أمير طاهري
هل تستطيع الصين ملء جزء من الفراغ الذي خلفه تراجع النفوذ الأميركي في مناطق حساسة مثل الشرق الأوسط، في ظل النهج الانعزالي الجديد للولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما؟
لقد تمت مناقشة هذا السؤال منذ بدء فترة الحكم الأولى لأوباما في عام 2009. وفي هذا الأسبوع، طرح هذا السؤال نفسه بشكل ملحّ بالتزامن مع عقد المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني دورته في بكين.
إن المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني يعتبر وحشا غريب الأطوار، فيمكن وصفه بأنه هيئة عامة للحزب الشيوعي، بل إنه يعتبر العمود الفقري لدولة الحزب الواحد، حيث إن القرارات الحاسمة التي يتخذها المكتب السياسي للمجلس توفر غطاء شبه قانوني يعمل على إضفاء نوع من الشرعية على النظام. ومع ذلك، يمثل هذا المجلس أيضا برلمانا نظرا لأنه ظل على مر السنين يفحص التشريعات المقترحة من قبل الحكومة ويعد القوانين الجديدة. وفي الوقت نفسه يعمل المجلس كرابط بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية التي تقوم بدور المراقبة. كما أن بمقدوره الضغط في ما يتعلق بمجموعة مختلفة من القضايا. وأيضا يعد المجلس محفلا تتشارك فيه جميع النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الصينية معا للتعاون وتكريس وهمهم بأن لديهم رأيا في إدارة جمهورية الصين الشعبية.
كانت الدورة الأخيرة للمجلس رائعة؛ لعدد من الأسباب. إنها تجسد انتقال السلطة إلى جيل جديد في الأربعينات والخمسينات من العمر (يبلغ عمر رئيس الحزب الجديد ورئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، 59 عاما). اشتملت الدورة على أكبر عدد من الأعضاء من خلفيات غير شيوعية، وخصوصا الرموز التي تمثل الأقليات العرقية والدينية، وفي الواقع شهدت الدورة رقما قياسيا، إذ إن ثلث النواب ليسوا من أعضاء الحزب، والأهم من ذلك أن الدورة ابتعدت عن التركيز على التقاليد الآيديولوجية الرنانة غير ذات الصلة، إذ تطرقت المناقشات إلى قضايا النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وفرص التعليم والحد من الفساد، وبعبارة أخرى، سياسات العيش تلك التي يمكن أن تعكر صفو ماو تسي تونغ في مرقده.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يتميز القادة الجدد، الذين سيطروا على السلطة لمدة عشرة أعوام، فقط بعنفوان الشباب. فهؤلاء القادة الجدد الذين يحملون اسم «الأمراء الحمر» هم أبناء الآباء المؤسسين للحزب الشيوعي. ورغم افتقارهم إلى الخبرة «الثورية»، يتسم القادة الجدد بأنهم أفضل تعليما، أحيانا يكونون حاصلين على درجات علمية من جامعات أميركية، بل إنهم أيضا أكثر ثراء من أسلافهم (تقدر ثروة عائلة شي جين بينغ، التي تديرها أخته، بنحو 300 مليون دولار)، وبالتالي تبقى لديهم مصلحة شخصية في الحفاظ على النظام الرأسمالي الجديد الذي أنشأه دنغ شياو بينغ.
يشعر كثير من القادة الجدد بالنفور تجاه الأمور الآيديولوجية، وذلك نظرا لتجارب شخصية معينة. على سبيل المثال، عاش شي جين بينغ في كهف لمدة عامين بعد نفيه خلال «الثورة الثقافية البروليتارية العظمى» من بكين، وأضف إلى ذلك أن والده، شي جونغشوان، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي، أمضى سنين في السجن، وتعرض لسخرية من حركة الحرس الأحمر بعد تلقيه ساعة يد ذهبية من الدالاي لاما خلال زيارته الأخيرة إلى بكين عام 1954.
ومع اعتراف الجميع بالصين كقوة اقتصادية هائلة في الوقت الراهن، فهل يمكن للمرء أن يتوقع أيضا أن تلعب دورا سياسيا عالميا؟
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب القاطع؛ لعدد من الأسباب.
عند النظر إلى التكوين السياسي الراهن للصين، يمكن الجزم بأن بكين لا تزال غير مستقرة، لا سيما أن الصينيين مرتبطون بقوة بكيان دولتهم ولديهم مخاوف متأصلة من الفوضى أو حتى الهيمنة الأجنبية. وهناك احتمال ضعيف أن تنهار جمهورية الصين الشعبية ببساطة مثلما حدث للاتحاد السوفياتي، وعلى الرغم من القيود التي يفرضها الإطار السياسي الشيوعي، تنمو الجوانب الاقتصادية والثقافية الصينية بسرعة فائقة. وعاجلا أم آجلا سوف يتحطم هذا الإطار ليسمح لتلك الجوانب بالتطور. إن الصين بحاجة إلى الخروج من القيود المفروضة من قبل نظام الحزب الواحد، وهنا يبقى سؤال واحد، وهو: كيف؟
ويكمن السبب الثاني في ازدواجية السلطة الناشئة. إن الصين تتباهى اليوم بأن فيها طبقة وسطى جديدة وشريحة عريضة من الأفراد والأسر الأثرية، وعلى الرغم من أن هذه الطبقة الجديدة قوية اقتصاديا، فإنها تفتقر إلى السلطة السياسية التي تتطلبها مكانتها.
وينحصر السبب الثالث في زيادة حدة التوتر الاجتماعي، فقد شهدت الصين آلاف الإضرابات وأعمال الشغب المحلية في العالم الماضي جراء المظالم الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن بكين تحتاج إلى أساليب جديدة لتوجيه الطاقات السلبية التي أفرزتها ثلاثة عقود من النمو الاقتصادي الفوضوي.
ويمثل الفساد سببا آخر، فبينما غالبا ما يكون الفساد رفيقا حتميا للنمو الاقتصادي، قد يصبح، كما هو الحال في أجزاء من الصين، وسيلة لنزع ملكية أعداد هائلة من الناس من خلال الاستيلاء على الأراضي وانتهاك الضوابط البيئية، فضلا عن سحق الشركات الصغيرة.
ومما لا شك فيه أن إخفاق الصين في حل مشكلة الأقليات، وخصوصا الأويغور والتبت والمغول والمانشو، يمثل سببا آخر.
يبدو أن الصين غير قادرة على تبني خطاب معنيّ بالسياسة الخارجية يتسم بالمصداقية والواقعية. لا يمكن وصف علاقاتها بأي من دول جوارها الأربع عشرة، على امتداد 22117 كلم من الحدود البرية، بأنها وطيدة. قد تكون باكستان دولة الجوار الوحيدة الصديقة لبكين. لدى بكين نزاعات إقليمية مع كل من روسيا والهند وفيتنام وبورما. هذا بالإضافة إلى تنازعها مع كل من الفلبين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان على الكثير من الجزر والجزر المرجانية، ناهيك بمطالبتها بملكية تايوان.
ومع هذا لم تتم إثارة أي من تلك القضايا خلال دورة المجلس الوطني الصيني. خصص رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو، 90% من كلمته الافتتاحية لسرد الإنجازات الماضية. غالبا ما ينظر إلى الإنجازات السابقة باعتبارها أمرا مفروغا منه من الناحية السياسية، بينما في الوقت ذاته يتم إبراز المشكلات الحالية والمخاطر المستقبلية.
الصين ليست مستعدة بعد، حتى لو أرادت ذلك، لقيادة العالم برمته، فأفضل شيء يمكن أن نتوقعه من قيادتها الجديدة هو الدفع قدما بالسفينة بأمان عبر المياه متلاطمة الأمواج.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط