هل الأعاصير مؤشر إلى نهاية الأرض

هل الأعاصير مؤشر إلى نهاية الأرض؟

هل الأعاصير مؤشر إلى نهاية الأرض؟

 عمان اليوم -

هل الأعاصير مؤشر إلى نهاية الأرض

بقلم : غسان الإمام

هاج البحر. فأمر كسرى بجلده مائة جلدة. وما زال أكاسرة الفرس يجلدون البحر منذ 38 سنة. فما نفع في البحر جلد. وما نفعت في الفرس نصيحة. أو عتاب. أو زجر وعقوبة!

يسرع الموج إذا شاء. فتتراوح سرعته بين 200 كيلومتر و800 كيلومتر في الساعة. إعصار «إرما» الذي اجتاح جزر الكاريبي وصلت كثافته إلى عدة كيلومترات. فاختفت جزر «كيز» تحت المياه. تحرك «إرما» كجدار من الماء. فغطت سماكته «سان مارتان» كبرى جزر الكاريبي.

كشف موج الإعصار بؤس الدود على العود! فما زال هناك أنين إنساني تحت سوط استعماري يأبى أن يتراجع وينحسر. فجر الإعصار النسيج المهلهل لمجتمعات إنسانية هشة. ولم يكن هناك استعداد كافٍ، لاستضافة ثلاثة أعاصير تزمجر بموجها العاتي. «إرما». «هارفي». «خوزيه».

تحول الإحباط إلى عمليات نهب مسلحة. فاختفى الغذاء. وزجاجات الشرب. وانقطعت الكهرباء والهاتف. تمَّ نهب الإلكترونيات والسيارات. فلما عزَّ كل شيء، استدارت عصابات الشبّيحة لتسلب بعضها بعضاً، في غياب الأمن. والقانون.

بلغ الإعصار «إرما» ذروة غضبه فوق فلوريدا. فكان الأسوأ في تاريخ الجزيرة. اجتاحها مرتين. فما ترك مكاناً للنجاة. شكل الطوفان خطراً ورعباً. فقد كهربت أسلاك الكهرباء المتقطعة المياه. جاء المزارعون بالهليكوبتر ليرشدوا قطعان الماشية والأبقار إلى الملاذ.

وجاء أيضاً الرئيس دونالد ترمب. تعاطف فتبرع من أرباحه بمليون دولار. تفرج على المأساة. فلوريدا بحاجة إلى المليارات للإصلاح. لكن ترمب الرئيس ما زال يؤمن بترمب المرشح الرافض لما أثبته العلم. فلم تكن في منهاجه الانتخابي سخونة في الجو ترفع مياه البحر عدة أمتار، فوق دول ستختفي تحت الماء.

وجاء الرئيس إيمانويل ماكرون، لينقذ ما يمكن إنقاذه في مستعمرات فرنسا في الكاريبي. فأمر بألف شرطي وجندي لكبح جماح عصابات النهب والسلب. كانت كوبا بصرامة نظامها أكثر استعداداً لمواجهة الأعاصير. لكن هافانا طافت بالقوارب فوق مياه الفيضان. فهرب قراء هيمنغواي من حاناتها ومقاهيها.

كيف يتشكل الإعصار؟ ما أشبه البحار والمحيطات بالطناجر! عندما يغلي الماء في الطنجرة يتناثر فقاعات متطايرة. وهكذا، عندما يسخن سطح البحار والمحيطات، تتشكل فقاعات ضخمة تتجمع على شكل أعاصير. فتحركها الرياح على غير هدى. وكلما ازدادت سخونة الجو والمياه، ازداد الإعصار قوة ووحشية.

الأرض تربة هشة. رخوة. متحركة. لا مستقرة. خاطب الفيلسوف المعري الإنسان، في سخريته المتزهدة: «صاحِ. خفف الوطء. ما أظن أديم الأرض، إلا من هذه الأجسادِ». نعم، الإنسان أكثر ملوث للأرض. ومدمر للطبيعة. لكي يستغل ثرواتها وقواها، فهو يجتهد في تطويعها. يقطع أشجارها للتدفئة. يزيل غاباتها ليزرع تربتها. فيهلك الحيوان والألوف من فصائل نباتها. يثقل عليها بناطحات السحاب. وطرق المواصلات. والمناجم. وأنفاق المترو. والملاجئ.

هل الإعصار تعبير عن غضب الطبيعة على الإنسان؟ ليس بالإعصار وحده. فهي تنتقم منه أيضاً بالزلازل والبراكين. هذه القوى الهائلة تشكل، مثلاً، زناراً نارياً ناسفاً ومدمراً، لسواحل وأطراف المحيط الهادي (الباسيفيكي). السبب ضغط المياه على قشرة الأرض في قاع المحيط. تتكسر القشرة الهشة على القشرة المتحجرة. فيرتفع القاع هنا وهناك مجرد سنتيمترات قليلة. لكنها كافية لتوليد إعصار بحري (تسونامي) يصل مدُّه من جزر إندونيسيا، إلى سواحل المحيط الهندي وأفريقيا شرقاً. فمات 283 ألف إنسان اختناقاً وغرقاً في «تسونامي» عام 2004.

تنشب حرب عالمية هائلة بين الطبيعة. والتقنية. والتنمية. صنعت التقنية السيارة، فباتت رمز الحرية في أوروبا. صنعت السلاح، فغدت البندقية رمز الحرية في أميركا. والقنبلة النووية سلاح كوريا الشمالية. وأمل إيران ضد أميركا. ودرع إسرائيل ضد العرب. دخلت الدول الكبرى النادي الذري، فاحتدمت المشاجرات بينها.

حسَّنت التنمية ظروف الحياة. فضاقت الأرض بسبعة مليارات إنسان. سيصل العدد إلى 12 ملياراً في منتصف هذا القرن. طالت الأعمار. مواليد اسكندنافيا وأميركا في عام 2000، يأملون في العيش إلى نهاية القرن. الانفجار السكاني جعل الأرض أكثر ازدحاماً وصخباً. وأقل سخاء. يتنفس مليون طفل مصري جديد كل ثمانية أشهر. ويتثاءب مليونا مولود تركي وإيراني كل سنة. حذر الرئيس المصري السيسي علناً المصريين. فالتكاثر ينسف خطط التنمية. لا بد من «تخطيط الأسرة». وربط التناسل بالإنتاج الاقتصادي.

تبارك الله فيما خلق. كنا نحن العرب قوماً لا نأكل إلا عندما نجوع. وإذا أكلنا لا نشبع. المرأة العربية تمشي اليوم في الشانزليزيه طحطحة من السمنة. قطار شحن بلا رقبة وخصر. يجر وراءه «فرغونة» أطفال ومربيتين آسيويتين. شعوب أميركا وأوروبا تشكو من التخمة. فلا تدري ماذا تفعل بنفايات الأطعمة. تطوف الناقلات البحار محملة بالنفايات الصناعية السامة. تبحث عن بلد يستقبلها. رفضت البلديات دفن نفايات لبنان عندها خوفاً على طهارة التربة. وبراءة الينابيع. دول الخليج عرفت كيف تصفي مياه البحر. وكيف تحميها. تناضل أسماك الخليج للتنفس. ولتقدم لحمها طازجا على مائدة العائلة.

هل غضب الطبيعة مؤشر إلى نهاية عمر الأرض؟ علماء الفضاء يطمئنونك، يا بني، سوف تظل عبقريتك وروائعك، خالدة خمسة آلاف مليون سنة. وبعدها؟ آه! ستنطفئ الشمس. تغدو نجماً أحمر ملتهباً، لن يصاب بالبرد، إلا بعد أن يلتهم الأرض وكواكب المجموعة الشمسية، كما تلتهم القطة أطفالها.

اطمئن، يا بني، فعمر الأرض 450 مليون سنة فقط. ما زال الفضاء الكوني يتوسع. فتندفع الأرض. والكواكب. والشموس. والمجرات في الفراغ المجهول. لكن حذارِ. فالشهب قد تخترق طيف الأرض. لتحترق. وتتناثر هباء. إذا تماسكت سقطت على الأرض. فأهلكت الحياة. لكن الحياة أقوى من الموت. فعادت لذيذة، في حلاوتها ومرارتها.

المتشائلون على طريقة الراحل إميل حبيبي، يعتقدون أن نظرية الكارثة تحكم الأرض والطبيعة. ما رأي مفهوم الدين في غضب الطبيعة؟ الكتب المقدسة أكدت إيمان الأديان السماوية بحياة أخرى بعد الحياة الدنيا. فالساعة (القيامة) آتية لا ريب فيها. وتحدثت عن انشقاقات في الأرض. والقمر. والكواكب. والمؤمنون يسلمون بحكمة الله جل وعلا، فيما أصابهم في السراء والضراء. وما عليهم سوى العبادة. والتمسك بتقوى الانتظار... نكاية بصموئيل بيكيت.

omantoday

GMT 00:57 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الـ«روبوت» ينافس الصين في هذا القرن

GMT 05:21 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السلطة والإدارة والتنمية

GMT 06:39 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هل التوافق ممكن بين الدين والعلم؟

GMT 06:22 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شخصيات وراثية

GMT 06:14 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رؤية للمستقبل من خلال الحاضر العربي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل الأعاصير مؤشر إلى نهاية الأرض هل الأعاصير مؤشر إلى نهاية الأرض



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab