أمير طاهري
هل وضع الرئيس الإيراني حسن روحاني نفسه في مأزق؟ ثار هذا التساؤل عندما قال روحاني لمواطنيه إنه سيرفع العقوبات من دون تقديم تنازلات بشأن البرنامج النووي لبلاده.
ربما يكون ذلك هو ما أوقع روحاني في عقدة غوردية دبلوماسية.
على الجانب الآخر، ألا ينبغي عليه أن يثبت عدم سعي إيران لإنتاج ترسانة نووية؟ لكن كيف له أن يثبت ذلك؟ هل ينبغي عليه أن يعد بإغلاق كامل للبرنامج النووي الإيراني الذي، إن كانت معاهدة منع الانتشار النووي هي المعيار، يبدو قانونيا تماما؟
تفاوض روحاني قبل عشر سنوات، لتعليق تخصيب اليورانيوم في بادرة على حسن النوايا. اليوم لا يستطيع حتى القيام بذلك لأن تخصيب اليورانيوم تحول إلى رمز للصراع الخميني ضد «الشيطان الأكبر» الأميركي.
تخيل لو أن روحاني تمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن ذلك لا يعني أن العقوبات سترفع بصورة آلية. فإيران تخضع لستة أنواع مختلفة من العقوبات التي فرضت عليها منذ عام 1979.
ترتبط المجموعة الأولى من العقوبات بالاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز دبلوماسييها رهائن. وبموجب اتفاق الجزائر الذي وقع عام 1980 جرى التوصل إلى آلية لرفع تلك العقوبات. لكن هذا لم يحدث لأن الموقعين على الاتفاقية، إيران والولايات المتحدة، لم يصلا إلى درجة الثقة الضرورية المتبادلة. وصارت الأمور أكثر تعقيدا عندما استخدمت طهران عناصر حزب الله لخطف عشرات الرهائن من المواطنين الغربيين، بما في ذلك 20 أميركيا، في لبنان.
وارتبطت المجموعة الثانية من العقوبات بالحرب العراقية - الإيرانية وكانت تهدف بالأساس إلى منع الطرفين المتحاربين من الحصول على المعدات العسكرية. لكن على الرغم من انتهاء الحرب عام 1988، بقبول إيران قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 لم تسقط العقوبات، وكان السبب فشل إيران والعراق في الاتفاق على التنفيذ الكامل لبنود القرار. وحتى اليوم، لم تتفق الجارتان على آلية لتطبيق الاتفاق.
فرضت المجموعة الثالثة من العقوبات من قبل الدول الأوروبية ردا على احتجاز الرهائن والأنشطة الإرهابية في أراضيها. فشهدت الفترة بين عامي 1979 و1993 مقتل 127 منشقا إيرانيا في 11 بلدا أوروبيا إضافة إلى تركيا. في الوقت ذاته، حصدت العمليات الإرهابية التي اتهمت إيران بالضلوع فيها أكثر من 50 شخصا في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا. ثم طبقت الولايات المتحدة بعض العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية.
وعلى الرغم من توقف العمليات الإرهابية الإيرانية في الغرب في عهد الرئيس محمد خاتمي، لم تسقط العقوبات أيضا.
جرى فرض المجموعة الرابعة من العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي نتيجة الأحكام التي صدرت عام 1992 على أربعة مسؤولين إيرانيين من قبل المحكمة الجنائية في برلين. أصدرت المحكمة مذكرات توقيف دولية ضد المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس هاشمي رفسنجاني ووزير الخارجية علي أكبر ولايتي ووزير الاستخبارات والأمن علي فلاحيان. وهذا هو سبب عدم قدرة الأربعة على السفر خارج إيران لنحو ربع قرن. نظريا، يمكن رفع تلك العقوبات فقط عندما يمثل الأفراد المتهمون بالتواطؤ في اغتيال معارضين أكراد وإيرانيين في برلين أمام العدالة في ألمانيا.
ارتبطت المجموعة الخامسة من العقوبات بالبرنامج النووي الإيراني. وقد فرضت نيابة عن المجتمع الدولي من خلال خمسة قرارات صدرت بإجماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وطلب من جميع أعضاء الأمم المتحدة فرض هذه العقوبات ضد إيران. وسيتطلب رفع تلك العقوبات قرارا جديدا بإلغاء السابقة. مثل هذا القرار يمكن طرحه فقط عندما تغلق إيران برنامجها النووي بشكل فعلي.
تتكون المجموعة السادسة من العقوبات التي فرضت من جانب واحد من قبل الولايات المتحدة. ارتكزت العقوبات على قانون عقوبات ليبيا إيران الذي أقره الكونغرس الأميركي إبان إدارة كلينتون عام 1996. وفي عام 2006، أعيد تسميته بقانون عقوبات إيران بعد أن وافقت ليبيا على مطالب الولايات المتحدة. في البداية، اقتصرت العقوبات على الشركات الأميركية فقط. لكن بمرور الوقت، فرضت الولايات المتحدة نظاما يفترض تعاون الشركات غير الأميركية طواعية، والذي يعطي الشركات الأجنبية الحرية في اختيار التعامل إما مع إيران أو الولايات المتحدة، بحيث تُمنع الشركات التي تتعامل مع إيران من دخول السوق الأميركية ومن الاستثمار في الولايات المتحدة. ومن ثم لن يكون من المستغرب، أن تختار معظم الشركات السوق الأميركية التي تبلغ قيمتها 16 تريليون دولار وليس السوق الإيرانية التي يبلغ حجمها تريليون دولار.
وعلى الرغم من سهولة فرض العقوبات، فإن رفعها يكون صعبا في أغلب الأحيان، فبعض العقوبات التي فرضت على ألمانيا وإيطاليا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية لا تزال قائمة، لا سيما فيما يتعلق بتصنيع ونشر الأسلحة. وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي قبل عقدين من الزمن، فإن بعض العقوبات التي فرضت عليه، والتي تتعلق غالبيتها بالتكنولوجيا والمعدات ذات الاستخدام المزدوج، لا تزال تطبق على روسيا. وبالمثل لا تزال الصين تخضع للعقوبات التي فرضت عليها في الخمسينات بسبب الحرب الكورية. وهناك الكثير من العقوبات التي فرضت على العراق بين عامي 1988 و2003 لا تزال سارية المفعول. أيضا لا تزال أفغانستان تخضع للعقوبات التي فرضت عليها في عهد طالبان.
فرض عقوبات ضد عدو حقيقي أو خيالي و/ أو خصم يخلق عائقا عقليا يصعب إزالته. فما إن تتداعى الثقة بين دولتين تستغرق وقتا طويلا لإعادة بنائها. اليوم، وعلى الرغم من انقضاء ستة عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية، لا تولي الولايات المتحدة ألمانيا نفس الدرجة من الثقة التي توليها لبريطانيا العظمى.
وحتى وإن استبدلت إيران محل النظام الحالي، فقد تتطلب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على إيران عقودا كي ترفع. والحقيقة، أن بعضها قد لا يرفع على الإطلاق.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط