السلطة والإدارة والتنمية

السلطة والإدارة والتنمية

السلطة والإدارة والتنمية

 عمان اليوم -

السلطة والإدارة والتنمية

بقلم : غسان الإمام

وضع فلاسفة الإغريق أصول المنطق والفلسفة، في بحثهم عن الحقيقة في الحياة. وأرسى فلاسفة الاجتماع في عصر التنوير مبادئ الرأسمالية والاشتراكية. وكان آخرهم كارل ماركس الذي يعتبره علماء السياسة. والاقتصاد. والماركسية أكبر عقل سياسي واقتصادي واجتماعي، في العصر الحديث.

أسقطت الرأسمالية اقتصاد ماركس. وفضلت على الاقتصاد المخطط اقتصاد السوق الخاضع للعرض والطلب. لكنها تعترف بأن لا بديل لمذهب ماركس في التحليل السياسي إلى الآن. فقد رأى المجتمع طبقات تختلف. وتتناقض. وتتصارع رؤاها. ومصالحها. ومكاسبها. وخسائرها. ومن منفاه في مكتبة المتحف البريطاني في لندن، دعا ماركس إلى العنف. والدم، لكبح جماح الرأسمالية. وإرساء مبدأ المساواة الاقتصادية والاجتماعية، بصفته حلاً أخيراً لتحقيق العدالة الإنسانية.

غير أن الفضيلة السياسية للرأسمالية كان اعتمادها المبدأ السلمي في الحوار. والمساومة. والتسوية، في صنع القرار السياسي والاجتماعي. واعترفت بحق المعارضة في إنشاء أحزاب سياسية، لمناقشة نظام الدولة الحاكم، في صوابية ومصداقية مشروعه السياسي. أي أن الرأسمالية حرّمت بشكل أو بآخر التطرف الحزبي السياسي والديني. وادعت أنها بذلك تحفظ للمعارضة «المشروعة» في اليمين. والوسط. واليسار، حق المشاركة السياسية في صنع القرار السياسي. أو التحفظ عليه.

كانت الديمقراطية هي الآلية المنظِمة لفوضى الحرية. وللحوار. ولاتخاذ القرار. ولاختيار أي طرف من الطيف السياسي والحزبي بالاقتراع، لكي يحكم السلطة السياسية باسم الشعب. شيوعية لينين رفضت ديمقراطية الشعب. وفضلت عليها ديمقراطية الطليعة في الحزب. ووصلت به السخرية الثورية الغاضبة، إلى حد القول إن الماركسية ستبني مراحيض في العالم من الذهب الذي تكتنزه المصارف الرأسمالية، كرصيد يحفظ الاستقرار الاقتصادي.

الواقع أن لينين كان أول إداري في طبقة البيروقراطية التي ما لبثت أن استولت على السلطة. والثقافة. والإدارة. والحزب، في عهد ستالين. وضع ستالين جثمان لينين في قفص زجاجي بعد موته، ليتفرغ هو لبناء الدولة الشيوعية بالعنف. والدم. والحرب، باسم الطليعة الحزبية القائدة التي أسند إليها ماركس مهمة هدم وتدمير الدولة الرأسمالية، وإعمار السلطة الشيوعية.
وما لبثت الرأسمالية أن استعارت فكرة البيروقراطية من الماركسية اللينينية، لتطورها. فتجعلها منذ الربع الأخير للقرن العشرين منهجاً تربوياً/ تعليمياً في مدارس الإدارة العليا في غرب أوروبا. وحل خريجوها من أبناء الطبقتين الوسطى والبرجوازية محل الطبقة السياسية التقليدية في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في فرنسا. وما الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون إلا الابن الشرعي لهذه المدارس.

وهكذا نجحت الرأسمالية في تحويل البيروقراطية إلى «مؤسسة» إدارية وسياسية ناجحة وبراغماتية في حكم النظام الديمقراطي الليبرالي، فيما أخفقت بيروقراطية الشخصيات الكسولة، من أمثال ليونيد بريجنيف في روسيا الحمراء، في تطوير نفسها ودولتها. وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هزيمتها المريرة في أفغانستان.

وصل البيروقراطي المترهل ميخائيل غورباتشوف متأخراً إلى قمة الكرملين (1985). ولم يكن أمام مبدئه في الانفتاح والبناء (غلاسنوست وبيريسترويكا) سوى الاستسلام أمام هجمة الرأسمالية (المتوحشة) بقيادة ريغان وثاتشر، من دون إطلاق قنبلة نووية واحدة. وتولى قيادة روسيا البرتقالية القوميسار الشعبوي بوريس يلتسين الذي باع الشركات الرابحة في القطاع العام، إلى فئة الروس الأوليغارش الذين موَّلتهم المصارف الغربية. ومنهم عدد من اليهود الذين اشتروا القطاع النفطي بثمن بخس. وعلى رأسهم ميخائيل خودركوفسكي.

على عكس غورباتشوف، وصل ضابط المخابرات السياسية فلاديمير بوتين في الوقت المناسب. استغنى عن الحزب الشيوعي (الذي حافظ على ماركسيته). لكنه استرد القطاع النفطي من الأوليغارش اليهود الذين كانوا قد بدأوا بإفساد الحياة السياسية بشراء الأحزاب والساسة. ولحسن حظ بيروقراطيته، فقد تمكن بوتين من إنقاذ الديمقراطية الروسية «الموجهة». وتسخيرها لصالح بطانته من بيروقراط. ورجال مال وأعمال استطاعوا تأمين السلع التموينية بوفرة للطبقة الوسطى النامية.

لكن لماذا وكيف نشبت هذه الفوضى السياسية/ الاقتصادية في العالم؟ السبب في المسيرة التحريفية الغامضة للعولمة، بقيادة البيروقراطية الغربية، فاستقطبت الاستثمارات المالية الهائلة، بما فيها الاستثمارات العربية، لتمويل اقتصاد السوق. وتفكيك قيود الحماية التجارية. لكن الفساد ما لبث أن أطل مع إثراء طبقة المليارديرية والمليونيرية التي شكلت واحداً في المائة فقط من سكان المعمورة العالمية، وذلك بتخفيض الضرائب عنها.

تحمل دافعو الضرائب الذين أفلستهم الديون المصرفية العقارية في عهد جورج بوش الابن. وباراك أوباما، تسديد تكاليف تعويم المصارف الكبرى المفلسة في الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت الرأسمالية (2008). ونظامها الديمقراطي الليبرالي، بحيث باتت هوة اللامساواة في الدخل والمرتب، واسعة بين الذين يملكون ولا يدفعون ضرائب تصاعدية. والذين يدفعون الضرائب. ولا يملكون. وبينهم عشرات الملايين من الشباب العاطلين عن العمل. فقد كانوا أيضاً ضحايا اقتصاد الإنترنت الذي جمع المال في قبضة حفنة من شركات الوصل الاجتماعي. والإعلامي.

نُشر أول تقرير عن الاقتصاد العالمي منذ زلزال عام 2008. ووضعه مائة خبير اقتصادي يعملون في مؤسسات دولية. وعامة. وخاصة. اعترف التقرير بأن اللامساواة. والفساد. والبطالة، في مقدمة أسباب القلق السياسي. وهجمة الشعبوية (الخلاّقة) على النظام الليبرالي المترهل.

كان التقرير مجاملاً للاقتصاد العربي. تجاهل العمالة الشبابية العاطلة عن العمل، وغير الراغبة في العلم في فروع الأكاديميات الغربية الجامعية التي فتحتها الدول العربية على أطراف الخليج. واكتفى بالإشارة إلى توسع الطبقة الوسطى. وبناء اقتصاد خليجي بإسراف الإنفاق النفطي الهائل.

لكن نصيحة المسيح عليه السلام بإعطاء «ما لقيصر لقيصر. وما لله لله» لم تتحقق. فقد اختلط المال العام والخاص. وأنفق معظم ما لله في تمويل تنظيمات الإسلام السياسي. لهذا نشبت حرب عالمية على الإرهاب الديني. وتحركت الدولة في الخليج لاستعادة المال السائب. ومكافحة الفساد الذي كان عزيز المنال. وممتنعاً عن أداء الحساب.

نعم، أخفقت التنمية الاقتصادية في دول الآيديولوجيا اليسارية والطائفية. وانتقل مركز الثقل السياسي والمادي من مصر. وسوريا. والعراق، إلى الفردوس الخليجي. فقد تبنى جمال عبد الناصر اقتصاد التصنيع الستاليني. وحرم أكرم الحوراني الاقتصاد السوري من التمويل الدولي، ناسياً أن البنك الدولي وصندوق النقد يموّلان بفوائد رخيصة. وشروط تقشفية باهظة. لكن يعودان فيلغيان ديون الدول العاجزة عن الدفع. أما العراق فلم يبق صدام والإرهاب والأحزاب العميلة لإيران زيتاً نفطياً في سراج التنمية.

omantoday

GMT 00:57 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الـ«روبوت» ينافس الصين في هذا القرن

GMT 06:39 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هل التوافق ممكن بين الدين والعلم؟

GMT 06:22 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شخصيات وراثية

GMT 06:14 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رؤية للمستقبل من خلال الحاضر العربي

GMT 04:44 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

التضليل الإعلامي في المسألة الكردية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلطة والإدارة والتنمية السلطة والإدارة والتنمية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 عمان اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:47 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 عمان اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 عمان اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 00:00 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab