محطّة تشاك شومر المحتملة

محطّة تشاك شومر المحتملة

محطّة تشاك شومر المحتملة

 عمان اليوم -

محطّة تشاك شومر المحتملة

بقلم - حازم صاغية

 

مَن ينظر إلى السياسة بوصفها «فنّ المستحيل» لن يعنيه الأمر أصلاً. أمّا من ينظر إليها بوصفها «فنّ الممكن»، وأنّها تنطوي على كثير من التسويات وأنصاف الحلول، فلا بدّ أن يستوقفه ما صدر عن تشاك شومر، قائد الأغلبيّة الديمقراطيّة في مجلس الشيوخ الأميركيّ. فهو دعا، في خطاب له، إلى انتخابات جديدة في إسرائيل، كما لو أنّه يقول إنّ مفعول التفويض الشعبيّ الممنوح لنتانياهو انتهى. فالأخير ضلّ طريقه وغدا أسير الماضي كما بات «عقبة كبيرة في وجه السلام، وخضع في أحيان كثيرة لمطالب المتطرّفين»، كالوزيرين سموتريتش وبن غفير اللذين «عزّزا التوتّر والعنف». ومع استبعاده طرد الوزيرين هذين من الحكومة، رأى شومر أنّ خطوة كتلك ستكون «خطوة إلى الأمام». ذاك أنّ رفض الدولة العبريّة حلّ الدولتين «خطأ فادح»، وعليها تصحيح المسار بهدف تحقيق سلام دائم.

وتزامن موقف شومر هذا مع إعلان الولايات المتّحدة عقوبات على ثلاثة مستوطنين إسرائيليّين آخرين، وللمرّة الأولى على كيانين زراعيّين، فيما وُصفت تلك القرارات بأنّها جزء من إجراءات أميركيّة – بريطانيّة لوقف طرد الفلسطينيّين وتهجيرهم في الضفّة الغربيّة المحتلّة.

والحال أنّ كلام شومر، وهو من أقطاب الحزب الديمقراطيّ، ومن عتاة مؤيّدي إسرائيل التقليديّين والمتشدّدين، فضلاً عن كونه اليهوديّ الذي يشغل أرفع منصب شغلَه يهوديّ في الولايات المتّحدة، لن يتحوّل إلاّ بصعوبة إلى موقف رسميّ يتبنّاه البيت الأبيض.

لكنْ من الخطأ أيضاً تجاهل أنّ كلامه جاء مسبوقاً بعدد من العبارات والإيحاءات الرئاسيّة التي نمّت عن الاستياء من نتنياهو والبرم بطريقته الهمجيّة في خوض حربه. أمّا بعد الخطاب، فلم يتردّد بايدن في وصفه بـ»الخطاب الجيّد»، وأنّ صاحبه «عبّر عن مخاوف جدّيّة... يشاركه إيّاها عدد كبير من الأميركيّين»، وهذا فضلاً عن الإشارة إلى أنّ قائد الأغلبيّة «أبلغَ موظّفي الرئاسة بأمر الخطاب في وقت سبق إدلاءه به».

فلن يكون مستحيلاً بالتالي، وإن لم يكن مضموناً، أن نشهد انزياحاً رسميّاً باتّجاه موقف شومر، وهو بالتأكيد ممّا ستكون معركة جون بايدن الرئاسيّة وحساباتها من العناصر المؤثّرة في وجهته.

فنتنياهو، كما هو معروف جيّداً، لم يكتف باستعداء كثيرين وتنفير كثيرين في العالم، فضلاً عن إسرائيل نفسها، بل هو ماضٍ في استعداء وتنفير الولايات المتّحدة، مصدر الدعم الأوّل لدولته ولحربها. وهو، بالمناسبة، ينطلق من رصيد سالب هنا أيضاً، إذ كان أوّل رئيس حكومة في الدولة العبريّة ينقلب على تقليد الوقوف مع البيت الأبيض، كائناً مَن كان شاغله، إلى الضلوع في المنافسات السياسيّة والحزبيّة الأميركيّة والوقوف إلى جانب الجمهوريّين.

وبدورها عبّرت «حركة الإصلاح»، أكبر الحركات اليهوديّة في الولايات المتّحدة، عن موقف قابل للتحوّلات، وصفته «هآرتز» بأنّه «موافقة على جوهر ملاحظات سيناتور نيويورك» و»تساؤل عمّا إذا كان ينبغي قولها».

وعلى العموم، أوحت كلمات شومر باحتمال تغيير قد يتأدّى عنه وقف الموت ومنع انتشار الحروب إلى بُقع جغرافيّة أخرى في المنطقة، فيما يكون الطريق إلى ذلك بناء تحالف عريض ممّن لم يعد يمكنهم تحمّل نتنياهو والتعايش مع دوره. وقد تندرج، في الخانة هذه، فضلاً عن الإدارة الأميركيّة، بلدان أوروبا الغربيّة والعالم العربيّ ومن يوصفون بالاعتدال الفلسطينيّ، فضلاً عن الخصوم الإسرائيليّين لنتنياهو وجماعات يهوديّة في الولايات المتّحدة. وقد يتمتّع توجّه كهذا بقدرة لا يُستهان بها على تصديع معسكر الحرب داخل إسرائيل، والكثيرون من هؤلاء يتجرّعون رئيس حكومتهم على مضض لظنّهم أنّهم مُستَهدَفون، هم أيضاً، بحرب إبادة أشارت إليها عمليّة 7 أكتوبر.

بطبيعة الحال فإنّ ما قد تسفر عنه الوجهة المذكورة، في حال إقلاعها، لن يكون تحرير فلسطين، ولا إيكال تمثيل فلسطين والفلسطينيّين إلى حركة «حماس»، أو إعلان انتصار «الجنوب العالميّ» على «الرجل الأبيض». لكنّ وقف الموت ومنع انتشار العنف يستحقّ أن يُنظر إليهما بوصفهما مكسباً كبيراً، وهذا بغضّ النظر عمّن يعلن «الانتصار» في النهاية.

ومكسب كهذا، في حال التوصّل إليه، يخلق بالتأكيد بيئة أشدّ ملاءمة لمعارك سياسيّة تنتزع مزيداً من الحقوق الفلسطينيّة المشروعة، فضلاً عن كونها بيئةً أقلّ دماً وألماً ودماراً. وهو ما يرشّح موقف شومر لأن يكون محطّة انتقاليّة محتملة إذا ما أُحسن التعامل معها، وهو ما ينبغي أن يُحسَن التعامل معه.

لقد رأى الفيلسوف الفرنسيّ ريمون أرون ذات مرّة، وكان يتحدّث عن المثقّفين، مع أنّ كلامه يتجاوزهم، أنّ على المرء أن يتساءل: «ماذا يمكنني أن أفعل لو كنت في مكان أولئك الذين يحكمون؟». فالمطلوب، عنده، هو تحديد الحلّ «الممكن» الذي يكون أفضل «لفرنسا أو للسلام، أو الأكثر تناسقاً مع الأخلاق». فهو لم يقل «الحلّ الأمثل» ولا قال «الحلّ الأخلاقيّ» بضربة واحدة. أمّا إصدار أحكام قاطعة ونهائيّة لا تقبل التطبيق فهذا ممّا لا تُحمد عقباه دائماً، وهو عند من يؤكّدون على المسؤوليّة والعمليّة، كريمون أرون، بعض ما لا يُحمل على محمل الجدّ.

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محطّة تشاك شومر المحتملة محطّة تشاك شومر المحتملة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 16:46 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 عمان اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab