أمير طاهري
في محاولته لممارسة الضغوط من أجل منع فرض المزيد من العقوبات ضد إيران على خلفية برنامجها النووي، غالبا ما يستند الرئيس باراك أوباما في أحاديثه إلى «فتوى دينية»، يُقال: إن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، هو الذي أصدرها. وتؤكد تلك «الفتوى»، حسبما يشير أوباما، على مزاعم طهران بأن برنامجها النووي ذو طبيعة سلمية تماما.
لا ينقل أوباما نص تلك «الفتوى» الغامضة، كما لا يخبرنا أين ومتى سمع بها.
المشكلة الحقيقية هي أنه لم يسمع أحد في حقيقة الأمر بتلك «الفتوى»، رغم أن الكثيرين علقوا على مضمونها. الغريب أن بعض الملالي يستشهدون بأوباما نفسه كمصدر لتأكيد صحة وجود تلك «الفتوى».
وفي أحد تقاريرها الإخبارية الأسبوع الماضي، نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية (IRNA) عن آية الله محمود يوسفواند، الذي عرفه التقرير بأنه فقيه وعضو المركز العلمي، قوله: «أصدر مرشدنا الأعلى فتوى بمنع استخدام الأسلحة النووية، وهو ما أكده رئيس الولايات المتحدة».
ويُعتبر يوسفواند واحدا من بين أكثر من 100 ملالي ومسؤول حكومي حضروا مؤتمرا، استمر على مدى يومين في طهران، لبحث «وجهة النظر الدينية بشأن الأسلحة النووية».
لم يقل أحد من الحاضرين أنه سمع أو رأى نص «الفتوى» المزعومة. كما لم يقل أحد منهم أنه يُقصد بتلك «الفتوى» - إن كانت موجودة بالأساس - منع إيران من الحصول على الوسائل التي تمكنها من صنع القنبلة النووية. وأشار بعض المتحدثين خلال المؤتمر، ومن بينهم يوسفواند، أن استخدام الأسلحة النووية، بغض النظر عن التخزين أو صنعها، ربما يكون محرما من الناحية الدينية.
ويضيف يوسفواند أن «الإسلام يستخدم كلمة (إفساد) لمنع استخدام عدد من أسلحة الدمار الشامل. ويشير مصطلح (الإفساد) بالتحديد إلى بعض الأمور، من بينها تلويث مصادر المياه وقطع أشجار الغابات واللجوء إلى إشعال الحرائق كسلاح من أسلحة الحرب».
ويتساءل آية الله يوسفواند بعد ذلك عما إذا كان من الممكن تطبيق مصطلح «الإفساد» على الأسلحة النووية، لكنه لا يقدم رأيا محددا في هذا الشأن. بمعنى آخر، لا ينطبق مصطلح «الإفساد» على الأسلحة النووية حتى هذه اللحظة.
ويُشير فقيه آخر يُدعى علي رضا قربانية إلى أن تبني «موقف إسلامي» فيما يخص الأسلحة النووية لن يكون أمرا سهلا. ويشرح قربانية ذلك بقوله إنه لا يمكن حظر مثل هذه الأسلحة «لأنها لا تميز أهدافها»، بمعنى أن الأسلحة النووية يمكنها «أن تمحو المسلمين وكذلك الكفار» مضيفا أنه من ناحية أخرى تؤكد «ضوابط الحرب من وجهة نظر الإسلام الشيعي» بقوة على استخدام أي نوع من الأسلحة تساهم في التعجيل بتدمير أعداء «الأمة». وحسب رأي قربانية، فإن استخدام الأسلحة النووية يندرج تحت مبدأ «ما يرجى به الفتح». وهكذا، فإنه لا ينبغي تجنب امتلاك القنبلة النووية، لأنه من الممكن أن تضمن للمؤمنين تحقيق انتصار نهائي في حربهم ضد الكفار.
ومما يزيد الأمر تعقيدا، زعم آية الله «باهمان أكبري» أن تصريحات خامنئي، بغض النظر عن «الفتوى» التي ربما لا توجد من الأصل، تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية ترى الأسلحة النووية «كسلاح ردع تؤمن تدميرا بالمثل لقدرات الخصم». بمعنى آخر، من الممكن أن يكون تطوير ترسانة أسلحة نووية لأغراض الردع مباحا.
كما يشير أكبري إلى أنه يمكن مناقشة قضية ترسانة الأسلحة النووية «في نفس السياق فيما يخص أسلحة الدمار الشامل الأخرى، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والبيولوجية». وهذا يعني أنه لا ينبغي مناقشة الأسلحة النووية على أساس أنها مسألة منفردة، بافتراض أنها مصدر الشر الأعظم.
وخلال المؤتمر، انتقد اثنان من علماء الدين، هما محمود حكماتينه وهشام زعفراني، أكبري بسبب عدم إشارته إلى «فتوى» خامنئي. والسبب، بالطبع، وراء عدم إشارة أكبري لتلك «الفتوى» هو أنه وكثيرون غيره لم يروا أو يسمعوا بوجود «الفتوى» من الأساس.
أما أقرب إشارة لـ«فتوى» خامنئي، فقد جاءت خلال كلمة ألقاها المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالفندي، عندما قال: «مرشدنا الأعلى حدد لنا الشعار الخاص بنا: (لا ينبغي لأي دولة أن تمتلك الأسلحة النووية، إنما ينبغي السماح لجميع الدول بامتلاك الطاقة النووية)».
وبعبارة أخرى، فإن الجمهورية الإسلامية على استعداد للتخلي عن الجوانب العسكرية لبرنامجها النووي فقط في سياق عملية لنزع الأسلحة النووية على الصعيد العالمي. أما إذا كان الآخرون يمتلكون السلاح النووي، فلماذا تحرم إيران نفسها من امتلاك ذلك السلاح؟
وخلال المؤتمر، استشهد آية الله حسن ممدوحي، عضو رابطة «مدرسي الحوزة العلمية بمدينة قم»، بجملة غامضة، قالها الفقيد آية الله عزيز الله خوشوقت، مفادها بأن الإمام الغائب سينهي غيبته الكبرى فقط عندما يكون «سيفه» جاهزا.
يقول ممدوحي إن «عودة الإمام المهدي (الإمام الغائب) مشروطة بما يقوم به علماؤنا في المجال النووي» دون الخوض في تفاصيل أخرى. وتزعم وسائل الإعلام في طهران أن «سيف الإمام الغائب» في الوقت المعاصر يعني امتلاك ترسانة نووية.
وبعد أسبوع من انعقاد المؤتمر، قال آية الله أحمد جنتي، عضو مجلس صيانة الدستور، خلال إحدى خطب الجمعة، إن عودة الإمام المهدي باتت «وشيكة» بفضل «التقدم الرائع» الذي تحققه الجمهورية الإسلامية في إيران.
ويُعتبر آية الله خوشوقت، الذي توفي العام الماضي، معلم خامنئي، وأحد أقوى المعارضين لمفاوضات قد تؤدي إلى الحد من أي جانب من جوانب برنامج الجمهورية الإسلامية النووي.
وقد حظيت آراء خوشوقت بالتأييد وسط عدد من رجال الدين الموالين للخميني، الذين قالوا: إنه ليس هناك أي مبرر لتقديم تنازلات لمجموعة 5+1 في ظل تراجع نفوذ الولايات المتحدة في عهد أوباما.
كما أصدر أحد رجال الدين البارزين، آية الله محمود نبويان، مقالا يقع في 40 صفحة، أكد فيه أن طهران أصبحت الآن في موقف يمكنها من أن تقول لباقي القوى في العالم: «توقفوا عن إزعاجي».
وهناك أيضا مناصر آخر لهذا الرأي هو محمد جواد لاريجاني، نجل أحد رجال الدين وشقيق رئيس السلطة القضائية في إيران، صادق لاريجاني. يقول جواد لاريجاني إنه ينبغي على القوى الإسلامية أن تطلب من القوى غير الإسلامية بأن «تخضع» لـ«كلمة الله العليا». في عام 1988، حمل جواد لاريجاني خطابا من آية الله الخميني إلى ميخائيل غورباتشوف، يدعو فيه الرئيس السوفياتي لاعتناق المذهب الشيعي.
سيحسن الرئيس أوباما صنعا بأن ينظر في ثلاث نقاط قبل أن يقرع طبول الحرب ضد الملالي. أولى هذه النقاط هي «الفتوى» الشهيرة، سواء كانت غير موجودة أو صيغت بطريقة مشوشة تجعلها مفتوحة على الكثير من التفسيرات المختلفة. أقل ما ينبغي على أوباما فعله هو أن يطلب رؤية تلك «الفتوى»، التي يدافع عنها وكأنها نص يفوق حتى القانون الدولي.
النقطة الثانية هي أن لا ينظر لخامنئي عادة على أنه ذو قيمة دينية كبيرة، برغم كونه واحدا من أكبر الشخصيات السياسية في طهران. وحسب المعايير الدينية، فإن أيا من آيات الله العظمى الـ10 أو الـ12، أو حتى أي شخصية من مئات رجال الدين الأقل مرتبة، يمكنهم تفنيد «فتاوى» خامنئي.
النقطة الثالثة والأخيرة، ينبغي على أوباما أن يعرف أن مشروع إيران النووي هو قضية سياسية، وليس مسألة دينية يمكن تسويتها عن طريق إصدار «فتوى» تبقى في جميع الأحوال مجرد رأي غير ملزم من الناحية القانونية لأي فرض، ناهيك عن الجمهورية الإسلامية باعتبارها دولة قومية.