إيران لا تكذب لكنها تعيش في عالم غير العالم

إيران لا تكذب... لكنها تعيش في عالم غير العالم

إيران لا تكذب... لكنها تعيش في عالم غير العالم

 عمان اليوم -

إيران لا تكذب لكنها تعيش في عالم غير العالم

بقلم : حازم صاغية

بدا المشهد خليطاً من فيلم سينمائي لألمو دوفار وفيلم آخر لكوينتين تارانتينو. إنّه مشهد سيّارة شيفروليه سوداء، أميركيّة جدّاً، جميلة ومهيبة معاً، تشقّ طريقها بين حشود ضخمة تهتف: الموت لأميركا. السيّارة كانت تحمل رفات قاسم سليماني الذي قتلته طائرة مُسيّرة، أميركيّة هي الأخرى.
المفارقة الضخمة التي رافقت جنازة سليماني في طهران اجتذبت تعليقات لا حصر لها على وسائل التواصل الاجتماعيّ. السخرية كانت طاغية على التعليقات، لكنّ هذا لم يردع أمين عامّ «حزب الله» حسن نصر الله عن الدعوة إلى... مقاطعة السلع الأميركيّة.
عالم من اللامعقول يتكشّف على نحو باهر أمام أعيننا. اللواء حسين سلامي، القائد الجديد لـ«الحرس الثوريّ» الإيرانيّ، يخبر قناة تلفزيون «الميادين» أنّ الظروف غير ملائمة الآن لمحو إسرائيل. غداً ربّما. هذا الكلام قيل بعد ساعات على ضربات إسرائيليّة جديدة استهدفت ضواحي دمشق وأصابت، على ما يبدو، مواقع إيرانيّة. في هذه الغضون، كان علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيرانيّ، يزور بيروت، ويعرض على الشعب اللبناني استعداد دولته لتقديم مساعدات اقتصاديّة له. المعروف للقاصي والداني أنّ دولته التي تتعرّض لعقوبات اقتصاديّة بالغة القسوة، بحاجة إلى أي معونة. قد يكون أشدّ قابليّة للتصديق أن يتطوّع لبنان المنهار ماليّاً لمساعدة إيران. على أي حال، فقد سبق لنصر الله أن نصح اللبنانيين بطلب العون المالي من الصين.
كذلك تَباهتْ إيران الرسميّة بمثال ديمقراطي تقدّمه للعالم، قاصدة انتخاباتها التي أجريت يوم الجمعة الماضي، لكنّ «مجلس صيانة الدستور» منع 80 في المائة من المرشّحين «الإصلاحيين» من الترشّح، ثمّ ردّد الإعلام الموالي لإيران أنّ «هزيمة الإصلاحيين مضمونة». استنتاج بالغ الموضوعيّة.
من جهة أخرى، يقول العالم إنّ محافظة إدلب السورية شهدت في الأيّام الأخيرة تهجير مئات آلاف البشر، وربّما بلغوا المليون، في واحدة من أكبر موجات التهجير في التاريخ. الإعلام ذو الهوى الإيراني يتحدّث، على العكس، عن انتصارات تاريخيّة تتحقّق في إدلب. وبالطبع، يذكّرنا الرسميّون الإيرانيّون، بين وقت وآخر، بأنّ الردّ المزلزل على اغتيال سليماني في طريقه. شيء ما، على ما يبدو، قد حصل على تلك الطريق!
الحال أنّ معظم الذين درسوا الأنظمة العقائديّة المغلقة لاحظوا أنّ الكذب، خصوصاً من خلال الدعاية السياسيّة (البروباغندا)، سمة أساسيّة من سمات اشتغال الأنظمة المذكورة. إنّها تكذب كما تتنفّس. لكنّ هؤلاء الدارسين الذين كتبوا، وكانوا يركّزون أساساً على النازيّة والستالينيّة، إنّما كتبوا في خمسينات القرن الماضي وستيناته. يومذاك كانت القطيعة تهيمن على أجزاء العالم المتخاصمة، وهذا ما توّجته الحرب العالميّة الثانية ومن بعدها الحرب الباردة. حينها كانت الأكاذيب قابلة للتصديق بسبب هذه القطيعة بالذات، وما رافقها من محدوديّة التواصل الإعلامي ومن قدرة على ممارسة الرقابة تعطيلاً للراديوات والتلفزيونات وغير ذلك. لقد كان جزء من العالم يعيش وراء «ستار حديديّ»، وفق تعبير تشرشل الشهير.
هكذا كان من الممكن مثلاً لكذبة، كإسقاط الطائرات الإسرائيليّة بالعشرات صبيحة 5 يونيو (حزيران) 1967. أن تعيش لساعات قبل أن يفضحها استماع القلّة بيننا إلى «بي بي سي» وباقي المحطّات الإذاعيّة الغربيّة. التغيّر بدأ مع قمّة هلسنكي في 1975 واتّساع ظاهرة المنشقّين السوفيات. لقد بدأ الخصم يعلم ما الذي يجري في بيت خصمه. لاحقاً كان للعولمة وثورة الاتّصالات أن دفعتا هذه الوجهة بعيداً إلى أمام. اليوم، حتّى تصديق الكذب لساعات، كما حلّ بنا في 1967، صار صعباً: إنّ الحدث يُشاهَد فيما هو يحصل، كما تقول الكليشيه التي صارت شهيرة.
إذن ما الذي تفعله إيران، ولماذا تكذب؟
في هذا الزمن المفتوح إعلاميّاً يُشكّ في أن تكون أقوالها من صنف الدعاية بالمعنى النازي أو الستاليني للكلمة. ذاك أنّ الأكاذيب وبالضبط لأنّها سريعاً ما تنكشف، باتت تؤدّي وظيفة مضادّة لما هو مقصود.
أغلب الظنّ إذن أنّ إيران لا تكذب، لكنّها أيضاً لا تَصدق. إنّها تؤسّس لواقع غير الواقع وتحاول العيش فيه. إنّها تؤسّس لعالم غير العالم. ربّما وُلدت هذه الرغبة مع قيام ثورتها في 1979: فهي باحتجازها العاملين في السفارة الأميركيّة بطهران أحدثت قطعاً مع المعنى المألوف للدبلوماسية. زعامتها المعصومة، الروحيّة والزمنيّة، التي ارتبطت بولاية الفقيه، هي غير سائر الزعامات. انتخاباتها غير سائر الانتخابات.
أمّا العيش في عالم غير العالم فليس ضمانة لصاحبه، وبالطبع ليس حجّة له. حتّى أنصار إيران يصعب، على المدى البعيد، أن يكتفوا بولائهم لها، أو إيمانهم بها، كي يصدّقوا ما لا يُصدّق.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران لا تكذب لكنها تعيش في عالم غير العالم إيران لا تكذب لكنها تعيش في عالم غير العالم



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 09:36 2013 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

افتتاح معرض ومؤتمر سلطنة عمان للبيئة "جلف إكو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab