هل عاد شبح صدام حسين إلى العراق

هل عاد شبح صدام حسين إلى العراق؟

هل عاد شبح صدام حسين إلى العراق؟

 عمان اليوم -

هل عاد شبح صدام حسين إلى العراق

أمير طاهري

من يتابع الوضع الحالي في العراق يمكنه أن يسمع طبول الحرب التي يجري قرعها في بلاد الرافدين. ويبدو أن رئيس الوزراء نوري المالكي يحضر لهجوم عسكري ضد الحركات المعارضة في محافظة الأنبار، لا سيما بلدة الفلوجة المحاصرة، التي تعد الهدف الرئيس لذلك الهجوم العسكري. وربما يبدو أن الأوان قد فات لمناقشة الحكمة من وراء اتخاذ مثل تلك الخطوة، أو حتى لعرض النصائح في ما يتعلق بحل الأزمة الحالية. إلا أن النصيحة المثلى التي ينبغي إسداؤها للمالكي الآن هي أن يأخذ وقفة مع نفسه ويعيد النظر في استراتيجيته تجاه المجموعات المعارضة في محافظة الأنبار. من الناحية العسكرية، ربما يبدو أن المالكي له اليد العليا، فالجيش العراقي الجديد، الذي يسيطر عليه رئيس الوزراء، يضم نحو مليون فرد في الخدمة، بما في ذلك القوات المسلحة النظامية والمجموعات الأمنية والشرطية. كما يدين للمالكي بالولاء الكثير من حلفائه في القبائل العربية السنة في الأنبار، بمن فيهم جزء من تحالف قوات الصحوة التي أسهمت في القضاء على تمرد حدث في العراق منذ نحو عشرة أعوام. ويحظى موقف المالكي، الذي تسيطر عليه نعرة وطنية، بدعم كبير وسط العديد من الجماعات الشيعية التي كانت تنأى بنفسها في السابق عن التكتل الذي يقوده رئيس الوزراء. أما بالنسبة لمقتدى الصدر، تلك الشخصية السياسية المتقلبة التي لا تثبت على حال في الساحة العراقية، فقد خفف من لهجته المعادية للمالكي باسم التضامن من القوى الشيعية. حتى عمار الحكيم، ذلك الرجل الذي يمتلك شخصية حكيمة وعاقلة، فقد بدأ هو الآخر في التخفيف من حدة انتقاداته لأداء المالكي. أما الملالي الإيرانيون، الذين لم يرتاحوا قط للمالكي حيث ينظرون إليه باعتباره رجل واشنطن في العراق، فها هم يحشدون له الدعم الآن باعتباره الشخصية العراقية السياسية الشيعية الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة الشيعة في مواجهة المعارك القادمة. ومن جانبها، تعلق إدارة الرئيس أوباما الرهان على المالكي، حيث تمده بأحدث أنواع الطائرات من دون طيار القادرة على إطلاق الصواريخ. وتروج بعض الدوائر السياسية في كل من واشنطن وطهران حاليا لفكرة أن الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية تتشاركان المصلحة في القضاء على الجماعات السنية في العراق، وكذلك الإبقاء على بشار الأسد في وضع ضعيف في السلطة حتى يمكنهم التلاعب به معا كيف شاءوا. أما الأمر الذي ربما يبدو أكثر أهمية فهو أن هناك حجتين وراء تلك العملية العسكرية في الأنبار تقفان إلى جانب المالكي.. الحجة الأولى هي أنه لا ينبغي أن تترك الفرصة لأي مجموعة مسلحة لترويع الشعب العراقي، فضلا عن قيامها بالإطاحة بحكومة منتخبة من خلال إشعال تمرد في منطقة ما من أرض العراق. وهذا بالضبط ما يبدو أن المتمردين في الفلوجة والرمادي يسعون إلى تحقيقه. أما الحجة الثانية فهي أن المتمردين في محافظة الأنبار ينتمون لنفس الجماعات الجهادية الغامضة التي كانت تحاول الزج بالعراق في أتون حرب طائفية منذ الإطاحة بالرئيس صدام حسين في عام 2003. إلا أن جميع العناصر التي تتضمنها الحيلة التي يروج لها المالكي، بما في ذلك الحجج التي تبدو في صالحه، من الممكن أن تنقلب إلى أشواك في ظهر رئيس الوزراء العراقي. بادئ ذي بدء، في حال نجح المالكي في سحق التمرد الحالي في محافظة الأنبار بالقوة، ونجح أيضا في الفوز بالانتخابات المقبلة، فإنه بذلك سيعرض واحدا من أهم المكتسبات التي حققها العراق بعد سقوط صدام حسين للخطر. أما ذلك المكتسب المهم فهو أن العراقيين استطاعوا تغيير الحكومة من خلال الانتخابات وليس عن طريق انقلاب عسكري أو إشعال حرب أهلية أو إدخال البلاد في خضم صراعات إرهابية. اجتياح الفلوجة يعني أن المالكي سيخاطر بخسارة شرعيته الديمقراطية، وإذا ما نجح في سحق التمرد هناك فسوف يتحول إلى ديكتاتور جديد من طغاة العالم الثالث الذين يتمسكون بالسلطة عن طريق تنفيذ المذابح ضد معارضيهم. ومن المؤكد أن الاستراتيجية القائمة على سحق السنة بالقوة ستقلق الأكراد الذين يمثلون خمس سكان العراق. وإذا ما أحرق المالكي الجسور التي تربطه بالسنة العراقيين، فسوف يبدو بمظهر الشخصية الطائفية التي تسعى لبث الفرقة في وقت يبدو فيه العراق أحوج ما يكون لروح الوحدة. وسيؤدي هذا بدوره إلى وقوع المالكي رهينة في يد مقتدى الصدر وعمار الحكيم، الرجلين الطموحين اللذين يتمتعان بمنزلة دينية يتفوقان بها على المالكي. وحتى إذا نجح رئيس الوزراء في سحق معارضيه السنة، فإن ثنائية الصدر - الحكيم لن تكون قادرة على توفير الشرعية الشيعية الكاملة للمالكي. وتمثل الفئات السياسية التي يسيطر عليها الرجال الثلاثة (المالكي والصدر والحكيم) مجتمعة 40 في المائة من مجموع الناخبين في العراق، غير أن تلك النسبة ليست كافية لتشكيل حكومة من خلال الإطار الدستوري الحالي. الأمر الأكثر أهمية هو أنه لا يستطيع أحد من الرجال الثلاثة أن يتحدث بالنيابة عن الشيعة العراقيين من دون الحصول على موافقة ضمنية من آية الله العظمى علي السيستاني. وبالتالي، ليس من المحتمل أن يحصل المالكي على تلك الموافقة الضمنية من السيستاني ما دام يقوم بتلك الممارسات الطائفية تحت عباءة محاربة الطائفية. ومن المعروف أن السيستاني يعارض بشدة صبغ السياسة بصبغة طائفية، ليس في العراق فقط، بل في كل دول المنطقة. كما أن الظفر بدعم إيران والولايات المتحدة يضعف كثيرا من موقف المالكي، حيث إنه سيبدو بمظهر الدمية التي تحركها القوى الغربية من أجل تحقيق مصالحها وتنفيذ الأجندات الخاصة بها في العراق. وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى شق صف أولئك المؤمنين بضرورة صبغ كل شيء في بلادهم بالصبغة العراقية (بمعنى آخر فكرة «العروقة»)، بمن فيهم الشيعة أنفسهم. وهناك أمر آخر جد خطير، وهو أن اللجوء إلى الجيش لبسط السلطة السياسية يمكن أن يؤدي إلى إحياء التقليد السيئ القديم الذي تبدو فيه الجيوش العربية الحكم الذي يفصل بين السلطات ثم ينتهي بهم الأمر إلى القفز على السلطة واحتكارها. وإذا حدث هذا، فربما يتساءل العراقيون: ما هو المبرر إذن وراء عقد كامل من المعاناة في أعقاب سقوط صدام حسين؟ الأمر المثير للسخرية حقا هو أن المالكي يتبنى الآن استراتيجية تسير عكس التجربة السياسية التي خاضها طوال الأعوام الماضية، كما تتناقض تلك الاستراتيجية مع شخصيته. لقد كنت أتبنى رأيا إيجابيا عن المالكي بفضل قدرته على إظهار مزيج من الحزم والمرونة في الوقت نفسه. وقد أظهر المالكي تلك القدرة خلال تعامله مع الجماعات الشيعية المسلحة في المحافظات التي يسكنها غالبية شيعية، فقد استطاع ترويض جماعة جيش المهدي من خلال منحه الصدريين نصيبا من السلطة. ورغم الضغوط الشديدة التي مارستها الدوائر السنية، قاوم المالكي إغراء الدخول في حرب ضد الأكراد حول مدينة كركوك. كان من الممكن أن يستحق المالكي منا أن نحسن النية في استراتيجيته فقط لأنه بدا عازما على القضاء على الثقافة السياسية التي أنتجت صدام حسين. أما الآن، وهو يبعث بالقوات لاجتياح الفلوجة، فيبدو أنه يعيد إنتاج تلك الثقافة الشيطانية.  

omantoday

GMT 19:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 19:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

GMT 19:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: بدء موسم المبادرات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل عاد شبح صدام حسين إلى العراق هل عاد شبح صدام حسين إلى العراق



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 عمان اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 عمان اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 21:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 عمان اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab