معاهدة. كل ما لدينا هو قائمة لنسخ من الأمنيات غير المتضاربة.
وما زال الوضع سيئا، فآلية إنجاز الأهداف المرجوة غير موجودة. ولقد عبر يوكيا أمانو، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن هذا الأمر بشكل صريح ومن دون تردد قائلا «ليس لدينا الأشخاص والأموال للتحقق ما إذا كانت إيران ستفي بتعهداتها أم لا». وعلاوة على ذلك، فإن الهيئة التي يجب أن توقع على الشيكات لإنفاق جزء من دخل إيران غير المجمد من النفط لم يجرِ تأسيسها بعد، على الرغم من ذكر اسم دبلوماسي فرنسي على أنه رئيسها المحتمل.
ويتكون المعسكر الثاني من هؤلاء الذين يراوغون أو يلتزمون الصمت لأنهم يعتبرون أن «الوثيقة»، أيا كان الوصف الموسومة به، ممارسة غير مؤدبة في العلاقات العامة. ومن بين هؤلاء الرافضين للمصادقة والتسليم بـ«الوثيقة» المرشد الأعلى علي خامنئي.
وفي هذا الصدد، كتب روحاني خطابا طويلا إلى خامنئي متباهيا بشأن «الانتصار الدبلوماسي». ورد خامنئي بمذكرة مقتضبة سرد فيها بعض ادعاءات روحاني، بيد أنه أضاف قائلا «يجب أن تستمر مقاومة المطالب الزائدة بإفراط (لمجموعة 5+1) لتكون المعيار للمسار الثابت للمسؤولين المعنيين، وسيكون الأمر، إن شاء الله، كذلك».
توقع روحاني أن يتلقى رسالة من خامنئي مفادها «أحسنت صنعا». غير أن هذا الأمر لم يحدث.
ومن خلال انتهاج نفس تصرف «المرشد»، رفض أيضا القادة العسكريون، لا سيما قوات حرس الثورة الإسلامية، أن يقدموا الثناء والإطراء الذي رغبه روحاني. وكان الجنرال نقدي، قائد قوات الباسيج (التعبئة) وهي وحدات شبه عسكرية، من بين الشخصيات العسكرية القليلة التي عقبت على ذلك، حيث قال «لقد جعلوا الشعب مشغولا بهذه المباحثات، إلا أنها ليست سوى تحويل عن المسار المألوف».
ويتضمن معسكر الصمت أيضا بشكل افتراضي جميع الملالي البارزين، بمن في ذلك المستفيدون من الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي هذا السياق، أرسل روحاني وزير الخارجية ظريف إلى قم لمحاولة إقناع الملالي بقبول «الوثيقة»، وبالفعل استمع له الملالي لكنهم لم يثنوا على ذلك مثلما كان يأمل روحاني. وكان الملا الوحيد البارز الذي عبر عن موقف إيجابي تجاه ذلك هو رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي أكبر ناطق نوري الذي قال «لم يكن لدينا خيار سوى قبول (بعض التنازلات) لكي يتسنى إعادة الهدوء إلى البلاد».
لقد مارس بعض النبلاء في النظام مراوغات. ومن بين هؤلاء الأخوان لاريجاني، حيث قال الأخ الأكبر علي لاريجاني، رئيس البرلمان، إنه يجب على روحاني محاولة «الحفاظ على البنية الأساسية لمشروعنا النووي»، وينطوي ذلك ضمنيا على أن وثيقة جنيف تهدد ذلك الأمر. وقال الأخ الآخر صادق، الذي يترأس السلطة القضائية «يجب ألا نضحي بقيمنا من أجل رفع العقوبات»، أيا كان ما يعنيه ذلك.
وفي هذا الصدد، وصف حسن عباسي، الباحث النظري الموالي للنظام في المجال الجيوسياسي والمعروف أيضا باسم «كيسنجر الإسلام»، هذه «الوثيقة» بأنها «تراجع تكتيكي لمدة ستة أشهر»، وهو وصف بعيد كل البعد عن ادعاء روحاني أنها «انتصار تاريخي».
