تدمير المجتمع المدني

تدمير المجتمع المدني

تدمير المجتمع المدني

 عمان اليوم -

تدمير المجتمع المدني

بقلم : غسان الإمام

تخوض التنظيمات الدينية السنية والشيعية المتزمتة حربًا حقيقية. هدفها تدمير استقرار. وأمن. وسلام المجتمعات المدنية في العالمين العربي والإسلامي. وتمتد هذه الحرب لتحاول تدمير المجتمعات المدنية في أوروبا. والولايات المتحدة الأميركية. وروسيا. وآسيا. وأفريقيا.في المقابل، يبدو واضحًا تقارب التنسيق بين روسيا. وأميركا. وأوروبا، في شن حرب شعواء على هذه التنظيمات الدينية المستوطنة سوريا والعراق أساسًا. وهذه الحرب تتفاوت في التعامل بشدة مع التنظيمات السنية. والتساهل الذي يصل إلى مستوى التنسيق أحيانًا مع التنظيمات الشيعية التي يديرها. ويوجهها النظامان الطائفيان الإيراني والسوري.هذه الازدواجية المتراوحة بين الشدة والتساهل تحرج الأنظمة العربية التي يندرج بعضها في «التحالف الدولي» ضد العنف الديني. ليس هناك إحراج إزاء تنظيمات متزمتة سنية معادية أصلاً للنظام العربي. إنما الإحراج إزاء إقدام روسيا وأميركا على تعمد استهداف مجتمعات مدنية سنية تختبئ في طياتها هذه التنظيمات. وتجعل منها درعًا واقية لها.ويبدو أن التقارب الروسي/ الأميركي يحتاج إلى لقاءات تنسيقية جديدة، لاستكمال إحكام الحلقة المدمرة للتنظيمات المتشددة، من الجو. من دون التوسع في الاستعانة مباشرة بقوات برية كبيرة. وذلك لتفضيل الاعتماد على ميليشيات المرتزقة الكردية في سوريا. والجيش النظامي في العراق. ومعه ميليشيات «الحشد الشيعي» التي يقودها ضباط «فيلق القدس» الإيرانيون.لكن لا حديث في الغرب وروسيا عن توفير الحماية للمجتمع المدني في هذين البلدين العربيين. والأرجح أن التنسيق الثنائي أسفر مبدئيًا، عن سماح روسيا لأميركا بقصف المجتمع المدني السوري في مدينة منبج الشمالية، حيث أخفقت الميليشيات الكردية في احتلالها. وطرد «الدواعش» منها. وهكذا، جرب الطيران الأميركي حظه بشن غارات شملت منبج والقرى المحيطة. فقتل 56 مدنيًا سوريًا. وجرح المئات في المجتمع المدني المحاصر هناك (150 ألف سوري).أما روسيا فتواصل دك المجتمع المدني السوري في حلب. الرقة. منبج. إدلب. ثم مجتمع النازحين المدني الممنوع من دخول الأردن (مائة ألف إنسان). فيما يواصل طيران بشار قصف المدارس. والمستشفيات. ومراكز الإغاثة. وخدمات المياه. والكهرباء. والأسواق الشعبية في حلب المحاصرة. ومدن الحدود مع تركيا. ويحاصر. ويجيع مئات ألوف المدنيين في وسط سوريا وجنوبها. من دون خوف من المساءلة الدولية.منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، راحت الأمم المتحدة تبرز كحكومة دولية مسؤولة عن حماية المجتمع المدني. لكن شرطتها الأمنية (مجلس الأمن) ما زالت تحت سيطرة الدول الكبرى الخمس في العالم.هذه الدول تملك حق القبول والرفض (فيتو)، في كيفية استخدام القوات الدولية، لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة. لأن هذه الحكومة العالمية بلا دولة. أو وطن. أو مجتمع. والأهم أنها بلا جيش. فهي تسكن مبنى واحدًا، على شكل علبة كبريت في نيويورك. وتعتمد على قوات من «المرتزقة» تستعيرها من الدول المتبرعة بجيوشها. وجنودها.في المناطق التي يتعرض فيها المجتمع المدني للعدوان، ترسل الأمم المتحدة سفراء أو وزراء تسميهم موفدين. أو مبعوثين، لمعالجة الأزمات الطارئة والمستوطنة. الخواجة دي ميستورا هو وزير رئيس الحكومة بان كي مون الموفد إلى سوريا. لكن من الصعب العثور على الوزير الدولي في العراق. فيما تهيمن أميركا على سائر العراق، بتنسيق غامض مع إيران.سارع الائتلاف السياسي المعارض، مشكورًا، إلى مطالبة بان كي مون، بالتحقيق في الألعاب الجوية التي ارتكبتها طائرات الرئيس أوباما في منبج. حتى كتابة هذه الكلمات لم يرد رئيس الحكومة الدولية. فهو مصاب بالحرج أمام أميركا التي دعمت ترشيحه لتولي منصبه الحالي، منذ أن كان وزيرًا لخارجية كوريا الجنوبية.وأضيف من عندي أن لا بأس بتحقيق دولي أيضًا مع إيران. و«حزب الله». وحكومة حيدر عبادي، حول التدمير المنظم والمحكم للمجتمع المدني في سوريا والعراق. فقد حرر عبادي «القائد الأعلى» لجيش العراق مدينة الفلوجة. ويتأهب لتحرير الموصل، من دون أن يتأهب لتأمين ملاذ آمن للمجتمع المدني في المدينتين. فتولت ذلك بالنيابة عنه ميليشيات «الحشد الشيعي». ففقد. وقتل مئات من شباب العوائل المدنية في المدينتين.أما الحزب الشيعي الذي ينتسب زورًا لله. وللدين. ويتباهى بأنه نذر نفسه لتحرير فلسطين، فهو يحاصر عشرات ألوف المدنيين السوريين في إقليم القلمون الجنوبي الذين يشكلون سكان الزبداني. وبلودان. ومضايا. وبقين، وسائر المصايف السورية الشهيرة بجمال وديانها. ورباها. وخضرتها. وعذوبة ينابيعها.ولاستكمال تقيته. ودينه، يمارس «حزب الله» تجويع المجتمع المدني في الإقليم بمنهج منظم. فسدَّ منافذ المدن والقرى بحقول الألغام. والموانع الإسمنتية. والأسلاك الشائكة. والقناصة. ويشترط للإفراج عن هؤلاء المدنيين مغادرة أرض آبائهم، لتوطين شيعة محلهم يريد جلبهم من إدلب مع عوائل ضباط «فيلق القدس» الإيراني.يجري ذلك كله بعلم. وسمع. ورؤية أميركا وروسيا. وأوروبا. والخواجة ميستورا وزير بان كي مون المهتم فقط، بعقد جولة جديدة من المفاوضات بين بشار والمعارضات، للتغطية على فشله في تأمين إغاثة مليون سوري يشكلون المجتمعات المدنية السورية المحاصرة.لا أريد أن أتحدث عن التعذيب المروع للطفل السوري «الأسير» لدى التنظيم الديني الذي يحمل الاسم المملوكي لنور الدين زنكي الذي تموله. وتدربه. أميركا أوباما. وأعتذر للقارئ عن هذا الحديث المحزن. والمفجع. وأناشد النظام العربي تغيير المنهج المتبع في تغذية. وتمويل. وتدريب. وتسليح التنظيمات الدينية «المعتدلة». والمتزمتة التي تستوطن سوريا. وتنافس النظام في تدميره المروع للمجتمع المدني السوري.هذه التنظيمات لم تحكم، بعد خمس سنوات، وحدتها العسكرية واللوجستية. وهي متمسكة بمحليتها الجغرافية. فتقيم مختبئة داخل طيات المجتمع المدني. فتجعله درعًا يحميها من هجوم وقصف. وتترك مجتمعات مدنية بلا حماية، بينما بعضها يملك العدد والعدة، لإنقاذ المجتمع المدني في إقليم القلمون الجنوبي، على سبيل المثال. من وحشية. وهمجية الحصار. والتجويع. والقنص. والاغتيال التي يمارسها مرتزقة «حزب الله». حزب الأشقاء الشيعة العرب في لبنان.باتت هذه التنظيمات تتباهى بالقتال. والمقاومة. والممانعة. وتكفير الكفار والمؤمنين. ثم يعقد بعضها اتفاقات مؤقتة أو دائمة مع النظام. فتُلحق ضررًا مدنيًا بتنظيمات مسلحة ومجتمعات مدنية مجاورة. ثم تبيح لنفسها مصادرة مواد وسلع الإغاثة التي تنجح منظمات الإغاثة المحلية والدولية في تمريرها. وتترك القليل للسكان الجوعى والمرضى.أتمنى أن يسمع النظام العربي ما يرويه النازحون واللاجئون السوريون عن مآسي المجتمع المدني. فقد غدت هذه التنظيمات عبئًا على المقاومة. والمعارضة. والمفاوضة. والهدنة. والإغاثة. وحان الوقت بصراحة لوقف دعمها. وإعادة تشكيل معارضة مسلحة. موحدة. جديرة بمواجهة النظام ومرتزقته. وقادتهم في إيران الذين تنوء رؤوسهم بحمل العمائم السوداء، فيما آل البيت السوري يموتون قصفًا. وحصارًا. وجوعًا. وتعذيبًا بهمجية «داعش» وأشباهها. ويبقى نظام بشار خطًا أحمر إيرانيًا. وروسيًا. وربما أيضًا أميركيًا. ودوليًا.

 

omantoday

GMT 00:57 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الـ«روبوت» ينافس الصين في هذا القرن

GMT 05:21 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السلطة والإدارة والتنمية

GMT 06:39 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هل التوافق ممكن بين الدين والعلم؟

GMT 06:22 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شخصيات وراثية

GMT 06:14 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رؤية للمستقبل من خلال الحاضر العربي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تدمير المجتمع المدني تدمير المجتمع المدني



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab