يستعد الرئيس الإيراني روحاني للسفر إلى نيويورك، والمغزى من وراء ذلك هو إمكانية عودته بانتصار دبلوماسي كبير وجديد.
سمعنا النغمة ذاتها العام الماضي حينما قام الرئيس روحاني بزيارة مدينة نيويورك (المعروفة باسم التفاحة الكبيرة) لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كانت هناك دردشة هاتفية موجزة مع الرئيس باراك أوباما، تلاها «اتفاق جنيف»، وسمي بـ«أعظم انتصار دبلوماسي في التاريخ الإسلامي».
لاحقا، علمنا أن «اتفاق جنيف» لم يكن اتفاقا على الإطلاق، ولكن مجرد بيان صحافي حول ما تنوي إيران أن تفعله مع مجموعة 5+1 بقيادة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، في حين أن إيران قامت بتجميد جانب كبير من برنامجها النووي، إلا أن مجموعة 5+1 لم ترفع فقط العقوبات القديمة المفروضة، بل والجديدة كذلك.
وافقت مجموعة 5+1 على السماح لإيران بإنفاق 4 مليارات دولار من دخل النفط، التي صدرت في صورة شرائح، ولكنها استمرت في تجميد مليار دولار من دخل النفط الجديد في كل شهر. والنتيجة اليوم هي تجميد المزيد من أموال النفط الإيرانية أكثر مما تم تجميده منذ عام كامل.
ومع تراجع الاقتصاد الإيراني بأكثر من 2 في المائة، واقتراب التضخم من نسبة 40 في المائة، يحتاج الرئيس روحاني إلى «فتح الفتوح» آخر ليدعم رئاسته الفاشلة للبلاد. فقد يحاول إنجاز ذلك من خلال التوقيع على شيء، أي شيء، ليخلق وهما بأنه فك العقدة المستعصية في السياسة الإيرانية.
وللتمويه على المغفلين لديه، حاول روحاني تقديم الهدف على أنه إقناع مجموعة 5+1 بالاعتراف بأحقية إيران في تخصيب كمية من اليورانيوم.
لا تتعلق موافقة المجموعة التي تقودها الولايات المتحدة على ذلك من عدمه بشيء من هذا وذاك.
إن تخصيب اليورانيوم حق معترف به لكافة الدول، بما فيها تلك الدول التي، مثل إيران، قد وقعت بالفعل على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما يبدو من اسمها، تتمحور حول الحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية، وليس تقييد الأنشطة النووية السلمية.
هكذا قام السيد أردشير زاهدي، وزير الخارجية الإيراني الذي وقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بالنيابة عن بلاده في شهر يوليو (تموز) من عام 1969 بعرض الأمر وقتها: «تفتح تلك المعاهدة السبيل أمام تنمية الصناعات النووية في بلادنا بمساعدة الدول المتقدمة في الوقت الذي نسعى فيه جاهدين لمنع انتشار الأسلحة النووية».
وأعيد تأكيد ذلك من خلال عشرات الاتفاقيات مع العديد من الدول، بما في ذلك غالبية أعضاء مجموعة 5+1، حيث وقعت بعض تلك الدول حتى قبل انضمام إيران إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ومن الأمثلة على ذلك الاتفاقيات الموقعة مع الولايات المتحدة في أعوام 1957، و1958، و1966، و1969.
وشملت الاتفاقية الشهيرة، المقدرة بـ15 مليار دولار والموقعة من قبل وزير الاقتصاد والمالية الإيراني هوشانغ أنصاري مع وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في عام 1974، بناء 8 محطات للطاقة النووية في إيران.
وقعت إيران على اتفاقيات مماثلة مع فرنسا (في عام 1975) ومع ألمانيا الاتحادية (في عام 1977). وخلال عقد السبعينات، زار القادة من أميركا وفرنسا وألمانيا طهران لمناقشة التجارة، بما في ذلك التعاون النووي. وفي غضون 10 سنوات تدرب العديد من الطلاب الإيرانيين على مختلف مجالات الصناعة النووية في الجامعات الأوروبية والأميركية ووجهت الدعوات للعلماء الإيرانيين لحضور المؤتمرات الرئيسية هناك.
وعقب سيطرة الملالي على السلطة، أوقفوا البرنامج بسبب ما اعتبره الخميني «مؤامرة صهيونية». وعندما أعادوه للحياة قاموا بالتوقيع على اتفاقات مع الاتحاد السوفياتي (المعروف لاحقا بروسيا الاتحادية) ومع الصين.
إن وعود روحاني بالإنجاز هي حقوق معترف بها لجميع الدول، بما فيها إيران.
وبصرف النظر عن ذلك، ليست مجموعة 5+1 مخولة تقديم أي شيء؛ فهي مجموعة مخصصة لغرض معين من دون أي وضعية قانونية. ولا نعلم كيف تكونت أو تحت أي سلطة تعمل. ولا نعلم كذلك ما طبيعة وبيان مهمتها، ومن يديرها، ومن هو الحكم حيال أي صفقة تعقدها.
يعترف وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بذلك حين يقول إن المجموعة لا يمكنها رفع العقوبات، ولكن يمكن أن توصي بتنفيذ ذلك إلى مجلس الأمن.
من الناحية الاشتقاقية، فإن كلمة «التفاوض»، من واقع الجذور اللاتينية، تعني «التداول» أو «الأخذ والعطاء». وفي هذه الحالة، فإن أحد الجوانب، وهو إيران، وبكونها دولة قومية، لديها آليات محددة حيال العطاء، بينما الآخر، وهو مجموعة 5+1، عبارة عن هيئة غامضة، لا يمكنها العطاء، حتى إذا رغبت فيه.
تذكرني مجموعة 5+1 بالعصابة في الأفلام الغربية، وهي العصابات المسلحة التي تتشكل لملاحقة الهاربين. في غالب الأمر، تتحول تلك المجموعات إلى عصابات للقتل، وتقوم مقام القاضي والمحلفين بل والجلاد. والأفضل للمتهم في تلك الحالة التعامل مع المأمور الرسمي عن التعامل معهم.
إذا لم ترغب إيران في الغش وانتهاج المسار السري نحو الحصول على القنبلة، فإن أفضل ما تفعله هو السعي إلى حل من خلال المفاوضات مع الأمم المتحدة ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئات المؤسسة قانونيا والتي تعد إيران من الأعضاء، بل والمؤسسين لها.
في حالة العقوبات المفروضة من قبل القوى الفردية، ولا سيما الولايات المتحدة، فإن الحاجة تثور إلى المفاوضات المباشرة بين الدول بعضها وبعض. وتقضي الاتفاقية التي يتسولها الرئيس روحاني بالحد من السيادة الوطنية الإيرانية من دون الوصول إلى حل للنزاع النووي القائم.
تطالب مجموعة 5+1 بحق النقض على قدرات تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وعدد من أجهزة الطرد المركزي، ونطاق البحث العلمي ذي الاستخدام المزدوج الحقيقي أو الافتراضي، والمواقع النووية الإيرانية، ومصير المحطة العاملة بالمياه الثقيلة في آراك. ويستخدم مصطلح «الاستخدام المزدوج» لتأمين ما يسميه الفرنسيون «حق الإشراف» على الجوانب الرئيسية للاستراتيجيات الصناعية الإيرانية بصورة عامة.
تصر مجموعة 5+1 على بقاء إيران تحت إشرافها، بما في ذلك ممارسة حق الفيتو على الكيفية التي تنفق بها إيران الدخل النفطي الخاص بها، ولمدة 12 إلى 20 عاما مقبلة.
إذا وقع روحاني على مثل هذا الاتفاق فلن تكون المرة الأولى التي توضع فيها إيران تحت الوصاية الأجنبية. خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حينما كانت إيران في حالة اضمحلال، سيطرت بلجيكا على الجمارك الإيرانية، وتملكت أستراليا من حقول النفط، واحتكر الإنجليز التبغ، وقادت روسيا الوحدة الإيرانية المسلحة الوحيدة في البلاد، وترأست أميركا الدرك الوطني، وقادت السويد جهاز الشرطة، وكان وزير الاقتصاد أميركيا.
وبعد قرن كامل لدينا الآن حكومة مستعدة للتوقيع على مثل تلك الصفقات لإخفاء حماقات لنظام ذي صوت مرتفع ولكنه غير فعّال. يا لها من قصة حزينة حقا.