أفضال روسيا على اليسار الشعبويّ

أفضال روسيا على اليسار الشعبويّ

أفضال روسيا على اليسار الشعبويّ

 عمان اليوم -

أفضال روسيا على اليسار الشعبويّ

حازم صاغية

عمّم «ائتلاف أوقفوا الحرب» البريطانيّ رسالة عاجلة وطارئة تحت عنوان «راكموا الضغط على نوّابكم». أمّا هدف الضغط المرغوب فالحؤول دون قصف سوريّة.

لا بدّ إذاً أنّ «الائتلاف»، المناهض للحروب، يقصد القصف الروسيّ. لكنّ الانطباع هذا لا يلبث أن يتبدّد. فما يقصده «الائتلاف» هو ما يسمّيه نوايا واستعدادات بريطانيّة لقصف سوريّة!

هذه عيّنة على نفاق بعض الدوائر اليساريّة - الباسيفيّة في الغرب التي لا يحرّكها إلاّ العداء لما تعتبره سياسات ومصالح أميركيّة. واعتبارها هذا إنّما أعماها تماماً ووسّع انفصالها عمّا يُفترض أنّه قناعات راسخة ومقدّمات نظريّة لديها.

فهي، منذ أن انحازت كلّيّاً لمكوّنها الشعبويّ على حساب مكوّنها التنويريّ، والتنويرُ مناهضةٌ للاستبداد قبل أيّ تعريف آخر، لم تكفّ عن التحالف مع أعتى الرجعيّين، الدينيّين منهم وغير الدينيّين، العسكريّين والمدنيّين، لمجرّد أنّهم خصوم لأميركا، أو لمجرّد أنّهم يصفون أنفسهم بأنّهم كذلك. وربّما اختصر هذا التوجّهَ الموقفُ الإيجابيّ من إيران الخمينيّة المحكومة بـ «ولاية الفقيه»، والتي تعمّدت بدماء الشيوعيّين وأطراف ماركسيّة أخرى. وقبل الترحّم على بن لادن، أو تسمية قتله جريمة، على ما أفتى العمّاليّ البريطانيّ جيريمي كوربن، كانت المواقف تتلاحق لا لحمة بينها سوى هذه الضدّيّة المَرَضيّة للغرب ولأميركا خصوصاً. فبعد الاحتفال بـ «سيريزا» اليونانيّة لأنّها «توجّه صفعة» للمؤسّسات الماليّة الدوليّة، ساد التشكيك بها وبـ «انتهازيّتها» لأنّها تريد التوصّل، مع تلك المؤسّسات، إلى حلّ يُخرج اليونان من أزمتها الخانقة. ولئن وُصفت كوبا المحاصَرة والجائعة بأنّها «قلعة التحدّي للإمبرياليّة»، فإنّ كوبا التي تنوي مغادرة بؤسها لا تستحقّ أيّة تحيّة أو أدنى إشارة. أمّا الصين التي يُنسب إليها مناطحة الولايات المتّحدة، فيُغضّ النظر تماماً عن أنّها أكثر «وحشيّة» في رأسماليّتها من أيّة «رأسماليّة متوحّشة» في بلدان الغرب. وهكذا دواليك...

بيد أنّ روسيا، السوفياتيّة ثمّ الاتّحاديّة، تبقى مركزيّة في هذا السرد المنافق. فقديماً كان للالتحاق بالاتّحاد السوفياتيّ، أو لمجرّد تفضيله على الأنظمة الديموقراطيّة في الغرب، أن أسّس لتراجع التنوير في اليسار لمصلحة الشعبويّة، ولضمور كلّ عداء للاستبداد ما دامت موسكو قلعة الاستبداد في العالم. ثمّ كان لانهيار الاتّحاد السوفياتيّ، مطالع التسعينات، أن جدّد الإحباط الشعبويّ، إلاّ أنّه عاد سريعاً، نظراً إلى غياب المراجعات النقديّة، لينشّطه ويصلّبه ضدّاً على الواقع والوقائع، وكانت لافتات مناهضة العولمة التعبير الأبرز عن نوستالجيّات قوميّة يسندها استقطاب الحرب الباردة الذي تعلّقت به القلوب والعواطف. لكنّ هذا التعرّي من التقدّميّة والأمميّة لمصلحة الشعبويّات القوميّة والدينيّة وجد في روسيا أيضاً علاجه الجزئيّ. ذاك أنّ الأخيرة، وعبر حروبها المباشرة أو المداورة مع المسلمين، عوّضت هذا النقص التقدّميّ وأعادت إلى أصحابه بعض السمعة التي فقدوها بوصفهم «تقدميّين».

فروسيا، حتّى قبل صعود بوتين، إنّما تصارع «رجعيّين وظلاميّين»، من خلال تحالفها مع الصرب، الأشقّاء الصغار في السلافيّة الأرثوذكسيّة، منذ ابتداء القتال هناك في 1992. وهذه المواجهة التي تطوّرت إلى تطهير إثنيّ طاول المسلمين أساساً، أريد حجب فظاعتها بحجّة أنّ إسلاميّين تطوّعوا للقتال فيها أو بأنّ عزت بيكوفيتش إسلاميّ يرعى إرهابيّين. وفي 1994 دخلت القوّات الروسيّة الشيشان في حرب عادت لتتجدّد في 1999 مقدّمةً نموذجاً ناصعاً عن إستراتيجيّة الأرض المحروقة. لكنْ كيف لا يكون تقدّميّاً من يواجه أحفاد الملالي الرجعيّين كالشيخ منصور أواخر القرن الثامن عشر أو الإمام شامل أواسط القرن التاسع عشر؟ ثمّ في 1998 كان الهجوم الصربيّ على كوسوفو، وهي «قدس الصرب» وموطنهم الأوّل الذي تعود حربه إلى الخسارة الأولى أمام الأتراك في 1389.

وقصارى القول إنّ بيئة النفاق اليساريّ - الباسيفيّ لا تجد ما ينعش زعمها التقدّمَ والتقدّميّةَ إلاّ الحروب على مسلمين. أمّا روسيا فوسيط هذه الوظيفة وأداتها... قبل بوتين ومعه وربّما بعده.

omantoday

GMT 21:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 21:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 21:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 21:53 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الهُويَّة الوطنية اللبنانية

GMT 21:52 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عقيدة ترمب: من التجريب إلى اللامتوقع

GMT 21:51 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات تواجه مؤتمر «كوب 29» لمكافحة التغير المناخي

GMT 21:50 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

بين الديمقراطيين والجمهوريين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفضال روسيا على اليسار الشعبويّ أفضال روسيا على اليسار الشعبويّ



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab