اليسار و «هيصة» سيريزا

اليسار و «هيصة» سيريزا

اليسار و «هيصة» سيريزا

 عمان اليوم -

اليسار و «هيصة» سيريزا

حازم صاغية

أثارت «سيريزا» ضجيجاً في اليونان، ولكنْ خارج اليونان خصوصاً. قيل إنّ اليسار انبعث من رقاده، لا بوصفه إشتراكيّة ديموقراطيّة، مثلاً، ولا كاحتجاج إنسانيّ على النيو ليبراليّة وتوزيعها المجحف. لقد انبعث اليسار، بحسب المتحمّسين، كأنّه بداية للتاريخ تُنهي ما قبله المسمّى رأسماليّةً. إنّها، مرّةً أخرى، لغة شفير الهاوية الشعوريّة الحبلى بالبدايات والنهايات.

ومفهومٌ أن تثير النيو ليبراليّة الاستياء، فضلاً عن الضجر. فوصفة التقشّف علاجاً لكلّ زمان ومكان مثيرة للاستياء وللضجر معاً. وهي، بعد ذلك، ليست وصفة، بدليل أزمة 2008 التي ما زالت تتوالى فصولاً. مع هذا، من غير المقبول أن يتحوّل ناقد الرأسماليّة إلى كاساندرا معاصرة، تكرّر ما فعلته ابنة ملك طروادة، فلا تتنبّأ إلاّ لتنذر البشر بخراب المدينة. فما دام أنّ الرأسماليّة ضاربة أطنابها، فكلّ ما تبقّى لنا أن نكتئب اكتئاباً لا يداويه إلاّ خلاص سيريزيّ يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً. لكنْ لئن ولّت عبادة الأبطال وجبَّتها حداثة لا تتّسع للبطولات، فليست عبادة الضحايا بديلاً منها، ولا انتظار الخلاص على أيديهم، لمجرّد أنّهم ضحايا.

ذاك أنّه بعد «هيصة» اليونان و «سيريزا»، معطوفةً على «هيصة» «احتلّوا وول ستريت»، عادت أثينا وقبلت بإصلاحات هيكليّة لاقتصاد بلد شبه متخلّف، في مقابل تمديد التمتّع بالقروض الأوروبيّة. هكذا فُتح الباب لـ «المفاوضات التقنيّة»، فتذكّر بعضنا القولة الشفويّة: ظننّا الباشا باشا فإذا به رجل!

والحال أنّ ثمّة شيئاً انتهى لا يريد اليسار الشعبويّ أن يقرّ بانتهائه. فاليونانيون، وسواهم، ما عاد في وسعهم، «موضوعيّاً» والحقّ يقال، أن يكونوا ذاك الطائر المغرّد خارج الأسراب. إنّها العولمة يا غبيّ، كما كان لسياسيٍّ كبيل كلينتون أن يقول.

والوجهة الصاعدة هذه لم تبدأ البارحة، بل استبقت العولمة. ففي آسيا، ومنذ السبعينات، شرعت دول صغرى ومتوسّطة الحجم تشقّ طريقاً إلى الرأسماليّة تتحاشى الاكتفاء الذاتيّ والانغلاق القوميّ والنزعة الحمائيّة والاستعاضة عن الاستيراد بالتصنيع، معوّلةً على الإفادة من حرّيّات السوق العالميّة ومن رخص اليد العاملة المحلّيّة للمنافسة في قلب «المركز».

وهذا النهج الذي كان تكراراً موسّعاً لما باشرته اليابان من قبل، خطّأَ مدرسة التبعيّة والتنمية، حيث يُفترض بالأولى أن تُعدم الثانية وتبقي «المحيط»، إلى ما لا نهاية، محيطاً.

وكان الأجدر بـ»الأمميّين» أن يكونوا الأكثر انتباهاً إلى محدوديّة ما يستطيعه بلدٌ بمفرده اليوم. وانتباهٌ كهذا في وسعه أن يعصم عن صبيانيّة يُضنيها، مرّة بعد مرّة، ذاك البحث عن أب كلّيّ القدرة. فكيف حين يكون البلد المعنيّ مهيض الجناح كاليونان لا تكفي الإرادويّة لإقالته من عثاره؟

لقد سبق لاشتراكيّي أوروبا أن ساجلوا طويلاً في أمر روسيا، وكان الرأي الأكثر حصافة، الذي انتصر له التاريخ بعد سبعة عقود على ثورة أكتوبر، أنّ بلداً فقيراً ومتخلّفاً كذاك البلد لا يسعه الاضطلاع بالمهمّات الكبرى التي تورّطه «طليعته» فيها. ولأنّ الثقافة السياسيّة العربيّة لم تنصت لذاك السجال، لا يزال رموزها يتحدّثون عن «دور مصر المركزيّ»، قافزين عن حقيقةٍ تفوق الموقع الجغرافيّ أهميّةً هي فقر مصر.

ويساريّونا الذين أسكرتهم «سيريزا»، فاتَهم السجال الأوروبيّ واللاسجال العربيّ، بل فاتهم أيضاً أنّ السياسة في البلدان الديموقراطيّة غدت صراعاً على الوسط، ينصبّ التعارض فيه على المناهج أكثر ممّا على الأصول والقيم. فهناك لم تعد العداوات رؤى ميتافيزيقيّة أو إيماناً دائم التعالي على التحليل. وصورة السياسة هذه تواجه مشكلات كثيرة بالطبع، لكنّها لا تواجه من التّحدّيات إلاّ اثنين: واحداً يهبّ من شعبويّي اليمين الأوروبيّ المتطرّف، وآخر يصدر عن أنظمة الاستبداد وتنظيمات التكفير عندنا.

فالعالم تغيّر يا رفاق، وصفحة الملاحم طويت، كما جفّت الأجنّة التي تخرج إلى الحياة يحفّ بها الضجيج، لتموت، بعد برهة، يلفّها الصمت. والمؤكّد، بعد كلّ حساب، أنّ رحيل غيفارا لم يعد «آخر خبر في الراديوات».

omantoday

GMT 19:01 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عالم بلا عدالة

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليسار و «هيصة» سيريزا اليسار و «هيصة» سيريزا



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab