في القمة السعودية الأميركية٬ وفي القمة الخليجية الأميركية٬ كان آشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي أكثر إلحاًحا من رئيسه باراك أوباما٬ في التعبير عن استعداد الولايات المتحدة لحماية أمن الخليج.
في القليل الذي عرف عن محادثات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس الأميركي٬ كان التأكيد على الالتزام الأميركي بأمن الخليج ممزوًجا برغبة غامضة في عدم تحمل أميركا كامل العبء في الدفاع٬ فقد دعي الخليجيون إلى بذل جهد أكبر في حماية أمنهم الذاتي.
وليس سًرا أن أميركا أوباما٬ كما أميركا بوش٬ نقلت إلى المسؤولين الخليجيين اعتقادها بأن الخطر على الخليج يأتي من الداخل الخليجي٬ بحيث يغدو الكفاح ضد العنف الديني٬ مقروًنا بتسامح أكبر للمرجعيات الدينية. وفي اللقاءات الأخيرة٬ كرر أوباما ما قاله للزعماء الخليجيين في لقاء كامب ديفيد٬ عن الاعتقاد بأن الاتفاق النووي مع إيران لا يتناقض مع التزامات أميركا بالدفاع عن أمن الخليج.
يبدو أن العلاقة الاستراتيجية الثنائية السعودية الأميركية خرجت سليمة من اللقاءات الأخيرة. فما زالت أميركا تعتمد على النفط الخليجي. وبالذات على النفط السعودي الذي تشتري منه مليون برميل يومًيا. وما زالت السعودية تعتمد على تبادل التعاون المعلوماتي مع أميركا٬ بخصوص مكافحة الإرهاب «الداعشي» و«القاعدي» في شبه الجزيرة العربية. ولمتطلبات المواجهة العسكرية في اليمن مع الميليشيا الحوثية التي حصلت من إيران في السنوات القليلة الماضية٬ على أسلحة صاروخية هجومية ومنظومة دفاع جوي.
لكن أميركا أوباما اليوم تواجه قيادة سياسية سعودية جديدة أكثر مساءلة لمعرفة تفاصيل الالتزامات الأمنية الأميركية للدفاع عن الخليج٬ وجديتها في تبديد القلق الخليجي من «التقارب» الأميركي مع إيران بعد الاتفاق النووي. ولدى هذه القيادة «مستمسكات» كثيرة تدل على وجود تناقض بين الالتزامات الدفاعية المعلنة٬ والسلوك الأميركي الميداني والسياسي في المنطقة العربية.
وهكذا٬ فالاستراتيجية الثنائية لا تتفق مع التنسيق الأميركي الإيراني في العراق الذي يحول دون «لجم» حكومة حيدر العبادي لنشاطات إيران المخابراتية٬ واعتماد إيران على الميليشيات الشيعية في «خربطة» السلام الأميركي هناك. وعجز العبادي عن وقف تدفق القوات النظامية الإيرانية على سوريا عبر العراق٬ بعد الانسحاب الروسي الجزئي.
وما زالت أميركا تحول دون تسليح المعارضات السورية٬ خصوًصا بمضادات الدفاع الجوي القادرة على لجم الطيران السوري الذي يرتكب المجزرة تلو الأخرى ضد المدنيين في مناطق المعارضة.
لذلك تتجه قيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تعزيز الأمن الخليجي الذاتي بتحالف عسكري حقيقي مع الدول العربية (مصر. الأردن. المغرب. السودان. اليمن). وبالتنسيق مع الدول الإسلامية القريبة جغرافًيا من العالم العربي٬ كتركيا. وباكستان. ومحاولة مصالحة مصر مع تركيا التي تؤوي قيادات «إخوانية» مصرية راغبة في مواصلة العنف ضد النظام المصري الحالي.
جاءت زيارة العاهل السعودي الأخيرة لمصر تأكيًدا لوفاء السعودية بالتزاماتها المالية٬ لإنعاش الاقتصاد المصري. وبناء الجسر المنشود الذي يربط السعودية بمصر بًرا عبر البحر الأحمر.
هل يرقى التحرك السعودي الرفيع المستوى لتنقية الأجواء الخليجية من أي اختلافات محلية. والجهد الواضح لخلق تحالف عسكري إسلامي جدي وحقيقي٬ إلى تحويل
مجلس «التعاون»٬ إلى «اتحاد» خليجي؟! الإعلام السعودي لا يتحدث عن اتحاد خليجي. أو اتحاد «عربي». السعودية في غنى عن الشعارات والتوصيفات٬ لتجنب الحساسيات التي خلقها زمن «الاستقلالات» المبالغة في الاحتفال والإشادة بـ«السيادات»٬ فيما العرب يواجهون التدخل الإيراني الفظ في الخليج. واليمن. وسوريا. ولبنان.
ورط التدخل الإيراني الآيديولوجيا «الحماسية» الدينية٬ في صرم العلاقة مع شرعية الوحدة الفلسطينية٬ بحيث باتت عروبة الضفة وليس غزة مهددة بالتهويد والاستيطان. ومشروع الدولتين مهدد بانهيار وانكشاف جبهة «الممانعة» والمقاومة الإيرانية السورية. واعتذار «حماس» المتأخر لمصر السيسي عن حلفها مع التنظيمات الدينية التي تؤويها في غزة. وهي التي تعبث بأمن مصر الوطني والقومي في سيناء.
لا شك أن السعودية غير مقتنعة بأن منطق أوباما في التعويل على تغيير في إيران وسقوط نظام الملالي٬ سيلغي تماًما ونهائًيا المشروع النووي الإيراني. هذا المنطق يتجاهل واقع كون قوى المعارضة الإيرانية اللادينية أشد حماسة واندفاًعا من النظام الديني نحو إنتاج القنبلة المخيفة. السؤال الآن يتركز حول ما إذا كانت القمة الخليجية الأميركية فاتحت الرئيس أوباما بالطارئ الجديد على الوضع السياسي والمدني في سوريا. أعني هنا بالذات صمت إسرائيل وحكومة نتنياهو عن تدفق القوات النظامية الإيرانية على الأراضي السورية٬ بعد الانسحاب الروسي الجزئي٬ وبعد فشل ميليشيات الحرس الثوري في دعم نظام بشار وإسناده.
سبق لإسرائيل أن هددت طوال المفاوضات النووية بين أميركا وإيران التي استغرقت أكثر من عشر سنوات٬ بقصف المنشآت النووية الإيرانية جًوا. فكيف تصمت اليوم على الخطر الإيراني العسكري الذي تمركز على مقربة منها في سوريا برا؟!
هل زيارة نتنياهو الثانية لموسكو خلال الأشهر الأخيرة٬ لسؤال الرئيس بوتين عن السبب في سماح روسيا بوجود أكثر من 25 ألف جندي وميليشياوي فارسي. وشيعي. وأفغاني. وعراقي. ولبناني في سوريا؟ هل قدمت روسيا ضمانات سرية لإسرائيل٬ بعدم السماح للقوات الإيرانية النظامية بالاقتراب من الجولان المحتل إسرائيلًيا؟
ليس هناك ضمان روسي أو سوري ظاهر لإسرائيل بعدم تدفق قوات الجيش الإيراني٬ لاحتلال سوريا. لكن قيادة الجيش الإيراني أعلنت أن قواتها بادرت إلى فتح جبهة حلب البعيدة شمالاً عن الجولان لطمأنة إسرائيل.
في القلق الخليجي الناجم عن عدم الثقة بالإدارة الأميركية في جدية التزاماتها بالمشاركة في الدفاع عن الخليج٬ أذهب إلى القول والسؤال٬ عما إذا كانت أميركا هي التي قدمت ضمانات والتزامات لإسرائيل٬ بعدم السماح بتحويل سوريا إلى قاعدة إيرانية أو شيعية للاشتباك مع إسرائيل.
التنسيق الروسي مع إسرائيل سمح لسلاح الطيران الإسرائيلي بقصف السلاح الإيراني المتدفق لوجيستيا على «حزب الله» عبر الحدود السورية اللبنانية. لكن لماذا لم تستخدم إسرائيل تفوقها الجوي المطلق بقصف القوات الإيرانية؟ هل إسرائيل مقتنعة بوجهة نظر أوباما بأن التورط الإيراني المتزايد في سوريا٬ يمكن السكوت عنه مؤقًتا٬ ريثما يتم استنزاف إيران المفلسة مالًيا. والعاجزة عن إنقاذ بشار وليرته السورية المتهاوية؟
انهيار الهدنة السورية الهشة. وحيرة المعارضة السورية إزاء مفاوضات جنيف. وغموض الموقف الأميركي وتناقضات منطق أوباما. ثم نصب المدافع الروسية إلى جانب القوات النظامية الإيرانية التي تقول إنها تتأهب لاحتلال حلب مع ما تبقى من قوات بشار. كل ذلك يرشح سوريا مجدًدا إلى الاستمرار في لوك أزمتها الدموية. ويدفع إلى تقديم إزاحة بشار كمطلب عربي٬ على القضاء على تنظيم داعش الإرهابي كهدف أميركي. إيراني. روسي.