حالة حربيّة دائمة لا حرب واحدة

حالة حربيّة دائمة... لا حرب واحدة

حالة حربيّة دائمة... لا حرب واحدة

 عمان اليوم -

حالة حربيّة دائمة لا حرب واحدة

بقلم:حازم صاغية

على أهميّة وقف إطلاق النار في غزّة وفي جنوب لبنان، الآن قبل الغد، فليسوا كثيرين من يقولون إنّ تطوّراً كهذا يفتح الباب لسلام نهائيّ. والحال أنّ المقاتلين أنفسهم، وعلى جوانب القتال الكثيرة، لا يعتبرون وقف إطلاق النار أكثر من محطّة على طريق طويل شائك. وحتّى لو وضعنا جانباً أهدافهم المبدئيّة الكبرى، كما يعلنها المقاتلون على أنواعهم، يبقى أنّ الحرب الحاليّة نفسها ذات تتمّات تتفرّع عنها، تتمّاتٍ لا يمتصّها وقف إطلاق النار ولا يلغيها. وليست التعقيدات التي تحيط بمستقبل غزّة وبطبيعة «اليوم التالي»، أو تكرار بنيامين نتنياهو المتعجرف إعلان وعيده حول «القضاء النهائيّ» على «حماس»، سوى صُور مصغّرة عن احتمالات الخراب المتدحرج. وهذا فضلاً عمّا يردّده البعض من توسّع في الحرب الإسرائيليّة على لبنان حالما تهدأ في غزّة.

وإسرائيل نفسها، كما نعلم، تنتظرها مواجهات حادّة بين رئيس حكومتها وخصومه الكثيرين، بمن فيهم قادة جيشه. ويغلب الظنّ، دون أن يكون ذلك مؤكّداً بالضرورة، أن تُخاض تلك المواجهات سياسيّاً. بيد أنّ الاحتمال السياسيّ لا تلبث أن تنخفض نسبته في أيّة مواجهة قد تحصل بين المؤسّسة العسكريّة ومن ورائها الجماعات العلمانيّة والقوى الدينيّة.

وبدورها فإنّ حركة «حماس»، وهذا ما لم يعد سرّاً، قد تجد نفسها في مواجهة صعوبات ذاتيّة كثيرة، أكان في ما بين قيادتي الداخل والخارج، أم في العلاقة بالسلطة في رام الله ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة، والأهمّ، في ما بين مقاتليها أنفسهم وعموم السكّان في غزّة ممّن أنزل بهم الإسرائيليّون ضرباتهم الإباديّة المجرمة بسبب عمليّة 7 أكتوبر الخرقاء في أحسن أوصافها.

لكنْ ألا يصحّ هذا التقدير نفسه في عموم المنطقة التي شاركت وتشارك في القتال؟

كائناً ما كان أمر الدولة العبريّة و»حماس»، يكاد الاحتمال السياسيّ يكون معدوماً في النزاعات التي تشهدها البلدان العربيّة المعنيّة والتي قد تشهدها.

بطبيعة الحال فإنّ الحوثيّة اليمنيّة التي وُلدت من بطن الحرب الأهليّة، ووطّدت سلطتها انطلاقاً من تلك الحرب، كما حظيت بدعم إيران السخيّ تبعاً لها، يرتهن استمرارها باستمرار عنف وتوتّر ما. ومنذ حرب غزّة بات هذا الدور العنفيّ يتعدّى نطاق اليمن الجغرافيّ المباشر ليحتلّ وظيفته على رقعة التجارة البحريّة وطرق الملاحة الدوليّة. فإذا حلّ سلام في اليمن، نتيجةً لوقف إطلاق النار الإسرائيليّ – الحمساويّ أو بمعزل عنه، جاز التكهّن بتضرّر الحوثيّين جرّاء فقدان الدور والوظيفة.

أمّا سوريّا فرغم كونها لم تشارك مباشرة في الحرب، إلاّ أنّ أرضها المهداة لميليشيات مقاتلة باتت جزءاً من لوحة تتوزّعها كثرة القوى المحتلّة المرفقة بكثرة «الأوضاع الخاصّة»، من السويدا جنوباً إلى إدلب شمالاً فالحسكة ونطاقها الجغرافيّ في الشمال الشرقيّ. وحلول سلام فعليّ في سوريّا، بغضّ النظر عن وقف إطلاق النار الإسرائيليّ – الحمساويّ، يطيح بالتأكيد منظومة الحرب الأهليّة المستمرّة كما يجسّدها نظام الأسد.

أمّا في لبنان والعراق، فالصحيح أنّنا لا نجد قوى جاهزة للقتال ضدّ «حزب الله» أو ضدّ فصائل «الحشد الشعبيّ»، لكنّ علاقات الجماعات داخل البلدين المذكورين تبقى من جنس حربيّ تكاد لا تخالطه أيّة سياسة. فنحن أمام أكثريّات سكّانيّة اعتبرت، وذلك قبل حرب غزّة وبمعزل عنها، أنّ الميليشيات المسلّحة في بلدانها، التي تستمدّ دعمها من إيران، إنّما هي حالة حرب أهليّة ومذهبيّة دائمة. لا بل إنّ حرب غزّة نفسها ذريعة قويّة لتشديد حروب تلك الميليشيات على شعبها ومجتمعها وتوطيد تحكّمها بهما. وتكفي مراجعة سريعة لكلّ حرف يصدر عن «حزب الله» للتأكّد من أنّه لا يملك للمجتمع اللبنانيّ إلاّ وعد الحرب الدائمة والإخضاع الدائم.

وإلى ذلك، لن تشعر إيران نفسها بالارتياح إلى استقرار ليست شريكة فيه، وهي تعريفاً يصعب أن تكون شريكاً في الاستقرار، أو أن تُدعى إلى شراكة كهذه، حتّى لو اختير لرئاستها، ضئيلة التأثير، رجلٌ يوصف بالاعتدال والاصلاحيّة.

وهذا ما ينبّه، لدى تفسير الحرب في غزّة، إلى بُعدٍ من أبعادها يلفّه التجاهل، هو الطبيعة الحربيّة العميقة للقوى المحاربة وحاجتها كلّها إلى الحرب. فما عاشته وتعيشه غزّة لا يمثّل انقطاعاً عن طريقة حياة، وقد يمثّل، في المقابل، تتويجاً لها. ذاك أنّ الأمر لا يدور حول حرب كبرى يُفترض لأجلها إسكات الحروب الصغرى، استجابةً لآمر «التناقض الرئيسيّ»، تماماً كما أنّ وقف الحرب ليس استنهاضاً لقوى سلام وتحرّر واستقرار تمنعها الحرب، ممّا توصف به عادةً الحروب وطاقتها على تعطيل «الحياة العاديّة». فسادة «الحروب الصغرى» يتطلّبون «الحرب الكبرى» بقدر ما يتطلّب سادة «الحرب الكبرى» «الحروبَ الصغرى». ونوعا الحرب هذان، إذا سلّمنا بأنّهما نوعان، تتطلّبهما منطقة آثرت قواها أن تحوّلها قاعاً صفصفاً.

omantoday

GMT 19:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 19:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

GMT 19:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: بدء موسم المبادرات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حالة حربيّة دائمة لا حرب واحدة حالة حربيّة دائمة لا حرب واحدة



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 عمان اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 عمان اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 21:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 عمان اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 21:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
 عمان اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab