سنة لبنان بين هيمنة الموارنة وصعود الشيعة

سنة لبنان بين هيمنة الموارنة وصعود الشيعة

سنة لبنان بين هيمنة الموارنة وصعود الشيعة

 عمان اليوم -

سنة لبنان بين هيمنة الموارنة وصعود الشيعة

غسان الإمام

دفعت الدولة الأموية خُوَّة مالية إلى الدولة البيزنطية! لضمان عدم تعرضها بالقوة لتعريب لبنان، بعدما خسرت سوريا. راحت القبائل العربية تتدفق لملء الثغور اللبنانية، تحت حماية وتشجيع الدولتين الأموية والعباسية. في الوقت ذاته، اندفع الموارنة السريان في الهجرة من وسط سوريا وشمالها، إلى جبال لبنان هربا من مضايقة البيزنطيين المذهبية لهم. ومع توالي القرون، تم تعريب الموارنة. فغدت العربية لغتهم في حياتهم اليومية. ومنذ سنين قليلة، اعتمدت البطريركية المارونية هذه اللغة، في الصلوات. والتراتيل. والقداديس الكنسية. لم تمنع الغزوات الصليبية تدفق العرب على لبنان. بل اشتدت هجرتهم إليه، على الرغم من سقوط السلطة العربية، وقيام الدويلات المملوكية، احتلال الأتراك العثمانيين لسوريا ولبنان (1516) الذي ترافق باضطهاد نسبي للأقليات الدينية. في لبنان. هذا الاضطهاد سمح لفرنسا وبريطانيا بالتدخل التدريجي، وفرض تقسيم لبنان «دويلات» متناحرة، في ظل حكم تركي ضعيف. لم يكد القرن التاسع عشر يطل، حتى تجسد الوجود العربي في لبنان، بظهور وبروز دور الأسر السنية العربية في مدن الساحل. ومع انبثاق الوعي والشعور بالانتساب إلى أمة عربية، نزلت أسر مسيحية من الجبال، وفي مقدمتها الموارنة، لتساهم في انبثاق ثقافة عربية جديدة، في لغتها. وتعدديتها الممزوجة بالثقافات الإنسانية الغربية. مساهمة مسيحيي لبنان في صنع الحداثة الثقافية العربية لم تنقطع إلى اليوم. لكنها سجلت انكماشا ملحوظا، نتيجة تحول الموارنة خصوصا، إلى التعلق الثقافي والسياسي بفرنسا، ثم بالثقافتين الإنجليزية والأميركية. شعور سنة لبنان بالحصار الأوروبي، بعد الاحتلال، دفعهم إلى الانكفاء نحو الداخل، نحو سوريا الشام حفاظا على هويتهم. انتمائهم. عروبتهم. وعبر هذا الانكفاء عن ذاته، بالعلاقات الأسرية الوثيقة التي قامت بين السنة اللبنانية والسورية، من خلال الزواج، ونشدان الوحدة القومية بين البلدين، تحت رايات العروبة. لم يكد القرن العشرون ينتصف، حتى كان معظم زعماء الأسر السنية الأرستقراطية والبورجوازية مرتبطين بالزواج بالأسر السنية السورية المماثلة. وأشير، كمثال، إلى آل الصلح. بَيْهُمْ. الداعوق. سلام. كرامي. هذا الارتباط الاجتماعي الوثيق لم يمنع ظهور تيار قوي، في الثلاثينات، لدى هذه الزعامات اللبنانية، يتجه إلى تجريد عروبتها، من إصرارها على الوحدة القومية مع سوريا، في مقابل قيام كيان لبناني مستقل، يتخلى فيه الموارنة عن الوصاية الفرنسية على لبنان. ظهرت كتابات بهذا الاتجاه لدى آل بيهم. ولدى الشقيقين كاظم وعادل الصلح. ومنذ الأربعينات والخمسينات، راح المثقف والمفكر الكبير مُنَح الصلح (نجل عادل) يفلسف ما سماه «العروبية اللبنانية»، في تفسيرات ووضوح أكبر. ولعل فصاحته الصريحة حرمته من فرص ترؤس الحكومة في لبنان، في كهولته. ثم في شيخوخته (هو اليوم تجاوز الخامسة والثمانين). فسبقه إليها آخرون من آل الصلح. كان رياض الصلح عميد آل الصلح، وزعيم السنة اللبنانية، آخر «العروبيين» الذين تخلوا عن الوحدة القومية مع سوريا، وذلك بعد ثلاث سنوات من ظهوره علنا، مع الوفد السوري الرسمي الذي فاوض حكومة ليون بلوم اليسارية الفرنسية (1936) على الاستقلال. بدأ رياض الصلح (المتزوج من سورية حلبية من آل الجابري) محاولات لإقناع الزعماء السوريين الديمقراطيين (جيل شكري القوتلي. جميل مردم. سعد الله الجابري)، بالتخلي عن الوحدة مع لبنان، في مقابل اتفاقه مع الزعماء الموارنة، على القبول باستقلال لبنان عن فرنسا. أخيرا، نجح رياض الصلح في مسعاه. واستقلت سوريا ولبنان على أساس الانفصال بينهما. ولم يمنع اغتيال الحزب السوري القومي (المتحالف حاليا مع نظام الأسد ضد الثورة) رياض الصلح في مطلع الخمسينات، الأرستقراطية السنية اللبنانية من مواصلة تقديم الزعماء. لقيت زعامة صائب سلام البيروتية استقبالا شعبيا وقبولا سياسيا كبيرين، لدى السنة والمسيحيين. وباتت دارته في حي المصيطبة ببيروت رمزا للوفاق الطائفي. وظل صائب سلام ممارسا بمهارة لفن التسوية (لا غالب ولا مغلوب) الذي جنب لبنان أزمات ومحنا دموية، على مدى 64 سنة من حياته السياسية المديدة (رحل صائب سلام عام 2000 عن 95 سنة). كتبت كثيرا عن صائب سلام. كان هو وكمال جنبلاط أكثر زعماء لبنان أهمية لدي. لا أنسى تقبله، برحابة صدر، نقدي له في حرصه على ملء منصب الرئاسة المارونية الشاغر (1982). فهو عنده رمز لكيان «لبنان السيد. المستقل»، في وقت كان لبنان يواجه آنذاك احتلالا إسرائيليا، وهيمنة سورية علوية عليه. ورث تمام سلام تسامح أبيه وديمقراطيته. وقد نشر نقدي لأبيه في كتاب ضمنه رؤى الصحافيين والساسة اللبنانيين والعرب، بالراحل الكبير. ها هو تمام سلام (68 سنة) يواجه، أمام أنظار العالم كله، مسؤولية تشكيل حكومة لبنانية جديدة. المسافة بين التكليف والتشكيل بعيدة جدا. قد يحتاج تمام فيها إلى فن أبيه في المساومة والتسوية، لتجنيب لبنان ويلات الأزمة السورية. هناك من يقول إن إيران باتت مستعدة للتخلي عن نظام بشار، في مقابل الحرص على مصالحها في سوريا، وهيمنتها على «حزب الله» والطائفة الشيعية في لبنان. صعود الشيعة في لبنان منذ نحو أربعين سنة وضع السنة وزعماءها في موقف صعب. فهم لم يحملوا سلاحا. ولم يحاربوا الموارنة في الحرب الأهلية. ولم يقفوا ضد الجيش السوري ونظام الأسد، إلا عندما اغتيل رفيق الحريري (2005) الذي أمسك بالزعامة السياسية والسنية. هؤلاء الزعماء يواجهون اليوم أيضا تنظيمات سنية متشددة دينيا، مرابطة في شمال لبنان (طرابلس وعكار). ربما هي أيضا متورطة في التدخل في سوريا، في مقابل تورط حزب الله في مقاتلة الثورة ضد بشار. لإحباط وجود تسوية عربية/ دولية/ إيرانية لترحيله، يشن نظام الأسد هجوما مضادا على مختلف جبهات القتال، لاستعادة الأرض والمدن التي خسرها. هذا الهجوم يعني إضافة جديدة للقتل. والدمار. ومزيدا من المهاجرين المتدفقين عبر الحدود. وخسائر مادية لإيران التي تعاني أصلا من العقوبات الدولية. أين تمام سلام من هذه الظروف والضغوط؟ أول من أمس (الأحد)، استقبل الرئيس المكلف وفد «حزب الله» وحلفائه من قبيلة حليفه ميشال عون المارونية. لكي يحافظ على الهدوء. ولكي يضع حدا للقيل والقال في الإعلام، قال تمام إنه «أطفأ المحركات». يقصد التصريح والكلام. وبالتالي، لم يكن بالإمكان التعرف على موقف «حزب الله» المعبر عن موقف إيران التي سهلت التكليف. فهل هي تسهل التشكيل، أم أنها ماضية في رسم الخطوط الحمر؟ في رؤيتي وتقديري للرجل. فهو لا يملك أعداء. وكان دائما المغرد خارج السرب. لا يدخل في تحالفات. ولا يمارس «الحرتقات» اليومية. قابل تمام الأسد الأب والابن. علاقته جيدة بالحريري الابن. في «التنازلات» التي يقدمها، عادة، الزعماء السنة المكلفون بالتأليف والتشكيل، زار تمام العماد عون خلال زياراته التقليدية لرؤساء الحكومات السابقين، مع أن عون يعتبر غاصبا لمنصب رئيس الحكومة (1995) خلال وجود حكومة شرعية آنذاك، برئاسة نائبها سليم الحص، بعد مقتل رئيسها رشيد كرامي. تمام سلام يسعى إلى التمام والكمال. هو يريد حكومة مؤقتة تجري انتخابات بأقل ضجة. لا يريد حكومة وفاقية. أو إنقاذية. لا يريد حكومة سياسية. كلها أخفقت في لعبة تعطيل عون وحزب الله «المحركات». وإلا فسيتخلى عن التأليف والتكليف. يعود إلى دارته الشعبية التي لازمها، منذ أن اختار والده المنفى، بعد إخفاقه في وضع حد للحرب الأهلية عام 1984. سنة لبنان لا هي استراحت، في عصر هيمنة الموارنة. ولا في زمن صعود الشيعة. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

omantoday

GMT 15:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 15:13 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب «الجيل الرابع» تخوضها إسرائيل في لبنان!

GMT 15:12 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 15:11 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الجملة التي أبطلت مقترح قوات دولية للسودان!

GMT 15:11 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مستر أبو سمبل!؟

GMT 15:10 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة الرئيس المنتخب أم الفوهرر ترمب؟

GMT 15:09 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة بدأت في الرياض

GMT 15:08 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مسعَد بولس بعد وعود ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنة لبنان بين هيمنة الموارنة وصعود الشيعة سنة لبنان بين هيمنة الموارنة وصعود الشيعة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:12 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 عمان اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 عمان اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 14:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab