أمير طاهري
هل بدأت واشنطن في الشعور بالندم والتأنيب بشأن الاتفاق المبرم في جنيف بخصوص برنامج إيران النووي؟
انطلاقا من التصريحات الأخيرة الصادرة عن العديد من أعضاء الإدارة الأميركية، فمن المحتمل أن تكون تلك البيانات هي القضية على الرغم من أن السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما غالبا ما يستعصي تحليلها منطقيا.
وجه نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، المؤيد للنظام الخميني في إيران منذ فترة طويلة، تحذيرا إلى الملا من الرجوع إلى اتباع تكتيكهم القائم على الخداع والتراجع. وعلاوة على ذلك، حاول وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، أحد الإصلاحيين الآخرين بمجلس الشيوخ الذي يحدوه التفاؤل المفرط بشأن الجمهورية الإسلامية، إحباط آمال الملالي في ما يخص دفع الولايات المتحدة خارج منطقة الشرق الأوسط في أي وقت قريب. ولم يعد حتى جون كيري، وزير الخارجية سيئ الحظ، يثني على زيارة إيران ويمدحها. وينطبق الأمر نفسه بالنسبة لحفيد كيري، الذي له أصول إيرانية.
جاء التوضيح القوي بشأن هذا الندم من خلال تصريح مستشارة الأمن القومي سوزان رايس. ففي لقائها التلفزيوني يوم الأحد الماضي، أصرت رايس على أن العقوبات المفروضة على إيران لا يمكن رفعها إلا مع وجود قرار مفترض سنه من قبل مجلس الأمن بالأمم المتحدة. والأدهى من ذلك أنها شددت على أن أي قرار من هذا القبيل سيتضمن احتمالية إعادة فرض العقوبات للرد على أي محاولة إيرانية لممارسة الخداع. ومن خلال ترجمة هذا التصريح إلى لغة بسيطة وصريحة، فإن ذلك يعني أنه يجب على إيران إقناع مجلس الأمن بأنها لا تحاول بناء ترسانة نووية. ومن ثم فإننا نعود إلى نقطة البداية بشأن مطالبة إيران بإثبات شيء غير موجود.
ووفقا لما وصل إليه الوضع الراهن، فمن المستحيل عمليا بالنسبة لإيران الاستمرار في برنامجها النووي في المستوى الحالي، في حين أن اختبار المصداقية محدد من قبل رايس. وفي ضوء الوسائل العلمية والفنية والصناعية، فقد تجاوزت إيران بالفعل ما يسمى مرحلة «البداية» التي ستستطيع بعدها إنتاج قنبلة في حال قررت ذلك. وحتى لو كانت إيران ستنفذ تعهداتها والتزاماتها المنصوص عليها بموجب اتفاق جنيف، فإنها لن تعود، على الرغم من ذلك، إلى وضعها ما قبل مرحلة «البداية». ويعد ذلك السبب وراء تمرير ستة قرارات بالفعل من قبل مجلس الأمن مخصصة للقضاء التدريجي على البرنامج النووي الإيراني ونقل مخزون اليورانيوم المخصب إلى الخارج، مع عدم تجميد الأنشطة في المستويات العالية الحالية. وتتمثل أكثر الأشياء التي يمكن أن يحققها اتفاق جنيف في تعليق برنامج إيران الخاص بالبلوتونيوم لمدة ستة أشهر، بينما يكون تجميد برنامجها لتخصيب اليورانيوم بنسبة خمسة في المائة. ومن ثم، يمكن لإيران الإنتاج من خلال مخزونها من اليورانيوم المخصب من دون وجود قيود، مع احتمالية خرق اتفاق التجميد واستئناف التخصيب بمستويات أعلى وبشكل أسرع عندما تقرر القيادة إنتاج قنبلة.
وفي ضوء هذا الوضع، فإن تصريح رايس يعد منطقيا ومقبولا بشكل ضئيل. إن تمرير قرار سابع من أجل إعادة فرض العقوبات التي جرى رفعها سيكون له القليل من الجدوى إذا قامت إيران بالفعل ببناء ترسانة نووية. وجرت بالفعل محاولة تبني واختبار مثل هذه السياسة في حالة كوريا الشمالية التي أبرمت سلسلة من الاتفاقات مع واشنطن، بيد أنها انتهت ببناء ترسانة نووية على الرغم من ذلك. وفي أي حالة من الحالات، يعد ذلك الأمر رهانا آمنا إذا قدمت رايس قرارا سابعا لطرحه للنقاش في مجلس الأمن، وسنجد الروس يستخدمون حق الفيتو للاعتراض عليه ليس لأي سبب سوى عدم احترام قواعد واشنطن أو الاكتراث بشأنها.
ويبدو أن العقوبات الوحيدة التي لها تأثير فعلي هي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بالمشاركة مع حلفائها في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. ومن ثم، فمن غير المحتمل أن يؤدي التهديد باتخاذ قرار آخر من قبل الأمم المتحدة إلى ترك الكثير من الانطباعات لدى الملالي في طهران. وفي هذا السياق، تعاني سياسة إدارة أوباما وجود تناقض رئيس.
وفي السياق نفسه، أوضح أوباما وكيري أنهما سيفعلان كل الأشياء التي يمكن أن تمنع الكونغرس الأميركي من فرض أي عقوبات جديدة. وبمعنى آخر، تحولت الإدارة ذاتها إلى مجموعة ضغط للنظام الخميني.
والمفارقة هنا أن سياسة أوباما تجعل الأمر أكثر صعوبة لأي شخص في طهران للجدال بشأن وجود محاولة حقيقية لنزع فتيل هذه القنبلة الموقوتة. وفي ضوء وعد أوباما بالاعتراض على أي عقوبات جديدة يمررها الكونغرس ضد طهران، وأن توصل رايس إلى أي نتيجة نهائية يتوقف على الفيتو الروسي في مجلس الأمن، فليس لدى الملالي سبب وجيه للتخلي عن طموحاتهم النووية أيا كانت الاحتمالية.
تعتبر مواصلة هذا الهراء الدبلوماسي أمرا سيئا لإيران والشرق الأوسط والسلام العالمي بوجه عام. ومع حدوث التفتت بالفعل فإن ما يسمى «اتفاق جنيف» قد يمنح جماعة رفسنجاني ميزة تكتيكية في الصراع المستمر على السلطة في طهران. وبالإضافة إلى ذلك، فربما يمنح هذا الاتفاق لأوباما شيئا يغطي به تجرده الدبلوماسي على نحو غير واف لحين انتهاء مدة ولايته الرئاسية في عام 2016.
وعليه، سيكون الاتجاه الفعلي الوحيد متمثلا في الرجوع إلى قرارات مجلس الأمن التي جرى سنها بالفعل، مع مطالبة إيران بالانقياد لشروط تلك القرارات في مقابل رفع العقوبات.
حاول المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، خلال الفترة ما بين عام 1992 و2003، إبرام اتفاق مع صدام حسين من خلال الالتفاف على سلسلة من القرارات التي جرى تمريرها من قبل مجلس الأمن بالأمم المتحدة، حتى إن كوفي أنان حاز جائزة نوبل للسلام بسبب إبرام اتفاق من بين العديد من الاتفاقيات المبرمة مع صدام حسين. وكانت النتيجة النهائية، على الرغم من ذلك، هي إقناع صدام بأنه يمكنه فعل ما يحلو له مع إسكات حاشيته الذين يتجادلون بشأن سياساته المتسمة بالمغامرة.
إنني لا أتحدث في هذا الصدد بشأن الملالي ومحاولة إيجاد حل دبلوماسي. لا يهم الموضوع الذي تدور بشأنه المباحثات. ويجب أن تكون تلك المباحثات بخصوص تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي جرى تمريرها لأن النظام الخميني انتهك معاهدة حظر الانتشار النووي واعترف علانية بارتكابه ذلك.
وبصرف النظر عما تقوله رايس، فإن صيغة جنيف مصممة من أجل الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة. ويعد ذلك هو السبب في أن نزع فتيل الوضع الحالي قد يؤدي، على النقيض، إلى وجود صراع أكبر في المستقبل.