من يحكم ومن يدير عالم الفوضى

من يحكم ومن يدير عالم الفوضى؟!

من يحكم ومن يدير عالم الفوضى؟!

 عمان اليوم -

من يحكم ومن يدير عالم الفوضى

بقلم : غسان الإمام

في غمرة الفوضى التي تحكم العالم٬ هناك جيل عاصر الحرب الباردة ما زال على قيد الحياة٬ بفضل تحسن الوعي بأهمية الصحة الوقائية. هذا الجيل يتملكه الحنين إلى بعملاقين دوليين ألغيا السياسة. وأدارا العالم بميزان الرعب النووي. عصر كان محكوماً امتلكت أميركا وروسيا الحمراء ألوف الصواريخ النووية القادرة على تدمير الحياة على الأرض مرات عدة. غير أنهما لم تمتلكا الجرأة على ضغط زناد الإطلاق. فقد للتسوية والتعايش بما يغني عن الحرب الساخنة.

وجدتا في غرف الدبلوماسية السرية فناً نخبوياً٬ لتقديم التنازلات المتبادلة. وحَّيد العملاقان الدوليان زعماء كتلة عدم الانحياز. فبات نهرو. وأنديرا غاندي. ألغت الحرب الباردة السياسة. باتت الدبلوماسية فناً وتيتو. وعبد الناصر. وسوكارنو. زعماء «الحياد الإيجابي». كن َت تسمع منهم «جعجعة» إعلامية ولا تلمس «طحناً» كما يقول المثل. بمعنى أن العملاقين امتلكا العالم.
وتركا لهؤلاء الزعماء إدارة الناس بقبضة سلطوية حديدية. فضبطوا النزول إلى الشارع٬ للصراخ الغاضب ضد العملاقين. ثم العودة إلى البيت٬ من دون ممارسة الفوضى الهائلة التي تلعب بنا اليوم. وتثير القلق على المصير. والخوف من الإرهاب.

كان عزاء جيل الحرب الباردة بالثقافة الشعبية الأميركية التي أشاعها يهود سينما هوليوود. فلبس الشباب الكسالى ما يلبس مارلون براندو. وأحبوا كما أحب كلارك غيبل. وغدت بريجيت باردو فتاة الغلاف. في المقابل٬ كان هناك زخم فكري وأدبي هائل. فصنع مفكرو الماركسية للمليارات من البشر حلماً وردياً مجرداً من السياسة. والأحزاب. والمال. ورد مفكرو الرأسمالية بنقد التجربة الماركسية التي حولت ثوار ماركس ولينين إلى موظفين حكوميين عند ستالين وبريجنيف.

بزخم واهتمام كبيرين. وجرى فرز واضح بين مثقفي اليمين واليسار في حوارهم الحوار الثقافي الذي طبع عصر الحرب الباردة أنجب فكراً سياسياً واجتماعياً مقروءاً حول قضايا سياسية واجتماعية بالغة الأهمية. في مقدمتها الإيمان بإمكان تحقيق العدالة الاجتماعية عبر المساواة في الدخل. وتكافؤ الفرص في العمل.

هذا الثراء الفكري لم ينفصل عن فكر عصر الحداثة. فقد اهتم بالتحرر. لا بالحرية وآليتها الديمقراطية. وركز على تصفية آخر مخلفات العصر الاستعماري٬ للتفرغ لدراسة حقوق المجتمع. وواجبات الدولة الحاضنة له. ورافقت الفكر السياسي والاجتماعي رومانسية روايات تولستوي. وديستوفيسكي. وتوماس مان. وهمنغواي...

على المستوى العربي٬ نالت المجتمعات العربية «استقلالاتها» في زمن الحرب الباردة. فالتهى النظام الاستقلالي بال َعلَم. وموسيقى النشيد. والتغني بالسيادة الوطنية٬ عن تحقيق دولة الوحدة القومية. وأنتج فشل المشروع القومي الوحدوي حوارات فكرية عميقة حول أسباب الهزيمة أمام إسرائيل. وفي مقدمتها مسؤولية النظام العربي. لا ديمقراطية الأحزاب والتيارات القومية والشيوعية.

. وعجزاً على مستوى عالمي وعربي٬ عن صنع ثقافة فكرية جديدة لعالم «ما بعد الحداثة» تضاهي الفلسفة في الفوضى السياسية والثقافية الراهنة٬ تجد خوا ًء فكرياً الوجودية. والبنيوية. والتفكيكية التي ألهمت عصر الحرب الباردة. لم تعد الماركسية ملهمة للفكر السياسي. انهارت نظرية تكافؤ الفرص والمساواة الاقتصادية والحياتية اب اليمين واليسار٬ في تفسير ما يحدث سياسياً بين الناس في المورد. والدخل. والعمل. لم يبق من الماركسية سوى قدرتها الفذة على التحليل السياسي التي يستخدمها كتّ .

واجتماعياً أسلمة النظام العربي واكبت نهايات الحرب الباردة. وسقوط الدولة الماركسية. والأزمات المالية الطاحنة التي انتابت الدولة الرأسمالية. نعم٬ تمكن النظام العربي المتأسلم من تقويض إرهاب الموجة «الأفغانية» الأولى التي ظنت أنها قادرة على إسقاط النظام٬ كما أسقطت النظام الشيوعي «الكافر» في أفغانستان.

هذا النظام البطيء يخوض اليوم الحرب التي اصطلح على تسميتها «الحرب على الإرهاب» بمشاركة أميركا وأوروبا. الطرافة المرة في هذه المواجهة الدموية تتجسد في قدرة «الدويلة الداعشية» على تجنيد مائة ألف «إرهابي» تأثروا بالثقافة «الداعشية» و«القاعدية» التي أنجبتها مرجعيات دينية في المجتمعات الإسلامية.

«دعوشة» الانتفاضة العربية. ووحشيتها في التعامل مع ذاتها. وأناسها. ومجتمعاتها٬ حالتا دون ظهور روائي عربي واحد٬ ليخلدها في عمل ملحمي. أو شاعر كبير٬ كشوقي. ونزار. ودرويش الذين واكبوا موجة النضالات والاستقلالات العربية في القرن العشرين.

بعبقرية آرثر ميلر. وصموئيل بيكيت. وبرنارد شو. وألبير كامو... الذين مارسوا نقد وعرض كذلك٬ فالخواء الفكري الأوروبي لم ينجب في عصر «ما بعد الحداثة» كاتباً الأوضاع السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة٬ والسخرية منها. رمزية بيكيت الناعمة في «بانتظار غودو» أنقذته من مصير الروائي الهندي البريطاني سلمان رشدي الذي ما زال رهن الحراسة٬ منذ فتوى القتل التي أصدرها الخميني عليه من دون أن يقرأه.

يساورني شعور ذاتي ساخر. لأني بت احتل مساحة جغرافية في هذا العالم٬ عل ّي أن أتخلى عنها للأجيال الجديدة التي تتزاحم بمقدار مليار إنسان إضافي كل خمسين

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

omantoday

GMT 00:57 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الـ«روبوت» ينافس الصين في هذا القرن

GMT 05:21 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السلطة والإدارة والتنمية

GMT 06:39 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هل التوافق ممكن بين الدين والعلم؟

GMT 06:22 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شخصيات وراثية

GMT 06:14 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رؤية للمستقبل من خلال الحاضر العربي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يحكم ومن يدير عالم الفوضى من يحكم ومن يدير عالم الفوضى



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab