«حزب الله» الثاني

«حزب الله»... الثاني؟

«حزب الله»... الثاني؟

 عمان اليوم -

«حزب الله» الثاني

بقلم:حازم صاغية

ليس واضحاً ما سيكون عليه «حزب الله» في المستقبل، إذ الإشارات المتفرّقة توحي بأنّ الوجهة المختارة لم تُحسم بعد.

فالأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم ونوّابه شرعوا، في ما يقولونه، يعطون دوراً أكبر للعناوين السياسيّة الوطنيّة، كانتخاب رئيس للجمهوريّة وتقيّد باتّفاق الطائف. ومعروف أنّ الحزب أقرّ، بعد طول تمنّع، بفصل لبنان عن غزّة، ودعم فلسطين «بوسائل أخرى»، وهو الإقرار الذي لولاه لما تمّ التوصّل إلى وقف إطلاق النار. كذلك وافق على نزع سلاحه، ولو أنّ تأويله المعلن يحصر النزع بجنوب نهر الليطانيّ دون شماله. والحال أنّ الإقرارين الأخيرين ينزعان علّة وجود «حزب الله» بوصفه «مقاومة»، أو في الحدّ الأدنى، يجعلانه مضطرّاً، عمليّاً ونظريّاً، لإعادة اختراع علّة الوجود تلك.

وفي الرهان على تحوّل من حزب عسكريّ إلى آخر سياسيّ، يصعب تجاهل المعاناة الاستثنائيّة التي يعانيها أبناء الطائفة الشيعيّة، بيئة الحزب المباشرة، تبعاً لـ»حرب الإسناد» وجرائم التدمير الإسرائيليّ. وهي ما يمكن أن يشكّل ضغطاً عليه، وإن لم تبرز علاماته بعد، لدفعه نحو التراجع عن وظيفته العسكريّة المدمّرة. وضغطٌ كهذا قد يفاقمه تواضع القدرات الماليّة الحاليّة، الحزبيّة والإيرانيّة، التي أعلن عنها الشيخ قاسم كتعويضات للمتضرّرين. أمّا الوجه الآخر للمسألة فتُمليه الحاجة إلى طرف يعبّر عن المشاكل الاجتماعيّة والمطلبيّة التي تطال خصوصاً بيئة الحزب، وإن طالت أيضاً اللبنانيّين جميعاً.

وهناك الآن فرص، وإن أنجبتها المآسي على ما هي عادة منطقتنا، تتيح افتراض تغييرٍ يسمح للحزب أن يمثّل كتلة شعبيّة جبّارة ويعبّر عن مصالحها. ففضلاً عن الحرب نفسها، بالتجارب التي حملتها والنتائج السياسيّة التي يُرجّح أن تؤول إليها، ثمّة تحوّل قد يطال إيران نفسها دافعاً بها إلى مراجعة سياساتها القديمة، وربّما التخلّي عنها، لصالح الانكباب على داخلها الوطنيّ. وها هي الحرب السوريّة تقطع على طهران طريق اتّصالها البرّيّ مع لبنان، بفعل إمساك «قسد» بالحدود السوريّة - العراقيّة.

وقد يفيد في توقّع تغيّر جدّيّ حلول قيادة جديدة على رأس «حزب الله» لا تتمتّع بكاريزميّة القيادة السابقة ممّا لا يحتاجه بلد يريد أن يكون طبيعيّاً، لا يرتبط بمواعيد مع الكوارث والمصائر ومبايعات الحشود.

لكنْ في المقابل، هناك عناصر تدفع في اتّجاه آخر. فما اصيبت به إيران في سوريّا، بعد لبنان، قد لا يكون بالضرورة دافعاً إلى تخلّيها عن الدور الإقليميّ. وكان خطاب قاسم الأخير قد أكّد على الوقوف «إلى جانب سوريّا»، ما فُسّر استعداداً للتورّط العسكريّ مجدّداً إلى جانب النظام، وهذا بغضّ النظر عن مدى القدرة العسكريّة الفعليّة على أداء دور كهذا.

فوق ذلك، فخطاب قاسم نفسه، وكلّ الكلام الذي صدر عن ناطقين بلسان الحزب والممانعة، يصرّان على أنّ نزع السلاح أمر ينحصر بجنوب الليطانيّ، وهذه مسألة خلافيّة جدّاً قد تتأدّى عنها صدامات داخليّة وصدامات تتعدّى الداخل أيضاً. ولا يزال الحزب، في مخاطبته جمهوره، يمتنع عن المصارحة بالحقيقة، ويستعيض عنها باللغة القديمة المكابِرة عن الانتصارات. وهذا ما قد يكون أحد أسبابه السعي إلى تحسين الموقع التفاوضيّ في النظام الطائفيّ، وفي حصص المستقبل، إلاّ أنّ إسهامه مؤكّد في توتير الأوضاع وتعقيد الانتقال إلى أحوال أهليّة مستقرّة.

وفي حال اعتماده الخيارات الأسوأ، لا بدّ أن يعمد الحزب إلى الاستثمار في الثغرات والنواقص ومشاكل التمويل التي تتعلّق بانتشار الجيش والقوّات الدوليّة في الجنوب، وفي الإعاقات التي قد تنجرّ عن ذلك.

ويبقى، بعد كلّ حساب، أنّ التغيّر المأمول لن يكون بسيطاً لأنّه يطال المضمون، لا الشكل، فضلاً عن ثقافة الحزب العميقة. فالحزب أقدم، في 1992، على خطوة وصفت بـ»اللبننة» و»التغيير»، تجسّدت في قبوله المشاركة في العمليّة الانتخابيّة. لكنّ الشيخ قاسم، وكان نائب الأمين العامّ، هو من شرح لاحقاً ذاك الموقف بوصفه نتيجة فتوى أصدرها المرشد الإيرانيّ خامنئيّ. بعد ذاك لم يتأخّر الحزب في البرهنة على أنّ صفة «اللبننة» تلك كانت هراء محضاً. ففضلاً عن المضيّ في التسلّح، خاض في النصف الثاني من التسعينات حربين مصغّرتين مع الإسرائيليّين، ثمّ كانت جرائم 2005 وحرب 2006 واجتياح 2008، وبعدها حلّ التدخّل في سوريّا، وهذا قبل أن نصل إلى باقي المآسي التي كانت «حرب الإسناد» أعلاها وأعنفها.

لهذا فإنّ إقدام «الحزب» على «تغيير» لن يكون جدّيّاً إن كان كـ «اللبننة» المزعومة للتسعينات، والتي دخل بموجبها حزبيّون إلى البرلمان كان التشريع آخر همومهم وأقلّها جدّيّة، بل لا بدّ أن يحوّله التغيير، حتّى يستحقّ تسميته، إلى حزب سياسيّ، غير ميليشيويّ.

وعلى العموم، فإنّ «حزب الله» الثاني لا يزال، وإلى حدّ بعيد، مسألة غامضة، يزيد في غموضها أنّ المرحلة المقبلة يُرجّح أن تكون، هي الأخرى، غامضة جدّاً، ليس في لبنان فحسب بل في عموم منطقة المشرق.

 

omantoday

GMT 20:07 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

كيف يوقف الشرع إسقاط نظامه؟

GMT 20:06 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

رجال الذكر والأثر

GMT 20:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها

GMT 20:04 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

«قمة فلسطين» وترمب: تضارب الأجندات والمصالح

GMT 20:03 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

عبير الكتب: رشيد رضا ومسألة الخلافة

GMT 20:02 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

هكذا يشنّ العرب الحروب وهكذا ينهونها

GMT 20:01 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ما علاقة الشعوب بالزواج والطلاق؟

GMT 20:00 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

«حماس» بين ما هو كائن وما يجب أن يكون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حزب الله» الثاني «حزب الله» الثاني



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 05:15 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

توازن بين حياتك الشخصية والمهنية

GMT 04:32 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 19:07 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 21:21 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 00:00 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 09:54 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الحوت

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab