غسان الإمام
كان بنيتو موسوليني زعيم إيطاليا الفاشية يهدد الديمقراطيات الغربية بخمسة ملايين حربة. ثم ظهر أنها من عيدان السباغيتي (معكرونا). واضطر حليفه هتلر إلى إنقاذه، عندما دُحرت القوات الإيطالية التي غزت ألبانيا واليونان.
هل لموسوليني ضريح تذكاري في إيران؟ وإلا لماذا. ومن أين تنطلق هذه الصرخات الهستيرية لجنرالات الجيوش الميليشيوية، مهددة أميركا، بأسلحة سرية فتاكة، تجعلها هباء منثورا؟
هل إيران دولة «حربجية» حقا؟ هُزمت إيران في الحرب العبثية مع عراق صدام. ونصح رفسنجاني الخميني بوقفها، بعدما استهلكت في ثماني سنوات جيلين من الإيرانيين والعرب العراقيين. وسبق للشاه الأمِّي رضا بهلوي أن استسلم بلا مقاومة، للقوات الروسية والبريطانية التي احتلت طهران، خلال الحرب العالمية الثانية، واقتسمت إيران، عقوبة له على حماسته للفاشية الهتلرية.
ليس سرا أن إيران الخميني اشترت أسلحة من إسرائيل (1985/ 1986)، في حربها مع العراق. ولم تخض حربا مع الدولة العبرية. إنما أغرت حزبها اللبناني بالتجربة. فقتل 1200 شيعي لبناني (2006). ومات مائة فلسطيني بصواريخ الحزب التي أطلقت، بطريقة عشوائية، على إسرائيل. وخرج رئيس الحزب من مخبئه، ليعلن أن النصر كان «إلهيا»!
أُنشئ حزب الله كقوة دفاعية. غير أن إيران تستخدمه اليوم في سوريا، كقوة هجومية. الدفاع ليس كالهجوم. فعاد عدد كبير من المقاتلين محمولين بأكياس مغلقة. وقال حسن نصر الله إنه أرسلهم لإنقاذ السيدة زينب التي لم يمسّ أحد ضريحها بسوء، على مدى 1300 سنة. ثم ندم. فأعلن أنه يقتل السوريين، لينقذ الفلسطينيين. ثم طالب بحكومة لبنانية جديدة تدعم مجهوده الحربي. فرفضت الأحزاب والطوائف توزيره معها.
بات الحزب معزولا. وعاجزا. لا يملك عمقا استراتيجيا. ومع استفزازه السنة، وغزوه بيروت، نشأت تنظيمات سنية «جهادية» كالفطر هنا وهناك. ومع تدفق نحو مليون نازح سوري على لبنان، باتت السنّة، للطرافة المأسوية، أغلبية طائفية تفوق الغالبية الشيعية. فمنع الحزب الدولة سرا من السماح للدول المانحة، ببناء أكواخ للنازحين، كي لا يتحولوا إلى لاجئين، كالفلسطينيين، مقيمين لأجل طويل.
تاريخيا، فارس حضارة هجومية. في المجوسية الزرادشتية (عبادة النار)، وصلت الجيوش الفارسية إلى اليمن. مصر. المشرق العربي. وحاولت غزو أوروبا. فلاقت هزيمة مريرة أمام الإسكندر المقدوني الذي اخترقها وصولا إلى الهند.
أعز الإسلام العرب. كان العرب المسلمون من الوعي، بحيث استعادوا العراق والشام من الهيمنة الفارسية والبيزنطية. لم يكن الإسلام دينا عنصريا. تأسلمت واستعربت الأقوام السامية (الموالي) في البلدين. وكان الانصهار مع عرب الجزيرة الفاتحين كاملا. وأنتج حضارة ثقافية رائعة لم تجد في انفتاحها العقلاني، ما يمنعها عن الترجمة عن اللغات الإغريقية. والفارسية. والهندية.
كان الإسلام العربي رحيما. ترك العرب الحرية للشعوب الأجنبية. لم يتأسلم الإسبان. وتأسلم الفرس. والكرد. والأتراك، لكن لم يستعربوا، على الرغم من اختراق اللغة العربية لغاتهم. وظلت اللغة والثقافة العربية مزدهرة، إلى أن سقطت السلطة السياسية من أيدي العرب.
كان موقف الفرس من العرب سلبيا. كان الفتح العربي لفارس صدمة نفسية هائلة للنفس الفارسية. وكان استشهاد آل البيت (علي ونجلاه الحسن والحسين) فرصة للفرس لشق الإسلام إلى مذهبين، بفروق واهية بينهما تلغي الحاجة إلى الصراع المذهبي. يقول المؤرخون إن القائد الفارسي الذي استعار اسما عربيا (الطاهر بن الحسين)، وفتح بغداد، وأعمل السيف في عربها، لم يكن أقل وحشية. وهمجية، من هولاكو.
الاستقلال في القرن العشرين كان فرصة تاريخية للعرب لتحقيق وحدة لم يعرفها تاريخهم. لكن الاستقلال تمسك بمصالح السيادة المحلية الضيقة. فضاعت الفرصة. ثم ما لبث أن حل تعب المادة بالنسيج الاجتماعي، نتيجة لعوامل كثيرة، في مقدمتها: هزيمة المشروع القومي. أرستقراطية النظام العربي. تسييس الدين. التكاثر البشري العشوائي. كل ذلك أدى إلى ضعف الثقافة. والتربية. واللغة. فبات هوان حياة الإنسان العربي سهلا على الرصاص. والاغتيال. والقتل الجماعي بالتفخيخ بالمتفجرات، باسم الدين. والطائفة. بلا رادع أخلاقي. وإنساني.
خرجت القمة الخليجية بلغة كويتية هادئة. ومصالِحة لإيران. تأجل مشروع «الاتحاد» الذي قدمته القيادة السعودية إلى قمة أخرى. اعتذرت عُمان عن عدم قبول الاتحاد، انسجاما مع دورها في الوصل بين أميركا وإيران. وبقيت السياسة الإيرانية على حالها: ابتسامات شاكرة للخليج الذي أنقذت موانئه التجارية إيران من الركوع تماما أمام العقوبات الغربية. و«خط أحمر» رسمه رئيس «روحاني» أمام الثورة السورية.
على أية حال، لم تخرج القمة خالية الوفاض. فقد قدمت التنسيق العسكري، على ملف تحويل مجلس «التعاون»، إلى مجلس «اتحاد». العبرة بالتنفيذ. وإقامة الاستراتيجية الدفاعية الخليجية، على سلاح الطيران (السعودية ثاني أقوى دولة جوية في المنطقة). وسلاح الصواريخ. ثم الدبابات الألمانية الخفيفة الحركة على الرمال، وذلك في مواجهة الكثافة البشرية للقوات الإيرانية.
بالإضافة إلى التنسيق العسكري، جاء قرار إنشاء مركز للبحوث الاستراتيجية شديد الأهمية. نعم، فالسياسة والإعلام في الخليج بحاجة إلى معرفة أعمق بالتاريخ السياسي العربي الحاضر والغابر، لا سيما بعدما انتقل مركز الثقل السياسي والمادي العربي إلى الخليج، لتزويد الإعلاميين بالمعلومات، كي يأتي التعليق السياسي بعيدا عن التكرار، وأكثر ثراء ودقة في عرض التطورات والتحولات المتسارعة.
«العلمو نُورُنْ». باتت مراكز البحوث والدراسات الأميركية تعج بأنصار إسرائيل والباحثين الإيرانيين الأميركيين. هؤلاء الذين ورطوا إدارة بوش بالتضليل. وشجعوها على ضرب العرب بغزو العراق وتسليمه لإيران. هؤلاء يعصرون أدمغتهم للترويج إلى ما أسميه إجراء عملية «ماكياج» لملالي إيران وحزب الله، وتقديمهم كحلفاء لأميركا وإسرائيل. كأنموذج لئيم، أشير إلى تعليق في «نيويورك تايمز» يوم الثلاثاء الماضي طافح بالمعلومات التاريخية غير الصحيحة. ومحاولة النيل من السعودية وأهمية النفط العربي.
هل يمكن الثقة بإيران؟ «أمركة» إيران هي اللغة الرائجة اليوم على المسرح السياسي الغربي. صنّاع القرار السياسي والتعليق الإعلامي في الغرب، يراهنون على انتقال إيران من دولة مارقة إلى دولة مؤدبة تتحرك في صميم العلاقات الدولية، بعد تحييدها وتجريدها من مسدسها النووي.
لماذا تعثرت مؤقتا المفاوضات بين إيران والغرب؟ الطرفان يتكتمان الحقيقة. أميركا تستعجل استكمال وقف تخصيب اليورانيوم ومنعها من إنتاج البلوتونيوم. في حين انصرفت إيران إلى الإلحاح على الإفراج عن كنزها المالي (مائة مليار دولار) المجمد، بسبب العقوبات، في المصارف الغربية، كحصيلة عقود بيع النفط.
إيران بحاجة إلى تمويل أوسع وأسرع للعمليات العسكرية للقضاء على الثورة السورية، وتسديد ديون بشار لروسيا. ولتعويض «حزب الله» عن خسائره البشرية. وأخيرا إعادة تعويم الاقتصاد الإيراني. وتفادي غضب الإيرانيين الذين يرون ثرواتهم ومواردهم تتبدد على المشروع الإيراني الخارجي.
في مشروع «أمركة» إيران، تعتمد إدارة أوباما دبلوماسية مزدوجة: الكونغرس يلوح بعصا الردع لفرض مزيد من العقوبات. والبيت الأبيض ووزير الخارجية جون كيري يلوحان بغصن الزيتون، لإغراء الجمهور الإيراني الذي صوَّت لترئيس روحاني، بالتمتع بلذائذ الحلف القديم مع أميركا، والمصالحة واستعادة العلاقة الشاهنشاهية مع إسرائيل.
ثمة مساومة طويلة ومعقدة، ليس لاستكمال تحييد إيران نوويا، وللإفراج عن كنزها المالي، وإنما أيضا على مصير سوريا ولبنان: هل تبقيان في عهدة إيران، على أن تستغني عن خدمات بشار الذي لا يمكن الظهور معه في الصورة، لارتفاع عدد ضحاياه؟ وكيف يمكن دق رأس نظامه مع رأس «الائتلاف» المعارض داخل حكومة وفاقية (مستحيلة)؟
جون كيري المكلف بالمساومة يقول إنه «ليس مازوشيا». بمعنى أنه في النهاية ليس مستعدا لحمل عدة قضايا شائكة وملتهبة بقبضة واحدة، ويمشي بها على حبل دبلوماسي في سيرك صاخب. بوتين الشهير بالمغالطة ينصب كمينا «لشركائه» الأَلِدَّاء الأميركيين في جنيف. هو أيضا يريد حصة في التسوية. يقول إنه أنقذ مجلس الأمن (عطَّله بالفيتو). باع أميركا «كراكيب» بشار الكيماوية. وأنقذ السلام من القنبلة النووية الإيرانية! وحمى إسرائيل! ثم يرسل وزيره لافروف إلى طهران، لقبض فاتورة الحساب.