تفويض إيران أمر العرب

تفويض إيران أمر العرب!؟

تفويض إيران أمر العرب!؟

 عمان اليوم -

تفويض إيران أمر العرب

حازم صاغية

إذا صحّ كلام البعض عن أنّ الولايات المتّحدة «فوّضت» إيران تسيير المنطقة، فهذا التفويض سيُعدّ بالطبع خطأً فادحاً. فليس بإيران تُقاتَل «داعش»، بل يحصل، والحال هذه، أن تلتفّ أعداد أكبر فأكبر من السنّة حول أبي بكر البغداديّ. ثمّ إنّ «تفويض» طهران، صاحبة المشروع الشيعيّ والمذهبيّ، سيكون تفويضاً للحروب الأهليّة في المنطقة وحضّاً على المزيد منها. وفي البداية والنهاية، يستحقّ سلوك إيران في سوريّة والعراق ولبنان العقاب، لا المكافأة.

أغلب الظنّ أنّ الذين يتحدّثون عن «تفويض» كهذا يبالغون، إن لم نقل إنّهم يتوهّمون، فيسحبون الاتّفاق في المجالين النوويّ والماليّ، الناجم عن رفع العقوبات، على سائر أوجه العلاقة الأميركيّة – الإيرانيّة. بيد أنّ ذلك لا يمنع من ظهور رغبة أو نيّة أميركيّة بأن تملأ إيران الفراغ المترتّب على انكماش الدور الأميركيّ. وأصحاب مثل هذه الرغبة قد يجدون في الانسحاب البريطانيّ من الخليج، قبل قرابة نصف قرن، سابقةً تعزّز أمانيهم.

أمّا الحجّة التي قد تتقمّصها الرغبة فستكون قدرة إيران على حلّ النزاعات والوفاء بما تلتزمه على هذا الصعيد، بالمعنى الذي كان يوصف به حافظ الأسد. لكنْ كما في حالة الأسد، سيخلط أصحاب الرغبة بين التسبّب بالنزاع أو تأجيجه وبين «حلّه» الذي لا يعدو، في واقع الأمر، السيطرة على النزاع وإبقاءه ناراً تحت الرماد.

مع هذا، سيظهر من يقول، بطاقة أكبر على الإقناع، إنّ عجز العرب عن إيجاد حلول للمشكلات هو ما يزكّي التعويل على دور إيرانيّ. ففي العقود الماضية لم ينجح العرب، دولاً أو جامعةً، في إنهاء نزاع واحد إنهاءً فعليّاً. وحين كانت الدول العربيّة الأكبر والأقوى تتّفق على سياسات حدّ أدنى، أو أوسط، لم تكن النتائج تتجاوز الترقيع الذي يترك أسباب الانفجار تتراكم وتنمو في الخفاء. وإذا كان لبنان منذ أربعين عاماً مثلاً ساطعاً، فإنّ العراق والتفرّج عليه منذ 2003 يقدّمان المثل الأشدّ مأسويّة. أمّا سوريّة فاستُعرضت فيها، منذ ثورتها في 2011، قدرة على العجز لا تساويها إلاّ القدرة على التخريب. وهذا ناهيك عن المسائل السودانيّة أو الصحراء الغربيّة أو المشكلة الكرديّة. فإذا أضفنا أنّ إسرائيل فشلت بدورها في توفير حلّ للمسألة الفلسطينيّة، وأنّ قيادتها الليكوديّة ترفض أصلاً توفير حلّ كهذا، فهمنا الرغبة في تولّي إيران، بعد أن تصبح «أشدّ اعتدالاً»، مثل هذه المهمّات.

وأسباب القصور العربيّ كثيرة، وكثيراً ما تمّ التطرّق إليها. لكنّ ثلاثة منها تستحقّ التوقّف عندها، مرّة بعد مرّة.

فأوّلاً، ليس هناك حيّز مستقلّ للسياسة بين حيّزي العلاقات الأخويّة – الأهليّة والعلاقات الحربيّة والنزاعيّة. لقد لوحظ، مثلاً لا حصراً، إبّان التفاوض المصريّ – الإسرائيليّ، أنّ أنور السادات يغلّب واحدة من لغتين في مخاطبته مناحيم بيغن: إمّا «نحن إخوان» نذلّل خلافاتنا بالأخوّة، أو مقاطعة عمليّة التفاوض والحرد وإعلان الفشل.

وثانياً، لا تتقدّم السياسات العربيّة إلاّ بوصفها سياسات الحاكم الذي يحظى بمبايعة كاملة من شعبه. وهذا ما يجعل المزاج يتحكّم بها كما يُضعف تمثيليّتها، وينعكس على سلوكها الرجراج. في المقابل، كان بنيامين نتانياهو حين خاطب الكونغرس للمرّة الأولى، كي يحضّه على رفض الاتّفاق النوويّ مع إيران، أكّد على حجم الخلافات داخل الكنيست الإسرائيليّ والذي يفوق كثيراً مثيله بين أعضاء الكونغرس. هكذا انتزع رئيس حكومة إسرائيل تصفيقاً متواصلاً.

وثالثاً، تعيش السياسة عندنا أسيرة إرباك دائم يلازم ثقافتنا السياسيّة، مصدره التباين بين الشرعيّة والسيادة. لقد استغرق أوروبا زمن طويل كي تحرّر مصادر الشرعيّة من المسيحيّة وتجعلها تتطابق حصريّاً مع السيادة الوطنيّة. أمّا عندنا فلا تزال السيادة تستقي الكثير من شرعيّتها من اعتبارات عابرة للوطن، بل عابرة للأزمنة، كالإسلام وفلسطين و «الأخوّة» العربيّة.

صحيح أنّ إيران وإسرائيل تشاركان الدول العربيّة بعض هذه المواصفات، لا سيّما جعل الدين مصدراً لجزء من الشرعيّة، وهو جزء كبير في إيران وصغير في إسرائيل. لكنّ الفارق، فضلاً عن ديموقراطيّة الدولة العبريّة، أنّ البلدين المذكورين دولتان وأمّتان معاً، ما يحرّر قرارهما المركزيّ من التضارب الذي تتسبّب به عربيّاً «الأخوّة» والشراكة مع دول أخرى في الإسلام وفلسطين.

وهذا، على عمومه، ما يُغري البلدين بملء الفراغ الذي تخلّفه السياسات العربيّة، وبالإفادة من التخبّط والعجز اللذين يلازمانها، كما يغري بعض الغربيّين بمداعبة أفكار خطيرة كهذه بين فينة وأخرى.

omantoday

GMT 13:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الخوف صار هذه الناحية

GMT 13:34 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل يستمر الصراع على سوريا؟

GMT 13:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

البيضة والدجاجة في السوشيال ميديا

GMT 13:31 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل «حرَّر» الشرع إيران من الإنفاق على المنطقة؟

GMT 13:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الاسم والنجم في دمشق

GMT 13:29 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

التغيير وعواقبه

GMT 13:27 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفويض إيران أمر العرب تفويض إيران أمر العرب



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab