دفع الخطر الأقرب بالخطر الأبعد

دفع الخطر الأقرب بالخطر الأبعد!

دفع الخطر الأقرب بالخطر الأبعد!

 عمان اليوم -

دفع الخطر الأقرب بالخطر الأبعد

غسان الإمام

هل تغزو تركيا جارتها سوريا؟ ليست هي المرة الأولى التي تهدد تركيا بغزو سوريا. فقد حشدت جيشها على طول الحدود في منتصف خمسينات القرن الماضي. وكانت حكومة عدنان مندريس قد أدرجت بلدها في «حلف بغداد» مع العراق وإيران، وفق «مبدأ آيزنهاور»، لمنع روسيا من الوصول إلى مياه الخليج الدافئة.

استخدمت تركيا آنذاك للضغط على سوريا، لضمها إلى الحلف المشؤوم. لكن سوريا أنقذت كيانها بالوحدة مع مصر الناصرية (1958). أعدم عسكر تركيا مندريس ليس لتهديده سوريا، إنما بتهمة إشاعة الفساد في البلاد. في المرة الثانية، هددت تركيا بغزو سوريا في أواخر التسعينات، بعدما آوى حافظ الأسد عبد الله أوجلان زميله الكردي - التركي، في الهوية الطائفية (العلوية).

منذ عام 1984، شن أوجلان الذي كان أيضا يساريا متحمسا «حرب تحرير» كردية من العراق وسوريا على تركيا. فقُتل خلال إقامته السورية أربعون ألف كردي وتركي. مكن الأسد عبد الله أوجلان من إقامة معسكرات حشد وتدريب، في سوريا ولبنان. وفتح الحدود لإيواء أكثر من ستين ألف كردي تركي، معظمهم علويون، وما لبث نجله بشار أن منحهم الجنسية السورية، ليكسب ولاءهم بعد انفجار الثورة عليه.

نجح التهديد التركي بإجبار بشار على إقناع أبيه بطرد أوجلان. كانت ملكات الأب العقلية والذهنية قد أصيبت بالوهن، نتيجة أمراضه وعملياته المتكررة. وكان بشار خائفا من أن يقوض الاجتياح التركي فرصة الوراثة. ويغير صورته كرئيس «مودرن» في عواصم الغرب.

وهكذا، عندما وصل الإسلامي رجب طيب إردوغان إلى حكم تركيا (2004)، كافأ بشار بحلف «جنتلمان» مع تركيا. وعندما انفجرت الانتفاضات العربية، ألح إردوغان على صديقه بشار، لإدخال إصلاحات تحسن من سمعة نظامه. رفض بشار النصيحة. تأزمت العلاقات. أخفق إردوغان في تهديده بالغزو، مراعاة للملايين من العلويين الأتراك المتعاطفين مع بشار.

نكاية بإردوغان الذي دعم التنظيمات الدينية المسلحة في شمال سوريا، وسمح بتسلل المتطوعين العرب والأجانب للانضمام إلى «داعش» عبر تركيا، فقد أسند بشار بارودته على أكتاف الكرد الذين استأنفوا بها حرب العصابات داخل الأراضي التركية. لكن أكراد سوريا ما لبثوا أن انضموا إلى الائتلاف السياسي المعارض المقيم في فندق سياحي بإسطنبول. ورفعوا شعار: «سورية لا عربية ولا كردية».

دخلت أميركا أوباما على خط الانتفاضات العربية. فأتاحت لـ«الإخوان» وأشباههم حكم مصر. وتونس. في المشرق، خفف أوباما من غلواء الشيعة الذين سلمهم سلفه بوش الابن العراق، فتحالفوا مع إيران. وجد أوباما في أكراد العراق وسوريا «البيدق» الأميركي في المنطقة. الواقع أن أميركا اعتمدت الأكراد حليفا لها منذ تصفيتها الاستعمار الأوروبي في الستينات. وكان أكراد العراق الذين لم يحقق الاستعمار البريطاني حلمهم بدولة مستقلة، قد وجدوا في إيران الشاهنشاهية حليفا لهم. فخاضوا الحرب مع الشاه ضد صدام.

التحالفات في المشرق تتحرك ككثبان الرمال. تجمعها المصالح. وتبددها العواطف. تخلى الشاه عن أكراد العراق، بعد انتزاعه من صدام اعترافا بالجرف النهري في وسط شط العرب حدودا لإيران. وأخرج صدام من العراق الخميني المعادي للشاه. ومات غما قائد التمرد الكردي مصطفى البارزاني (والد مسعود) في منفاه الأميركي (1978).

السياسة حرب بوسائل أخرى. لم يعرف صدام استغلال تسامح بوش الأب معه، بعد إخراجه من الكويت. فظل مصرا كالشاه المخلوع على إخراج أميركا من الخليج. مكنت أميركا صدام من القضاء على تمرد الشيعة المدعومين إيرانيا. لكن منعته من تقويض التمرد الكردي في الشمال. الأكراد لم ينجحوا في إرساء الاستقرار في كردستان العراق. مات ألوف الأكراد في الاقتتال العبثي بين جلال طالباني ومسعود البارزاني في التسعينات. ومارس الإعلام الأميركي التعتيم على المأساة الكردية. فلم يدر بها العالم ولا العرب.
قدمت هذه الصورة التاريخية للحراك الكردي الحديث، لكي يبدو مشهد المشرق العربي واضحا. ومفهوما: سوريا اليوم أشلاء ممزقة. وحدود مخترقة. وشعب نازح أو مهاجر. نظام بشار الذي لم يعرف كيف يصون سوريا كدولة. ويحافظ على دورها بالتعاون مع العرب، بدلا من التحالف مع إيران... هذا النظام المأزوم بات مجرد قوة من القوى المتصارعة على رقعة الشطرنج السورية.

الأكراد، إلى الآن، هم الرابح الأكبر. كانوا نبلاء في إيواء عرب الموصل من وحشية «داعش». لكنهم فقدوا اهتمامهم بـ«سوريا ديمقراطية». وبالائتلاف السوري الذي ضحى بالعروبة من أجل «تعددية سورية بلا هوية». غدا الشعار الكردي الآن هو «كردستان». وتحت الغطاء الجوي الأميركي، تسقط التنظيمات الكردية بالقوة الحدود السورية مع العراق وتركيا، بحجة محاربة «داعش».

تركيا هي القوة العسكرية الكبرى المطلة على رقعة الشطرنج السورية. الوضع الراهن هو الأنسب للتدخل العسكري، وإقامة منطقة حظر جوي للنازحين العرب والتركمان الهاربين من «التطهير العنصري والديني» الذي يمارسه الأكراد و«داعش» في سوريا والعراق.

أما نظام الملالي الذي يستنزف إيران ماديا وعسكريا، بالتدخل في سوريا. والعراق. ولبنان، فقد أجل مشروعه النووي، في مقابل استرداد 120 مليار دولار محجوزة كعقوبة له في المصارف الغربية، وذلك لتمويل إنشاء دولته الشيعية - العلوية في سوريا ولبنان. وها هو يدفع بمرتزقته (حزب الله) وبنظام بشار، إلى احتلال مدينة الزبداني، استكمالا لتغليف الشيعة اللبنانية بساتر ترابي، يضمن لها تواصلها أو انضمامها لهذه الدولة التي سوف تمتد من دمشق إلى حمص. فالساحل السوري.

وأما أميركا فهي قمر صناعي هائم في فضاء أوباما الذي لا يريد الهبوط، ليرى الواقع على الأرض. أخفق المشروع الأميركي لبناء جسر على دجلة، يعبر عليه الوفاق الشيعي - الكردي. أوباما الآن يحاول بناء جسر فوق الفرات، ليعبر عليه شبح وفاق كردي - سني ضد «داعش». وليس ضد نظام بشار.
أين العرب على رقعة الشطرنج السورية؟ عرب التمويل والتسليح راهنوا على المعارضات الدينية المسلحة.

فحققت تقدما في الجنوب باتجاه دمشق. وفي إدلب باتجاه الساحل. ثم توقفت لانعدام القيادة. وتفتت التنظيمات.

وانتقال أسلحتها الثقيلة إلى «جبهة النصرة» الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي.

في تبخر مشروع قوة التدخل العربية الذي اقترحته مصر السيسي، يبقى الرهان العربي على التدخل العسكري التركي ضد التوسع الكردي في سوريا. أي بمعنى دفع الخطر الكردي الأقرب، بالخطر التركي الأبعد!
الإشكالية التاريخية تؤرقني. ماذا لو تحرك الكابوس (العصملي) القديم على وقع أقدام العسكر التركي على الأرض السورية؟ فقد سبق لتركيا أن طالبت بالموصل وحلب، عند رسم خريطة المشرق العربي قبل مائة سنة. رفض الأوروبيون المنتصرون طلب تركيا. لأنها كانت مهزومة في الحرب العالمية الأولى. ولكيلا تحارب تركيا مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، تم إرضاؤها بسلخ لواء الإسكندرون عن سوريا، وتقديمه ترضية لها. فماذا بقي من أشلاء سوريا لإرضاء الترك أو الكرد، إذا ما صحا جد الأتراك المدفون في سوريا، ليطلب النجدة ضد وقع الأقدام الكردية بجوار قبره؟

 

omantoday

GMT 10:48 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 10:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 10:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 10:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 10:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 10:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 10:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دفع الخطر الأقرب بالخطر الأبعد دفع الخطر الأقرب بالخطر الأبعد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab