أمير طاهري
كان الإيرانيون قبل اختراع التلفزيون وخاصة في المدن الصغيرة يتمتعون بالكثير من وسائل الترفيه التي تقدمها فرق المهرجين التي تجوب المناطق الريفية. كان بالإمكان استخدام أي مكان ليكون مسرحا مثل: ميادين القرى والأسواق القديمة وباحات الأضرحة. في بعض الأحيان كانت بركة السباحة في منزل أحد الأثرياء تغطى بواسطة ألواح الخشبية وتستخدم كمسرح مؤقت. كانت الفرقة المسرحية تتكون من أربعة ممثلين كوميديين يقدمون مسرحية من فصل واحد تحتوي على أغانٍ شعبية ورقصات وأشعار بذيئة.
وكان العرض المسرحي الكوميدي الساخر المعروف قديما في إيران بـ«سياه بازي» الأكثر شعبية ويترجم حرفيا بـ«اللعب باللون الأسود»، يخوض فيه الممثلان، اللذان يرتديان عمائم حمراء ويصبغان وجهيهما باللون الأسود خلال العرض، مبارزة كلامية سريعة بكلمات قد تكون ذات مغزى أو لا شيء إطلاقا. كان المغزى منها جذب انتباه الجمهور تجاه شيء عبثي؛ وهي ممارسة اشتهرت في مسرح اللامعقول الذي أسسه صامويل بيكيت.
ما تتداوله وسائل الإعلام الإيرانية هذه الأيام يعد تذكيرا بالعرض المسرحي «سياه - بازي»، لكن المهرجين المشاركين لا يرتدون العمائم الحمراء ولا يصبغون وجوههم باللون الأسود.
فكرة العرض الحالي هي الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يطل على المسرح كل يوم دفعة جديدة من مرشحي الرئاسة في ظل مناقشات حثيثة بشأن الموافقة أو الرفض المحتمل لترشيحهم من قبل «مجلس صيانة الدستور» أو «المرشد الأعلى».
ترى وسائل الإعلام الرسمية أن «أعداء الإسلام»، الذين يغيرون جلودهم وفقا للظروف المحيطة، يدبرون مؤامرة جديدة لتحويل الانتخابات إلى نقطة تنطلق منها «الفتنة».
لكن خضوع مرشحي الرئاسة السابقين أمثال مير حسين موسوي ومهدي كروبي الموجودين تحت الإقامة الجبرية، سيدفع منظري نظريات المؤامرة إلى البحث عن شخصيات جديدة للعب دور الأشرار في نسختهم الخاصة من مسرحية «سياه - بازي».
حتى الآن لم يتقدم سوى ثلاثة أفراد للانتخابات الرئاسية، اثنان منهم رئيسان سابقان. المرشح الأول هو علي أكبر هاشمي بهرماني رفسنجاني، أو رفسنجاني اختصارا. والآخر محمد خاتمي يزدي. وعلى الرغم من تولي رفسنجاني وخاتمي الرئاسة الإيرانية 16 عاما، فإن وسائل الإعلام الإيرانية وصفتهما بأنهما «خائنان» للجمهورية الإسلامية والفكر الخميني.
أما الشرير الثالث المحتمل فهو اسفنديار رحيم مشائي الذي يعتبر أحد المقربين من الرئيس محمود أحمدي نجاد. ويحتل مشائي حاليا منصب الأمين العام لحركة عدم الانحياز، وهو المنصب الذي اخترعه الرئيس الإيراني لمنح صديقه سجلا مهنيا مشرفا فضلا عن منحه المال بشكل منتظم.
ووفقا لصحيفة «كيهان» الإيرانية، التي تعكس وجهات نظر «المرشد الأعلى» علي خامنئي، فلن تتم الموافقة علي أي من الثلاثة من قبل «مجلس الأوصياء (صيانة الدستور)». وقد أكد الثلاثة مرارا أنهم لا يخططون لأن يصبحوا مرشحين للرئاسة الإيرانية.
وهنا، لماذا يطلق فصيل خامنئي نيرانه على «المثلث الملعون» بمثل هذا العنف؟
يمكن للمرء أن يجد الجواب في عروض «سياه - بازي»؛ حيث يدرك المشاهد في النهاية أن المهرجين يتحدثون عن شيء مختلف تماما عما كان يعتقده. ودعونا نحاول أن نرى أسلوب الإخفاء والخديعة في هذه الشبكة المعقدة من الكلام الخادع.
يحاول خامنئي جاهدا أن يثبت للعالم ولنفسه أن النظام الخميني لا يزال محتفظا بجزء من قاعدته الشعبية على الأقل. وكانت الطريقة الوحيدة لإثبات هذا الأمر هي تحقيق نسبة إقبال هائلة للناخبين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث اجتذبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أكثر من 40 مليون ناخب، وفقا للإحصائيات الرسمية. ومع وجود أكثر من 55 مليون شخص يحق لهم التصويت في الانتخابات المقبلة، يجب على النظام الإيراني حشد الإيرانيين للمشاركة في الانتخابات. وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون وجود مرشحين قادرين على خلق بعض الإثارة. وفي ظل وجود مرشحين أمثال وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر ولايتي، وهو المفضل لدى خامنئي، فربما يكفي الناخبين المحتملين أن يلازموا منازلهم دون أدنى مشاركة، لا سيما أن فتح المجال أمام مرشحين يتمتعون بثقل بين الناخبين يعد استراتيجية محفوفة بالمخاطر.
من شأن أي مرشح أن يرفض «ولاية الفقيه»، حتى لو لجأ إلى «التقية» بشأن ما يدعى إرث «الثورة الإيرانية»، أن يشجع جميع أولئك الذين يسعون لتغيير النظام الإيراني بشكل مباشر. وبالتالي، فإن خامنئي يبحث عن مرشح أو مرشحين يمكن أن يصنعوا بعض الإثارة دون تعريض قبضته الاستبدادية على السلطة للخطر.
وللوهلة الأولى، يعد «المثلث الملعون» كفيلا بتحقيق هذه الإثارة. فرفسنجاني يتمتع بدعم البيروقراطيين وموظفي الدولة ورجال الأعمال ورجال الدين، وقيل إنه سعى وساهم في إنماء ثرواتهم خلال عقدين من ممارسته السلطة في طهران بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وفي الوقت ذاته، من المفترض أن رفسنجاني البالغ من العمر 80 عاما لا يريد تحدي خامنئي بإفساد خططه.
قد يكون خاتمي المرشح الأكثر جاذبية. وفي حال أصبح رئيسا، فإنه ينصب نفسه خادما «للمرشد الأعلى». وليس هناك أي سبب يدعو إلى أنه قد يتبنى موقفا مختلفا إذا ما أعطي فرصة أخرى. يمكنه أن يخدم النظام، مرة أخرى، عن طريق خداع الطبقة الوسطى الحضرية والليبراليين الغربيين بالكلام المعسول عن «الحوار بين الحضارات».
يعتبر مشائي المرشح المحتمل الأكثر إثارة في هذا «المثلث الملعون». فرغم السنوات الثماني التي قضاها مستشارا لأحمدي نجاد، يبقى مشائي لغزا لمعظم الإيرانيين الذين سمعوا عنه. ونتيجة للخوف من المجهول، شنت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية والملالي المؤيدون لخامنئي حملة واسعة لتشويه سمعة مشائي.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"