ولقد لفت وزير الخارجية السابق أكبر صالحي الانتباه إلى اتفاقات «التجميد» السابقة التي وقعها روحاني في فترة حكم الرئيس خاتمي. وبعد ذلك جمدت إيران برنامجها النووي، بيد أنها لم تحصل على أي شيء مقابل ذلك. وأضاف صالحي «نأمل ألا تكون الأشهر الستة الجديدة المقبلة مثل نظيرتها السابقة».
وعلاوة على ذلك، التزم المرشحون البارزون في الانتخابات الرئاسية الماضية، التي جرت في يونيو (حزيران)، الصمت حيال هذا الأمر، ومن بينهم سعيد جليلي، المفاوض النووي السابق، ومحمد بكر قاليباف، عمدة طهران.
ويتكون المعسكر الثالث من هؤلاء الذين يعدون ادعاءات روحاني حيلة ساخرة.
والجدير بالذكر أن روح الله حسينيان، عضو مجلس الشورى الإسلامي، تحدى روحاني أن «يخبره بشأن ما الذي قدمه بالفعل وكذلك ما حصل عليه حقا»، مضيفا «نحن قلقون بشأن عواقب معاهدتك». وطلبت جريدة «المشرق» اليومية من روحاني نشر النص الكامل «للاتفاقية» وإخبار العالم بالنسخة الحقيقية. وتصف صحيفة «كيهان» اليومية هذا الحدث بأنه «أكبر ضجة بشأن اتفاقية استغرقت ساعة واحدة فقط». وتتهكم «كيهان» على استخدام مفتاح ذهبي كرمز لحملة روحاني قائلة «تصور روحاني أنه سيجلب لنا المفتاح من نيويورك، والآن من جنيف».
ويعد محمد وحيدي، رئيس وحدات الباسيج المؤلفة من الطلبة، أكثر صراحة، حيث يتساءل «هل يعد هذا الاتفاق علامة على نهاية المقاومة؟». ويدعي آية الله علم الهدى «اننا قدمنا أكثر مما وُعدنا بتلقيه». ويرى الكاتب الصحافي حسين شمسيان أن إبرام الوثيقة مؤامرة «لإقصاء إيران من تشكيلات توازن القوى في السياسة الإقليمية».
وتردد صحيفة «سرات» اليومية الشيء نفسه قائلة «هذه الاتفاقية تعني تقهقرنا إلى الوراء، فهي تعني نهاية المقاومة وطرح إنجازات الثورة جانبا». وبالإضافة إلى ذلك، يدعي الأستاذ الجامعي مجتبى زاري شيئا آخر وهو «اننا وضعنا غذاءنا وإمداداتنا الطبية تحت سيطرة عدونا الذي لا يرحم في البيت الأبيض».
ويزعم منوشهر محمدي، المستشار السياسي لخامنئي، أنه «لا يمكن الثقة في القادة المجرمين لأميركا»، وأن اتفاق جنيف جزء من مؤامرة من أجل «تغيير النظام» في إيران. ووفقا للتسريبات الصادرة عن الأصدقاء والأقارب، أعرب أيضا رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، عن معارضتهما لهذه الوثيقة. ويرى موسوي أن حلقة جنيف عبارة عن جزء من قصة طويلة بدأت بمحاولة رفسنجاني عام 1985 استخدام الدعم الأميركي في محاولته للحصول على السلطة في إيران. وانهارت المباحثات السرية لرفسنجاني مع إدارة ريغان بسبب فضيحة «إيران - كونترا».
وبالنسبة لأحمدي نجاد، فقد دعا روحاني إلى إجراء مناظرة تبث مباشرة على التلفزيون لتقييم «الأيام المائة الأولى من ولايته».
هل سنرجع مرة أخرى إلى فترة ثمانينات القرن الماضي مع زمرة رفسنجاني على أمل اللعب بالورقة الأميركية لسحق المنافسين داخل المؤسسة الخمينية؟
أيا كانت الإجابة، فإن هذه الاستراتيجية محكوم عليه بالفشل. والآن، تعد إيران مختلفة للغاية عن تلك الأيام التي روج فيها رفسنجاني لنفسه على أنه «أكبر شاه».