إسرائيل والثورات والأنظمة

إسرائيل والثورات والأنظمة

إسرائيل والثورات والأنظمة

 عمان اليوم -

إسرائيل والثورات والأنظمة

حازم صاغية

مع اندلاع الثورات العربيّة، خصوصاً السوريّة، خفّ التراشق بالتهمة الإسرائيليّة بين الأطراف المتصارعة في العالم العربيّ، وفي البلدان بلداً بلداً. صحيحٌ أنّ النظام السوريّ واستطالاته الإعلاميّة واظبت على التذكير بأنّ تصديع الحكم الأسديّ يخدم إسرائيل ومصالحها. وبدورهم، لم يفوّت المعارضون فرصة لإعلان أنّ ذاك النظام لا تهمّه محاربة الدولة العبريّة، هذا إن لم يكن متواطئاً ضمناً معها، أو شريكاً لها في مصلحة «موضوعيّة» تخدم الطرفين. لكنْ عموماً، بدا الأمر عند الجهات جميعاً أقرب إلى استسهال لغة الماضي المألوفة واستخدامها بما تيسّر من ابتزاز للخصم، ممّا إلى استنباط معانٍ جديدة تشبه الحاضر ومجرياته.

وقد تغيّر الأمر لاحقاً، إنّما نسبيّاً، مع وقوع الجبهة الجنوبيّة في أيدي معارضين للنظام السوريّ، ونقل بعض المصابين منهم للعلاج في إسرائيل. ذاك أنّ الصوت الذي يردّ أفعال الخصم إلى صناعة إسرائيليّة ظلّ خافتاً بالقياس إلى المعهود: فالنظام لم يصل به الأمر إلى تنسيب «المؤامرة» عليه إلى إسرائيل، وحين كان يقترب من إصدار تهمة كهذه، كان يرسم الدولة العبريّة أباً أصغر قياساً بأبوّة الأتراك والخليجيّين الأكبر. والمعارضون، كذلك، لم يقولوا إنّ إسرائيل مَن يمدّ نظام الأسد بأسباب بقائه التي كاد يحتكرها الروس والإيرانيّون. وعند الطرفين المتحاربين ظلّ الاتّهام تأويلاً أكثر منه وقائع ومعطيات.

وهذه نقلة سياسيّة، وربّما ثقافيّة، نُزعت بموجبها أبوّة الشرّ الأولى عن «العدوّ الصهيونيّ»، فصار الأخير شرّيراً صغيراً، أو شرّيراً عاديّاً، إلاّ أنّه كفّ عن أن يكون مصنع الخطايا والسموم في العالم العربيّ. وكلّما اتّجه الكلام إلى بلدان أبعد عن مهد النزاع، كليبيا أو اليمن، زاد تقلّص الشرّ الإسرائيليّ.

وحجم هذه النقلة إنّما يتبدّى بالقياس إلى اللغة اللاساميّة المعهودة من أنّ الشرّ يهوديّ واليهود شرّ، كما بالقياس إلى اللغة الأشدّ تسييساً وحذلقة عن شرّيّة «التحالف الصهيونيّ – الإمبرياليّ».

وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أنّ إسرائيل صارت خيّرة، كما لا يعني أنّ خصوبة البطن اللاساميّ قد جفّت، أو أنّ الحقّ الفلسطينيّ لم يعد حقّاً. ما يعنيه ذلك، في المقابل، أنّ الواقع العربيّ صار، للمرّة الأولى منذ نشأة دولنا المستقلّة، أشدّ خياليّةً من الخيال الذي تستدعيه عقليّة المؤامرة. فحين تصبح الكراهيّات الأهليّة مرئيّة على هذا النحو الفاضح، وحين يناط بالظاهرة «الداعشيّة» أن تتوّج المسار الذي اختطّته بلدان عربيّة عدّة، يغدو تضخيم العنصر الإسرائيليّ سلعةً لا طلب عليها لأنّ طلباً كهذا يُحرج طالبه في المحلّ الأوّل.

والحرج إنّما يفاقمه السلوك الإسرائيليّ نفسه الذي يتدخّل بالمراقبة والتوقّع، وأغلب الظنّ بطرقٍ خفاؤها يفوق علنيّتها، واشتغالها على الأطراف والهوامش يفوق اشتغالها على العواصم والمتون التي لا سبيل، لدى الإسرائيليّين، إليها. وهو ما يصحّ في جنوب سوريّة بقدر ما يصحّ في شرق مصر. فإسرائيل لا تحبّ أنظمتنا ولا تحبّ ثوراتنا إلاّ بالقدر الذي توفّر لها، هذه أو تلك، الاستقرار الحدوديّ. وبما أنّ الاستقرار الذي تطلبه طويل الأمد، فيما الأنظمة والثورات عاجزة عن توفيره، عُلّق الأمل الإسرائيليّ على تحبيذ الفوضى والخراب العربيّين مقروناً بضمان الاستقرار في الزوايا الحدوديّة المباشرة، عبر تعاون جزئيّ وعابر مع هذا النظام أو مع ذاك الفصيل في تلك الثورة. وخليط كهذا من الانكفاء والدفاعيّة والتكهّن و «بناء الجدران» وفقاً لدعوة نتانياهو يضاعف إرباك اللغة القديمة بسائر أشكالها النضاليّة، حيث تحضر إسرائيل هجوميّة ومتدخّلة وعارفة وحاسمة.

بيد أنّ هذا التحوّل الخطابيّ في تحديد الحصّة الإسرائيليّة من الشرّ ليس صلباً، مثله في ذلك مثل سائر التحوّلات الراهنة القليلة المناعة. أمّا التراجع عنه فيبقى ممكناً إن انهارت أوضاعنا كلّيّاً وأقرّ جميع المتصارعين بأنّها منهارة ومسدودة الأفق. عند ذاك قد يتراءى الرجوع إلى «الصراع العربيّ – الإسرائيليّ» إنقاذاً، وإن كنّا لا نملك من عدّته إلّا الوهم.

omantoday

GMT 13:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الخوف صار هذه الناحية

GMT 13:34 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل يستمر الصراع على سوريا؟

GMT 13:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

البيضة والدجاجة في السوشيال ميديا

GMT 13:31 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل «حرَّر» الشرع إيران من الإنفاق على المنطقة؟

GMT 13:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الاسم والنجم في دمشق

GMT 13:29 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

التغيير وعواقبه

GMT 13:27 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل والثورات والأنظمة إسرائيل والثورات والأنظمة



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:33 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
 عمان اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab